الصراعات القبلية في السودان.. نزعات لا تنتهي
الصراعات القبلية في السودان هي نزعات لا تنتهي، تأخذ منحى سلبيًا في المشهد الاجتماعي والسياسي، بانتقاله من نزاع محدود حول المرعى والمأكل ليصبح حروباً أهلية وصراعات متتالية سقط وما زال يسقط ضحيتها آلاف القتلى.
السودان
السودان دولة عربية واقعة في الجهة الشمالية الشرقية من القارة الإفريقية، تبلغ مساحة أراضيها 1.886.068كم²، وتقسم إداريّاً إلى ثماني عشرة ولاية، وعاصمتها هي مدينة الخرطوم، ونظام الحكم فيها جمهوري، وعملتها الرسمية الجنيه السوداني، ونالت السودان استقلالها من المملكة المتحدة (بريطانيا) ومصر في عام 1956م في اليوم الأول من شهر يناير/كانون الثاني.
قبائل السودان
يبلغ عدد القبائل في السودان حوالي 570 قبيلة، وتنقسم القبائل إلى 57 فئة إثنية على أساس الخصائص الإثنوجرافية والثقافية واللغوية، ومن أبرز هذه القبائل:
قبيلة الرزيقات
وهي قبيلة عربية بدوية وتعتبر فرع من فروع قبيلة البقارة من جهينة وهي من أكبر القبائل العربية المنتشرة في السودان وهي تنتشر بشكل أساسي في إقليم دارفور وكردفان وبعض المناطق شرق تشاد يدينون بالإسلام السني.
وهم عرب رحل يرتحلون حسب فصول السنة بين المناطق المختلفة وينقسمون إلى عدة بطون.
في الآونة الأخيرة رفضت قبيلة الرزيقات الانضمام إلى التحالف الحكومي والجنجويد للقضاء على المتمردين ضد الحكومة السوادنية بقيادة الرئيس عمر البشير لانعدام التنمية في مناطقهم، بينما شارك آخرون في معارك متعلقة بأزمة دارفور منهم الشيخ موسى هلال من بطن المحاميد الذي تم توجيه بعض التهم له من قبل المنظمات الدولية.
قبيلة المساليت
وهي مجموعة عرقية تسكن إقليم دارفور غرب السودان، اللغة الرسمية للقبيلة هي لغة المساليت، واللغة نيلية صحراوية.
ويبلغ عدد أفرادهم حوالي 250.000 نسمة في 1983.
وبين (1884 - 1921) أسست تلك المجموعة دولة بإسم دار المساليت.ويعرف عنهم تمسكهم الشديد بالإسلام.
قبيلة الدباسيين
تنسب قبيلة الدباسيين إلى جدهم فالد باسين من بشير بن إدريس بن أحمد بن حسن بن عبد الله الجواد بن عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم، وكانوا قديماً من أغنى القبائل السودانية؛ إذ تملك قطعاناً كبيرة من الضأن الدباسي.
قبيلة الفونج
يختلف المؤرخون في نسب قبيلة الفونج؛ فمنهم من قال أنهم ينتسبون إلى المجموعة النيليه إلى قبيلة الشلك القديمة الذين كانوا أول من اتصلوا بالعرب بعد دخولهم السودان، ومنهم من قال أنهم ينتسبون إلى العرب العاربة الحميريين، وأنهم ينتسبون إلى البرنو الذين أسسوا إمبراطورية البرنو الإسلامية.
قبيلة المسلمية
تعتبر قبيلة المسلمية من أكبر القبائل السودانية، وتنتسب إلى الصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويعيشون في منطقة النيل الأزرق، والجزيرة المروية، والبطانة.
قبيلة الجعليين
تنسب قبيلة الجعليين إلى عبد الله بن العباس ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويعيشون في شمال السودان ووسطه، وتحديداً في ولاية الخرطوم، والجزيرة، ونهر النيل، وشمال كردفان، كما تعتبر مدينة المتمة ومدينة شندي عاصمتهم التاريخية، وكانوا قديماً يعملون في قطاع التجارة والزراعة.
قبيلة العبدلاب
تنسب قبيلة العبدلاب إلى الشيخ عجيب المانجلك ابن الشيخ عبد الله جماع، ويعيشون في ولاية الجزيرة، والنيل الأزرق.
قبيلة الحمر
تنسب قبيلة الحمر إلى سلالة الشريف محمد الأحمر، وجاؤوا إلى السودان بعد سقوط دولة الإسلام في الأندلس عن طريق تونس، وتُعتبر هذه القبيلة من أغنى القبائل السودانية؛ لاشتهارهم بالإبل والجمال والخراف، وتصدير نصف إنتاج العالم من الصمغ.
قبيلة الشنابلة
تنسب قبيلة الشنابلة إلى فزارة بن شيبان بن محارب بن عمرو بن القيس عيلان بن مضر، جاءت من إقليم نجد والحجاز بعد تعرضه إلى موجات القحط والجفاف.
قبيلة الشايقية
يعيش أفراد قبيلة الشايقية في الولاية الشمالية، وتحديدة في مدينة مروي، وكورتي، وكريمة، ونوري، والقرير، وتعتبر من أقوى القبائل السودانية الواقعة في الجهة الشمالية من السودان.
قبائل أخرى
قبيلة الزغاوة، وقبيلة المعاليا، وقبيلة الجوامعة، وقبيلة الكواهلة، وقبيلة الجعافرة، وقبيلة الكنوز، وقبيلة الدويحية، وقبيلة المهادي.
