4 ملفات تنتظر العلاقات الجزائرية الفرنسية بولاية ماكرون الثانية
ملفات ثقيلة يرحلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من ولايته الرئاسية الأولى إلى الثانية متعلقة بالعلاقات مع الجزائر.
والجدير بالذكر، أن الملفات التي ستحكم مستقبل علاقات الجزائر وفرنسا في الولاية الرئاسية الثانية لماكرون مرتبطة أساسا بـ"استرجاع الأموال المنهوبة، والمطلوبين لدى الجزائر على الأراضي الفرنسية، وملف الذاكرة، والمصالح الاقتصادية".
وفاز ماكرون بولاية ثانية بعد تفوقه على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وفق استطلاعات خروج نشرتها وسائل إعلام فرنسية.
ووفق صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، فقد أظهرت الاستطلاعات، حصول الرئيس المنتهية ولايته على 58٪ من الأصوات، فيما حصدت مرشحة الجبهة الوطنية (يمين متطرف) على 42%.
خارطة طريق
والإثنين، بعث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برقية تهنئة لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب فوزه بولاية رئاسية ثانية، تضمنت أيضا دعوة لزيارة الجزائر هي الأولى من نوعها لرئيس فرنسي في عهد تبون – إن تمت –.
بالإضافة إلى خارطة طريق لمستقبل العلاقات بين البلدين عدها مراقبون "شروطا جزائرية"، رغم مؤشرات التقارب و"الارتياح" الجزائري لإعادة انتخاب ماكرون – بحسب متابعين –.
وكان تبون أكد لماكرون أن بلديهما "مقبلان على فرصة تاريخية"، حدد خارطة طريق مستقبل العلاقات بين الجزائر وباريس في 5 نقاط، تعلقت بـ"الرؤية المجددة الـمنطلقة من احترام السيادة، وتوازن الـمصالح التي نتقاسمها فيما يتعلق بالذاكرة وبالعلاقات الإنسانية، والـمشاورات السياسية، والاستشراف الاستراتيجي، والتعاون الاقتصادي والتفاعلات في كل مستويات العمل الـمشترك، من شأنها أن تفتح لبلدينا آفاقا واسعة من الصداقة والتعايش الـمتناغم في إطار الـمنافع الـمتبادلة".
وأعرب تبون عن ارتياحه "لجودة علاقتنا الشخصية الـمتسمة بالثقة والـمودة، وللتطورات التي أحرزتها ولو نسبياً الشراكة الجزائرية الفرنسية، بفضل تفانينا والتزامنا، فإنني في الوقت الذي تباشرون فيه عهدة ثانية، أتمنى أن تكون ثرية بالجهد الـمشترك في مسار العلاقات الثنائية للوصول بها إلى أفضل الـمستويات الـمأمولة، أقِر أهمية الفرصة التاريخية الـمتاحة لنا لاستشراف المستقبل والتكفل بطموحاتنا بشجاعة ومسؤولية".
وأكد الرئيس الجزائري لنظيره الفرنسي على أن "الرؤية الـمجددة الـمنطلقة من احترام السيادة، وتوازن الـمصالح التي نتقاسمها فيما يتعلق بالذاكرة وبالعلاقات الإنسانية، والـمشاورات السياسية، والاستشراف الاستراتيجي، والتعاون الاقتصادي والتفاعلات في كافة مستويات العمل الـمشترك، من شأنها أن تفتح لبلدينا آفاقا واسعة من الصداقة والتعايش الـمتناغم في إطار الـمنافع الـمتبادلة".
وختم الرئيس الجزائري رسالة التهنئة بدعوة نظيره الفرنسي لزيارة الجزائر، وهى -إن حدثت- ستكون الأولى من نوعها لرئيس فرنسي منذ تولي عبد المجيد تبون مقاليد الحكم في الجزائر، والأولى منذ 2018.
وقال تبون: "وإذ أقرن هذه التهاني والتمنيات بالتعبير عن سروري باستقبالكم عن قريب في الجزائر، لنُطلق سويا ديناميكية تدفع إلى التقدم في معالجة الـملفات الكبرى، وإلى تكثيف وتوسيع العلاقات الجزائرية الفرنسية".
ومطلع يناير/كانون الأول الماضي، قررت الجزائر إعادة سفيرها إلى باريس بعد 3 أشهر من سحبه على خلفية تصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي.
