العميد يعرب صخر يكتب: الشرق الأوسط وحروب الجيلين الرابع والخامس
لمن يظنون أننا في فترة سلم، أو أقله ما بين الحرب والسلم، ولا يرون في الحرب إلا صوت المدافع وانهمار القذائف والتلطي في الملاجيء أو تقدم جيوش وتراجع اخرى….. أقول لهم إننا في خضم الحرب، ولكن حرب الجيل الرابع، المتصلة سريعًا" بحروب الجيل الخامس.
حرب الخليج ٢٠٠٣ كانت خاتمة حروب الجيل الثالث التقليدية. نشهد الآن حروب الجيل الرابع وتتبعها USA بأسلوب الحرب اللامتماثلة Asymmetric, عبر تشتيت أهداف الخصم وارباك وانهاك منظومته القيادية وابقائه في حالة خوف مستمر ...بأساليب غير حربية دعائية واعلامية، وقرصنة الكترونبة وسيبرانية، والتهديد باستعمال القوة الماحقة مع صدق النية...تمهيدا" لجره للقبول بشروط وقيود تكبله لآجال طويلة.
وقبل الاستفاضىة علينا التدليل اولا" على حروب الأجيال الثلاثة التي سبقتها.
حروب الجيل الأول هي التي كانت تخاض بالوسائل البدائية (سيف وترس وخيول ومنجنيق وعديد جيوش..).
حروب الجيل الثاني: اختراع البندقية والمدفع وتنظيم أساليب الهجوم والدفاع وتطوير الخطط الحربية (الحروب النابوليونية…).
حروب الجيل الثالث: بعد إبتكار المدرعات والراجمات والطائرات والصواريخ و Media (الحرب العالمية الأولى، والثانية بصورة أكثر تطورا").
التقدم الهائل في التكنولوجيا
منذ أواخر الثمانينات غدت ال Media والتقدم الهائل في التكنولوجيا ووسائل الإتصال، هي المحرك السريع في نقل العالم إلى العولمة بتقصير المسافات وكسر الحدود وجعل العالم قرية كونية واحدة (Globalization).
ركبت الحروب على ذلك وتطورت إلى جيلها الرابع، عبر ابتكار أسلحة الدمار الشامل والدقة العالية العابرة للحدود والقارات ولما بقيت تكاليفها باهضة، تركت للاستعمال النهائي عند التقرير الحاسم بإنهاء الخصم.
لذلك علقت عملياتها للوقت الحاسم واستعيض عنها بمنظومات الجيل الخامس الأقل كلفة بكثير والتي لا تستلزم حشد الجيوش ومستلزماتها اللوجستية المكلفة بأعداد كبيرة، وتوفر بنفس الوقت في أرواحهم وإصاباتهم، وبالتوازي تكبيد الخصم الخسائر المهمة في منظوماته القيادية وتشتيت جهده وانتباهه وإرباكه، فيتلقى الضربات على رأسه ولا يعرف من أين وكيف ومتى!!!
أما ما هي وسائط الجيل الخامس، فهي عامة":
- الخنق الإقتصادي والعقوبات والتضييق التجاري وسد منافذ السيولة والتداول.
- الهجمات السيبرانية cyber attacks: وترتكز على تسخير الأقمار الاصطناعية وملحقاتها الالكترونية لمراقبة ورصد وتتبع أهداف محددة للتشويش عليها وعكس برامجها وحرف وجهتها.
- حروب الوكالة: مثلا"؛ يكفي خلق او السماح لميليشيا Non State factors بالظهور وتسليحها وتقويتها في بيئتها لتطغى على الدولة الحاضنة الخصم وتشاغلها، فينشأ عدم استقرار ويضيع الهدف الوطني للدولة. وعند ذلك، لإبقاء السيطرة على هذه الميليشيا لا بد من خلق ميليشيا أخرى تناهضها داخل الدولة أو خارجها في دولة مجاورة، فينشأ نزاع بالوكالة يلهي الأخصام ببعضها ويشغلها عنك.
- تنمية العقائديات في البلدان ذات الأطياف المركبة والتعدديات الطائفية المتناقضة، وتغليب الأقليات على الأكثريات. وهنا تطغى العقائدية على الوطنية، فتؤدي إلى التنازع داخل الدولة الخصم. Ideologism overwhelming Nationalism.
- الطائرة بلا طيار/عقيدة أوباما (Drone) لعمليات الرصد والاغتيال لأهداف مهمة ومؤثرة.
- التحكم بأسعار الطاقة (نفط وغاز) وامتداداتها. وحصار الموانيء والمطارات.
- السيطرة على المحيطات والبحار وطرق التجارة والمنافذ والمفاصل البحرية، عبر نشر الأساطيل والسفن والمدمرات البحرية.
- السيطرة الشاملة على وسائط المراقبة الجوية والبحرية والإنذار المبكر.
- الجاسوسية التقنية النشطة، وسرقة المعلومات، والتخريب من الداخل، وإشاعة الفوضى والفساد والإفقار.
- شراء الذمم، زرع العملاء، وتسويق شخصيات رخيصة إلى مراكز الحكم للتحكم بصنع القرار في الدول المستهدفة.
- تأليب الجماهير على دولها، وإحداث الانقلابات.
- اللوبيات النشطة lobbying في مراكز صنع القرار.
- التهويل الدائم بالقوة الماحقة (النمط الرابع) وإظهار وسائلها وأساليبها، مع إثبات العزم وصدق النية باستخدامها (عقيدة ترامب).
نهاية"؛ إذا أمعنا النظر في كل ما يجري، نرى أننا في خضم الحرب بلا ضجيج. موت بطيء وإنهاك تدريجي… إنها الحروب الحديثة، حروب الجيل الخامس المتداخلة في بعض وسائل الجيل الرابع إنما أكثر تطويرا" وتركيزا" وإيذاء" وأقل كلفة"... إنها القدرة على الاحتواء تمهيدا" لإنهاء الخصم تكلف بضعة العشرات من الملايين بدلا" من إتفاق عشرات المليارات.. وهي بالضبط ما يعيشه الشرق الأوسط قلب العالم ومركز تصادم القوى.