جذور الصراع بين القبائل
بدأ الصراع القبلي في السودان يأخذ منحى سلبياً في المشهد الاجتماعي والسياسي، بانتقاله من نزاع محدود حول المرعى والمأكل ليصبح حروباً أهلية وصراعات متتالية سقط ضحيتها آلاف القتلى، ما عمّق روح العداء بين القبائل بخاصة التي تتجاور في منطقة واحدة وتتشابك المصالح في ما بينها. وما يحدث الآن من اشتباكات في منطقة الجنينة في دارفور بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية، وكذلك الحال في شرق السودان بين قبيلتي بني عامر والنوبة، يثير تساؤلات عدة حول أثر تلك الصراعات التي تنفجر من حين إلى آخر على إمكانية التوصل إلى سلام شامل في البلاد.
اختلال التوازن
يعتقد كثيرون أن الصراع القبلي في السودان نشأ بسبب تفجر الحرب الأهلية أو الحركات المسلحة التي بدأت القتال في فترة الرئيس السابق عمر البشير، لكن مؤرخي الصراع القبلي يشيرون إلى أنه بدأ للمرة الأولى عام 1932 بين قبيلتي الزيادية والميدوب ضد قبيلتي الكبابيش والكواهلة في منطقة شمال عاصمة دارفور (الفاشر).
وفي أعوام 1957 و1982 و1997 تكرر الأمر مما يعزى سبب هذه النزاعات إلى مصادر المياه والرعي.
بدأ الصراع الحقيقي عام 1983 بين قبائل الرعاة والمزارعين، بسبب التنافس على الموارد الشحيحة والأرض الصالحة للزراعة ونتيجة لموجات الجفاف والتصحّر التي ضربت منطقة الساحل الأفريقي منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي والتحوّلات البيئية التي نجم عنها انحسار نطاق المراعي والموارد المائية والتربة الخصبة.
وفي الوقت نفسه يتّفق الباحثون على أن القبلية، بإيجابياتها وسلبياتها، تمثل مفهوماً متجذراً في المجتمع السوداني ويمثّل دائرة مهمة من دوائر انتماء الفرد، إن لم تكن اليوم في مقدمها، إذ شهد السودان الذي قام بعد استقلاله عن بريطانيا عام 1956 على المفهوم المعاصر للدولة الوطنية، كما شهد العديد من المتغيّرات في نظم الحكم والسياسات، ألقت بظلالها على شرعية وجودها لا بل أثّرت سلباً في فاعليتها، فتراجع دور الدولة وتوقّف تطوّرها نحو المفهوم الحقيقي للدولة الوطنية، واختلّ التوازن ليتقدّم "الولاء للقبيلة على الولاء للوطن”.
تغذية الصراعات
ظل تطورات الأحداث المحلية والإقليمية ظهرت عوامل أخرى وفقاً للمراقبين أسهمت في تغذية الصراعات القبلية في السودان من أهمها:
- محاولة جهات مرتبطة بالنظام السابق بهز الثقة في التغيير الذي حدث في البلاد أو تلك التي لا تريد نجاحاً للمفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة التي بدأت قبل فترة في مدينة جوبا بجنوب السودان.
- اتساع حالة الغبن الاجتماعي والتقسيم القبلي لجهة القرب والبعد عن الحكومة، وانتشار المخدرات والبطالة وسط الشباب.
- تأثير الحدود المفتوحة للسودان مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
- ضعف سيطرة الدولة، إذ توجد بعض المناطق في أطراف البلاد ينعدم فيها أي وجود للدولة لا سيما الأجهزة الأمنية.
- الميليشيات والمجموعات المسلحة التي أنشأها نظام البشير لمواجهة تمدد التمرد وعدم قدرته أو تراخيه في ضبط هذه الميليشيات، فضلاً عن ترك كميات كبيرة من الأسلحة بما في ذلك الأسلحة الثقيلة في أيدي عناصر تلك الميليشيات من دون رقابة.
- انتشار الأسلحة بكثافة إلى أيدي المواطنين، فضلاً عن شيوع تجارة الأسلحة وتحولها إلى نمط اقتصادي معيشي للكثيرين في تلك المجتمعات.
- التآكل التدريجي في السلطة الأخلاقية للإدارات الأهلية، في ظل النظام السابق، وكذلك الزعامات التقليدية، التي كانت تتوافر على آليات كانت تحقق الردع المطلوب، يجري الخضوع لها واحترامها، وهو ما أدى لانهيار هذه المنظومة التقليدية جنباً إلى جنب مع انهيار سلطة الدولة.
- نشر النظام السابق للسياسة القبيلة وربط الحقوق والمطالب الاقتصادية والسياسية المشروعة بالانتماءات الأولية للنظام، وتحويل الانتماءات التقليدية لرأسمال والاستقواء به في المجال السياسي.
- تجددت النزاعات القبلية نتيجة عجز الدولة عن ضمان تطبيق الاتفاقيات وحماية المصالحات القبلية التي تتم في فترات سابقة، حيث يتم الاتفاق بين أطراف النزاع على تدابير معينة، غالباً ما تشمل دفع ديات القتلى وإرجاع المنهوبات، ولكن لا يتم الالتزام حرفياً بتلك التدابير من قِبل أجهزة الدولة.