وشهدت العلاقات الجزائرية – الفرنسية العام الماضي تصعيدا غير مسبوق وصل حد استدعاء الجزائر سفيرها لدى باريس، وغلق مجالها الجوي في وجه الطيران العسكري الفرنسي المتجه لدول الساحل الأفريقي.
مصالح متأثرة
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور حسين قادري قدم قراءة تحليلية واستشرافية لواقع ومستقبل العلاقات الجزائرية – الفرنسية وما ينتظرها بعد إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية.
وبدأ حديثه بـ"عدم توقع تغييرات كبيرة، لأن الأمر مرتبط بنفس الرئيس وبنفس السياسات السابقة، لكن يمكن أن يحصل توافق في الوعود التي طرحها ماكرون".
ويرى الأكاديمي الجزائري المهتم بالعلاقات الجزائرية – الفرنسية أنه "قد يكون هناك نوع من التقدم في خدمة المصالح المشتركة، لأن فرنسا أحست مؤخرا بأن مصالحها بدأت في التأثر، خاصة في ظل العلاقات الجزائرية القوية مع إيطاليا والصين، وكذا الموقف الجزائري مع روسيا، ويبدو أن الرئيس الفرنسي سيبادر بحلحلة العلاقات أكثر مع الجزائر في ملفات عديدة".
4 ملفات مؤثرة
وفي اعتقاد قادري فإن أكثر الملفات التي ستؤثر في علاقات الجزائر وباريس هي "قضية المطلوبين لدى العدالة الجزائرية المتواجدين على الأراضي الفرنسية وبعضهم بتهم متعلقة بالإرهاب".
أما الملف الثاني – بحسب المحلل السياسي – فهو "مدى تعاون فرنسا في استرجاع الأموال المنهوبة، خاصة وأن ذلك وعد انتخابي قدمه الرئيس عبد المجيد تبون، وأعتقد أن الجزائر ستركز على هذا الملف بقوة في إطار المساومة".
بالإضافة إلى الملف الثالث المرتبط بـ"الذاكرة" والمتعلق بمطالب الجزائر تقديم اعتذار رسمي فرنسي عن جرائمها خلال فترة احتلالها للجزائر من 1830 إلى 1962، وخرائط التجارب النووية وتقديم تعويضات لضحاياها، وكذا مطالب الجزائر الخاصة باسترجاع أرشيفها المنهوب وبقية جماجم شهداء المقاومة الشعبية والثورة التحريرية.
وأشار قادري إلى أن لفرنسا "مصالح اقتصادية تحاول أن تحافظ عليها، ولا بد لها أن تأخذ بشكل أو بآخر جزءا من كعكعة ما يمكن أن يُقسم بين الحلفاء الجدد (في إشارة للمشاريع الاستثمارية)، وبالنسبة للجزائر أعتقد أن تكون هناك نقطة توافقية، ومع ذلك لن يكون هناك رضا تام"، وهو الملف الرابع.
رسائل الجزائر
وفيما يتعلق بمضمون برقية تهنئة الرئيس الجزائري لنظيره الفرنسي، أوضح المحلل السياسي أن "الرئيس المعروف أحسن من غير المعروف، وكانت هناك لقاءات سابقة، ومع إعادة انتخاب ماكرون فإنه لبناء علاقات جديدة مع الجزائر سيكون مرتاحاً، ومطالب الجزائر بناء علاقات استراتيجية قائمة على معادلة رابح – رابح".
واستطرد قائلا: "المشكل في السابق أن فرنسا كانت تبني علاقات مع الجزائر من موقع تابع، لكن انتهت الآن هذه المعادلة، صحيح هناك ذاكرة مشتركة لكن فكرة المستعمرة القديمة انتهت".
وأضاف: "لذلك نلاحظ أن الرسالة أولا دبلوماسية، ولكن هذه البرقية فإن الجزائر من خلالها تمرر رسائل مهمة، مفادها أنها تبارك انتخابه ولكن تتمنى أن تكون المرحلة المقبلة أفضل من السابقة، وهناك ملفات مشتركة وخلافات، والخلافات التي حدثت يعني أن على البلدين تجاوزها، مع الاستفادة من الملفات المشتركة الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها، سواء في المحيط المغاربي أو في منطقة الساحل".
