أدهم إبراهيم يكتب: حقيقة الصراعات الطائفية في المنطقة
أنا لا أتحدث عن الاختلاف بين السنة والشيعة كطوائف، ولا عنه كافراد بل اتحدث عن الوجه الآخر للصراع واقصد به التيارات السنية الشيعية المستحدثة في المنطقة.
فالصراع السني الشيعي في منطقتنا هو صراع سياسي بالتمام والكمال ، اتخذ طابعا طائفيا لتنفيذ مآرب واهداف سياسية والنزاع الظاهري بينهما يستند على اسس جيوستراتيجية أكثر مما هو انقسام أيديولوجي .
بدأ ذلك فعلا عندما قامت امريكا بتنفيذ سياستها القمعية بالشرق الاوسط بعد هجمات 11 ايلول /سبتمبر 2001 فقامت بغزو افغانستان ثم العراق.
وفي العراق عملت على تقسيم الشعب الى مكونات كخطوة اولى لتنفيذ اهدافها في خلق نزاعات محلية بين المكونات لانتاج الفوضى وتقويض سلطة الدولة . ثم مكنت ايران من التوسع في المنطقة .
أمريكا لاتحب ايران ولا السعودية ولا تحب الشيعة ولا السنة، وهي تبحث دائمًا عن مصالحها واستمرار نفوذها.
بعد غزو العراق سعت أمريكا ومن وراءها الغرب على احتواء ايران من خلال اشغالها في المنطقة ، والهائها بصراعات محلية ، فعملوا على تقويتها وتمكينها لخلق توازن في القوى مع محيطها السني الاكثر عددا وعدة ، حتى تنشغل في صدامات نظرية ثم عسكرية بواسطة اطراف موالية لها ، مستغلين طموحها في تصدير الثورة .
والسنة الذين رفضوا التنازل عن مكاسبهم السياسية تطرف البعض منهم وحمل السلاح . واكتفى الاخرون بالنقد في مواجهة مايعتقدوه خطر وجودي عليهم .
وأندفعت ايران في طموحها السياسي بدعوى حماية المذهب، مستغلة نسبة الجهل والامية، فانخرطت اذرعها في صدامات مسلحة في العراق وسوريا واليمن ، وتأزيم الموقف في لبنان الى حد الافلاس .
ومازال الشوط مستمرًا، فلم تدرك ايران ان توسعها هذا مؤقت لتنفيذ بعض الاهداف، كاشغال المنطقة بحروب محلية ليس فيها رابح ولا خاسر، ثم جعلها عدوة بديلة عن اسرائيل لتقضي بذلك والى الابد على الصراع العربي الاسرائيلي .
وكذلك الاسلام السياسي السني مازال يكابر ولا يدرك انه مخلب قط للمشاركة في الصراعات المحلية دون الحصول على حكم حقيقي في اي دولة في المنطقة !
إنها ليست نظرية المؤامرة!
انظر كيف انسحبت امريكا من العراق عام 2011 وظهرت داعش في العراق وسوريا، فعملت على ضرب الشيعة والسنة والمسيحيين واليزيديين والدروز ... دون تمييز.
وانظر الى الوضع السوري كيف تحول الربيع العربي الى صراع سني شيعي ، فالجهات الفاعلة في الحرب في سوريا كانت مشروطة باستراتيجية التطرف والطائفية حيث يتم فرض البعد الديني للتغطية على إستراتيجيات سياسية أعمق تلبي أهداف كل المشاركين في الداخل والخارج .
فتم تدمير الشعب قبل المدن .
وانظر الى اليمن التي كانت وادعة نتيجة العقيدة الزيدية المتسامحة كيف دخلت في حرب اهلية ، وهناك من يؤجج الصراع السياسي المميت بين الاطراف المتنازعة والى يومنا الحاضر فراح ضحيتها الشعب اليمني المغلوب على امره.
المملكة العربية السعودية دفعتها مصالحها السياسية في المنطقة لدعم الجيش المصري للإطاحة بمحمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين ، فتلاشى النفوذ السياسي السني الذي اعتمدت عليه طوال عقود وتدخلت في اليمن للحفاظ على هيمنتها في المنطقة .
وقطر الاخرى تدير ظهرها للسعودية منطلقة من مصالحها في لعب دور مهم في المنطقة ...
ثم انسحبت أمريكا من افغانستان السنية المتطرفة في محاولة لمواجهة ايران وباكستان تقف على حدودها لتأجيج الصراعات بظاهرها الطائفي وبواطنها السياسية وأن الصراع بين ايران وجيرانها العرب صراع قوميتين اتخذ الشكل الطائفي لتنفيذ الاهداف السياسية !
وتم توظيفه لاشعال المنطقة في حروب محلية وخلط الاوراق لتنفيذ المآرب السياسية المحددة سلفًا.
في الحرب العراقية الايرانية التي امتدت ثمان سنوات كان الشيعة العراقيون عمومًا موالين لبلدهم، تمامًا كما ظل السنة في إيران موالين لبلدهم.
فكيف تغير الحال واصبح الصراع طائفيا ؟
هل هو الذكاء الاسرائيلي لطي صفحة النزاع العربي الاسرائلي ؟ ام هو المخطط الامريكي الغربي للسيطرة على موارد الشرق الاوسط الغنية، واشغالهم بمعارك جانبية لحماية اسرائيل.
في كل الاحوال تم تنفيذ هذه المخططات بنجاح تام وبناء على كل ذلك لايمكن النظر الى الصراع الطائفي في الشرق الاوسط الا كونه السطح الظاهري للرهانات والنزاعات الاقليمية والدولية الجيوسياسية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
أن ما نراه من العمل على تشديد الانقسام بين السنة والشيعة ، ماهو الا خطاب اعلامي يتعلق بالتعبئة لتنفيذ اهداف ومخططات سياسية اقليمية ودولية هذا هو الوصف الحقيقي للنزاع السياسي في الشرق الاوسط الذي اتخذ طابعا طائفيا للاستقطاب ولاضفاء الشرعية او القدسية الزائفة عليه.
لذا يتوجب علينا جميعًا العودة الى الرشد، الى قيمنا وثقافتنا التي كانت في وقت قريب مضرب الامثال في التآزر والتسامح ، والعلاقات الاجتماعية المبنية على التعاطف والاحترام المتبادل.
أنّنا يجب ان ننتبه الى المخططات السياسية الخبيثة، وأن نلتفت كمجتمعات ودول الى مواقعنا في النظام العالمي الجديد، الذي ترسم ملامحه الان نظامًا خاليًا من الهيمنة الاحادية.
ونعمل على التعاون بين دولنا لمافيه خير شعوبنا بعيدًا عن احلام العصافير التي لم نحصل من وراءها سوى الالام والخراب ، وضياع اجيالنا في الامية والفاقة والخذلان ، فالنزاعات في ظاهرها وباطنها لن تجلب لنا اي مستقبل سليم.