عبدالرحمن الكناني يكتب: العراق .. عيد في موسم مضطرب
العيد يأتي في موسم مضطرب .. لم يعرف للاستقرار معنى، والاطمئنان أبعد ما يكون من روح بشرية، لن يثنيها الحزن من انتزاع نشوة فرح .
للأعياد طعم ينسيك مذاق الحزن، طعم يتذوقه العراقيون في طقوس الفرح المفقود في زمن رديء يمتزج بمسحة فرح في تقليد ديني، لن يتخلى عنه أحد خوفا من ذنب لا يغتفر .
القانون الطبيعي تآلف متناقض يتوحد في أداء وظيفي يتعادل به ميزان حياتي غير قابل للاختلال، لا يتطابق مع قواعد قوانين الحزن والفرح في عالم مضطرب يبتلع لحظات الهدوء والسكينة في ومضة برق.
العراق يحيا بقوانين المتناقضات، يبسط لها بيئة التآلف وإن كان تآلفها في سابع مستحيل، فهل تتساوى الحياة مع الموت ؟ أو يتساوى الحزن مع الفرح ؟ وتضحى الهزيمة انتصارا ؟
صرح يتحول إلى ركام بعد دوي انفجار عبوة ناسفة... يزاح الركام ويضحى مقهى استراحة للمتسكعين، وبعد طقس الرحيل المهيب تعود الضحكات في أماسي الثرثرة، وكان شيئا لم يكن.
طقوس الحياة بمتناقضاتها لها مواسم، كما المذاهب والأطياف والأعراق لها مساحات حضور، وإن كانت ساحات قتال أو تناحر، لا الطقس يتخلى عن موسمه التقليدي، ولا التنوع البشري يتخلى عن حضوره في وطن غير قابل للتجزئة.
العيد فرح موروث لا تبتلعه مؤثرات الحزن في العراق، لا يقف جوق الصخب الموسيقي وإن كان يسير فوق أرض ملغمة وتعترض الميليشيات المسلحة طريقه.
أهازيج وإيقاعات ودبكات في زوارق ويخوت الزهو تمخر عباب نهر دحلة معانقا نسمات الفرات، وهما يرويان مدن تتجدد فيها الحياة عيد يأخذك إلى عصر عشتار آلهة الحب والخير والجمال، مرتقيا الجنائن المعلقة، مستذكرا العاشق المنتصر نبوخذ نصر، منتشيا بنكهة عهد هارون الرشيد الذهبي.
وهلال العيد كأنه ثريا معلقة في أعالي سماء بغداد وهي تأخذ استراحة من زمن حزن طويل، يأبى أن يطوي صفحاته.
العشار يفتح طريقه إلى كورنيش شط العرب، ويحيي عن بعد نخيل أبو الخصيب في البصرة ثغر العراق الباسم، والقرنة ترقص في عرس لقاء النهرين بعد رحلة مرورهما في مدن سومر وبابل وأكد وآشور.
ازدحمت المدن، وكان المقابر خلت من أهلها في موسم العودة للحياة، بعث الموتى في حياة الحاضر، يأمون الكوفة والنجف وكربلاء والكاظمية وسهل نينوى وزقورة أور وقلعة أربيل ونواعير الأنبار، ويتسلقون جبال العمادية ودهوك.
دعوات الفرح في أيام أرادها الله أعيادا لعباده، لن يثنيها إرهاب يحاصر العراق الأقوى من شر طائفية مقيتة، ولن تؤجلها أحزان متعاقبة، إرادة لا تنقطع في استعادة زهو الدنيا في بلاد ألف ليلة وليلة.