كما عرج الخبير السياسي على "مطالب بعض الشعوب الأفريقية لخروج القوات الفرنسية من أراضيها مثل مالي وبوركينافاسو"، وقال إن "الجزائر يمكنها أن تساعد في ذلك، وعندما يكون هناك تنسيق أمني مشترك قائم على السيادة والحفاظ على استقلال المنطقة من التدخل بإمكان الجزائر أن تساعد".
الرد الفرنسي
وتوقع أيضا بعد رسالة الجزائر أن تنتظر الأخيرة "ما هو رد الرئيس الفرنسي على أرض الواقع، وسيكون ذلك بعد تنصيب ماكرون حكومته، وفي حال إن كان هناك إنزال حكومي فرنسي ثقيل بالجزائر لبناء علاقات اقتصادية قائمة على قاعدة رابح – رابح، فإنه بإمكان باريس أن تستثمر في الجزائر".
وتابع قائلا: "أما إذا وقع نفس التعطيل سواء تعلق الأمر باللوبي الموجود في فرنسا الذي يعرقل العلاقات مع الجزائر، أو حتى اللوبي الجزائري الموجود في الجزائر، ومنه في ظرف 6 أشهر يمكن أن نعرف نية ماكرون في بناء علاقات جديدة مع الجزائر، أو الاستمرار في العلاقات القديمة".
تبون: العلاقات الجزائرية الفرنسية يجب أن تعود إلى طبيعتها
والعام الماضي، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إنّ العلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة "يجب أن تعود إلى طبيعتها" لكن شرط التعامل على أساس "الند للند" بين البلدين، وفق ما جاء في حوار مع الصحف المحلية بثه التلفزيون الحكومي.
وفي رده على سؤال "هل هناك جهود لإعادة العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى وضعها الطبيعي؟"، قال الرئيس الجزائري "نعم لازم (يجب) العلاقات ترجع لوضعها الطبيعي، بشرط أنّ الآخر يفهم أنّ الندّ للندّ ليس استفزازا له. هي صيانة سيادة وطن استشهد من أجله مثلما سبق أن قلت خمسة ملايين و630 ألف شهيد من 1830 إلى 1962"، أي من بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر حتى استقلالها.
وتابع "الأمور لن تأتي بالساهل وأنا لا أحتاجك"، في إشارة إلى أن الجزائر لا تحتاج فرنسا.
وأثار ماكرون غضب الجزائر بعد تصريحات نقلتها صحيفة لوموند في 2 تشرين الأول/أكتوبر، متهما النظام "السياسي-العسكري" الجزائري بتكريس "ريع للذاكرة" من خلال تقديمه لشعبه "تاريخا رسميا لا يسند إلى حقائق". وبحسب الصحيفة قال أيضا إن "بناء الجزائر كأمة ظاهرة تستحق المشاهدة. هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال (...)".
لكن الرئاسة الفرنسية نقلت عن ماكرون أسفه "للخلافات وسوء الفهم" مع الجزائر، مؤكدا أنه يكنّ "أكبر قدر من الاحترام للأمة الجزائرية" و"تاريخها"، وهو ما رحبت به الجزائر وأرسلت وزير خارجيتها إلى باريس للمشاركة في مؤتمر دولي حول ليبيا.
وأضاف تبون أن الجزائر "أكبر من أن تكون تحت حماية أو جناح" فرنسا، مبديا في الوقت نفسه استعداده للتعامل التجاري والحفاظ على مصالح الطرفين.
وقال "نحن متّفقون أن نتعامل معا من أجل عدم عرقلة مصالح كل طرف، ولكن لن نقبل أن يُفرض علينا أي شيء".
وكانت الجزائر استدعت في 3 تشرين الأول/أكتوبر سفيرها لدى فرنسا، احتجاجا على تصريحات ماكرون، وحظرت تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية العاملة في منطقة الساحل في أجوائها.
وبخصوص تطور العلاقات المقطوعة منذ آب/أغسطس مع المغرب، اعتبر تبون أنّ من "الخزي والعار" أن "يأتي وزير من الكيان إلى بلد عربي ليهدّد بلدا عربيا آخر".
ولم يُفهم من تصريح الرئيس الجزائري إن كان يقصد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد في آب/أغسطس أم زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للمغرب حيث وقّع البلدان اتفاقا للتعاون الأمني.