مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. مصدق العلي يكتب: نقاش عن واقع خبز العراقيين

نشر
الأمصار


الخبز من المصادر الأساسية للسعرات الحرارية عالميا. وكما يعلم عزيزي القارئ ان الامن الغذائي الاستراتيجي للبلدان ومنها العراق الحبيب يتطلب توفر مصادر زراعية ثابتة للقمح كون القمح من الحبوب التي لا يمكن خزنها لفترات طويلة نسبيا. العراق فيه اراضي خصبة لزراعة القمح وخصوصا في المناطق الديمية الواقعة في مناطق شمال الوسط. وعلى مدار سنوات تشتري الدوائر المعنية في الحكومات العراقية المتعاقبة محصول القمح من الفلاحين العراقيين لرفد برنامج البطاقة التموينية بمادة الطحين التي يتشكل منها الخبز. تم الاعلان أكثر من مرة في وسائل الاعلام الرسمي وعلى مدى سنوات متتابعة ان العراق وصل الى الاكتفاء الذاتي من انتاج القمح، إذ بلغ الإنتاج لعام 2018 حسب تصريح وزير الزراعة العراقي حوالي 4 ملايين و500 ألف طن العام وزاد الانتاج الى4 ملايين و750 ألف طن في 2019. بينما حاجة العراق حسب تصريح الوزارة هي 4 ملايين و200 ألف طن سنويا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح. وبهذا المقياس وكون العراق منتج للفوسفات والاسمدة الزراعية وازمة المياه لم تبلغ مستوى العدمية بعد، فقياسا، يجب ان يتحقق الامن الغذائي ويبقى سعر الصمون على الاقل كما في الاغنية الشعبية للفنان سعدون الساعدي " صمون 10 بألف". لكن ما نراه وما تٌحسُهُ معدة الفقراء ان سعر الخبز والصمون في ازدياد مضطرد، منذ عام 2021 ويزداد في علاقة طردية مع سخونة الوضع في جبهات القتال الاوكرانية. ليس تشكيكا بأرقام السيد معالي الوزير فاني اعتقد بصحتها، لكن عند التمعن في اسباب الازمة، الا يبدو ان العراق كأنه يستورد القمح بدل زراعته، كون ما يحصل من ارتفاع في اسعار المواد الغذائية غير منطقي بالمرة في بلد تقول وزارة زراعته انها حققت الاكتفاء الذاتي لسنوات متتابعة.
وعند بحثي عن الحقيقة من الخيال في موضوع ملف زراعة القمح استرعى انتباهي الحديث الكثير المشاع عن ان الفساد والخداع أصبح ازمة من أزمات الزراعة العراقية. منها ملف القمح، حيث يشاع ان بعض ضعاف النفوس من الفلاحين يقومون باستيراد المحاصيل الزراعية ومنها القمح بأسعار رخيصة من مناسئ عالمية ثم يعيدون بيعها على الدولة العراقية على انها زراعة محلية وبأسعار اعلى. مستغلين حملات الاصلاح الزراعي والدعم المالي للمزارعين من قبل الحكومة. اي انهم يخدعون الحكومة والشعب العراقي بتحولهم الى وسطاء وضيعين بدل عملهم كفلاحين ابطال في مشروع بناء العراق. مع الأسف ان بعض هذه الاشاعات قيلت عن اسماء امراء قبائل عراقية اصيلة ووصمتهم بعار القيام بهذا الامر غير الأخلاقي. ان صح هذا الامر فهو يمس الشرف القبلي والشخصي. فمن يقوم بهذا العمل الدنيء ومن يخدع اهلة ويسرق اموالهم بهذه الوضاعة والخسة لا شرف له بالمعنى القانوني والاخلاقي والعرفي.  لكن عنفوان العراقي عندي يرفض تصديق هذا الكلام عمن يتفاخرون بالشرف والاصالة فحاشي العراقيين الاصلاء من هذا الفعل الخسيس والاجرامي بتأثيره الانساني والاقتصادي والأمني.  
ان هذا العمل هو من احط انواع السرقة والاجرام. انه سرقة لبيت المال وسرقة للخبز من افواه الفقراء. انه سرقة لأموال كان ممكن ان تنمى بها خدمات ومنشأت وطرق وجسور. بل انه تهديد للأمن الوطني العراقي كونه يستغفل العراق شعبا وحكومة بخلق امن غذائي وهمي سينهار مع اي هزة ريح. ومع شديد الاسف هذا ما يحصل الان، ليس على مستوى زراعة القمح، بل يتعداه الى بقية المنتجات الزراعية الحيوية. 
وبينما يُشغَلُ المواطن بما قاله فلان او علان من توافه الامور و" خرابيط" السياسة، والطائفية المفتعلة سياسيا ومنها ما حدث مؤخرا من اعتداءات متبادلة على دور العبادة وكذلك ما يقوم به بعض المنتفعين من اصطناع الازمات التفاهة واشغال الناس بإشاعات واخبار صنعتها اقلام درامية مرتهنة للمال القذر تعمل في دهاليز القنوات التابعة لتجار منتفعين من الفساد وينفذها ممثلون غير معروفين، يُبعَدُ ويُشَتَتُ انتباه المواطن العراقي عن اساسيات أمنه وحياته ومستقبل ابنائه، ويُصادر صوته وفكره في مشاهد عبثية مفروضة عليه.  
الزراعة ارتبطت تاريخيا واقتصاديا باسم العراق. وكان العراق يغطي الحاجة الاقليمية من المحاصيل الزراعية وربما لوقت قريب، كانت الزراعة العراقية تغطي السوق المحلي. ففي العراق تتوفر المياه العذبة والتربة الصالحة والأيدي العاملة المدربة على الزراعة منذ فجر التاريخ واخيرا الجو المناسب والبيئة المتنوعة لزراعة المحاصيل المتنوعة. وأيضا توجد في الجهة الغربية من العراق مساحات كبيرة من الصحراء لم تستغل وتستزرع بعد ولو إن هذه الالاف من الأفدنة تم استصلاحها وزرعت لتحولت لمصدر مهم لتغطية الحاجة الإقليمية المتنامية، بل والعالمية من الغذاء وهذا يشكل ثروة قومية مستدامة لا تنضب. ومن واجبات الدولة وضع سياسة زراعية والخطط واضحة المعالم لحفظ ومن ثم تنمية القطاع الزراعي وايضا زيادة الرقعة الزراعية وكذلك تنمية كل ما يتصل بالزراعة والثروة الحيوانية لجعل الزراعة لاستدامة هذه الثروة الوطنية. لكن الاهم هو تفعيل الاجهزة الرقابية على المال العام، وتشديد العقوبات في الجرائم الاقتصادية فعند أمن العقاب قد يُساء الادب!