مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: الانتخابات اللبنانية أفقدت الكتل الكبرى أكثريتها

نشر
الأمصار

أثبتت نتائج الانتخابات اللبنانية دليل واضح على رغبة الشعب اللبناني في التغيير، كان أبرزها خسارة الأحزاب المتحالفة مع حزب الله مقاعد لصالح مرشحين داعمين للإصلاح بعد أعوام من الجمود السياسي والفساد وغياب الاستقرار الاقتصادي، إذ أعلنت إدارة الإحصاء المركزي في لبنان أن معدل التضخم بين ديسمبر 2020 ونوفمبر 2021 سجل ارتفاعا بنسبة 178 في المائة، وسجل بين ديسمبر 2018 ونوفمبر 2021 بلغ 632 في المائة، ما أدى إلى تفكك الركائز الرئيسية لنموذج الاقتصاد السياسي السائد منذ انتهاء الحرب الأهلية.

ويتجلى ذلك في انهيار الخدمات العامة الأساسية واستمرار الخلافات السياسية الداخلية المنهكة، ونزيف رأس المال البشري وهجرة الكفاءات على نطاق واسع، في موازاة تحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر للأزمة بسبب الإنكار الكبير الذي يشير إلى الكساد المتعمد الكبير الذي يمر به لبنان، في بيئة جيوسياسية تتسم بدرجة عالية من عدم الاستقرار.


انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.5 في المائة في 2021 في أعقاب انكماش نسبته 21.4 في المائة في 2020، ما جعل الناتج المحلي الإجمالي ينخفض من 52 مليار دولار في 2019 إلى مستوى 21.8 مليار دولار في 2021 مسجلا انكماشا نسبته 58.1 في المائة، وهو أشد انكماش في قائمة تضم 193 دولة، نتيجة استمرار التدهور الحاد للعملة اللبنانية الليرة التي بدأت عام 2022 بسقوط مروع حتى أصبح الدولار يساوي 30 ألف ليرة.


لذلك تعتبر هذه الانتخابات مصيرية في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة دفعت كثيرا من اللبنانيين إلى خط الفقر، فيما أرغمت آخرين على مغادرة لبنان، وهذه الانتخابات تسعى إلى ان تقدم الحكومة الخدمات الأساسية لمواطنيها ومحاسبة المسؤولين عن الفساد الذي أدى إلى الأزمة الاقتصادية وتفجير مرفأ بيروت.
وقد أكد مصدر في الكونغرس الأمريكي أن هناك تركيز المشرعين الأساسي منصب على الاستمرار بدعم الجيش اللبناني باعتباره العامل الأكثر استقرارا في لبنان، لذلك سيستمر الكونغرس الأميركي في توفير احتياجات الجيش اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان، وسبق أن حولت للجيش اللبناني 67 مليون دولار من المساعدات العسكرية لدعم عناصر الجيش بوجه الأزمة المالية التي يمر بها لبنان، بجانب أعلن الرئيس الأميركي في سبتمبر 2021 عن زيادة قدرها 50 مليون دولار من المساعدات الإضافية للجيش، وقدمت واشنطن للبنان منذ 2006 نحو 2.5 مليار دولار.


وسجلت نتائج الانتخابات إضافة إلى عدد نواب كتلة القوات اللبنانية بنسبة 25 في المائة حيث ارتفعت من 15 نائبا إلى عشرين، كما ارتفعت كتلة الحزب الديمقراطي الاشتراكي نائبا واحدا، كذلك ارتفعت كتلة حزب الله نائبين، لكن تراجع عدد نواب حلفاء حزب الله مثل كتلة التيار الوطني الحر بستة نواب، وحركة امل بنائبين، والمردة بنائب، والمستقلون السنة بنائبين، وسط تراجع كبير في صفوف حلفاء دمشق، وبعدما كان حزب الله وحلفاؤه يملكون أغلبية نيابية زائد واحد، باتوا يملكون اليوم فقط 59 نائبا.


ما يعني ان الانتخابات أفرزت خريطة جديدة في البرلمان تتضمن خمسة تكتلات نيابية، وهي تكتلات منقسمة سياسيا على عناوين اقتصادية واستراتيجية، أي أنها تلتقي في بعض الملفات وتتضارب في ملفات أخرى، ويلتقي التقدمي الاشتراكي مع أمل على عناوين كثيرة، لذلك يمكن أن يقدم الاشتراكي رافعة لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري لجولة جديدة سابعة استمرارا لترؤسه برلمان لبنان منذ عام 1992.


غير أن تلك التكتلات النيابية الكبيرة غير المنسجمة ليس بمقدورها اتخاذ أي قرار، أو تزكية أي مرشح للحكومة أو الرئاسة من دون توافقات فيما بينها أو توافقات مع تكتلات أخرى أفرزتها الانتخابات التي أوصلت كتلتين من المستقلين والتغييريين تصلان إلى 25 نائبا بجانب 14 نائبا من كتل أخرى على غرار تيار المستقبل والكتائب والطاشناق والمردة وحركة الاستقلال، فهم جميع يختلفون على تسمية نبيه بري، كما يختلفون على حول سلاح حزب الله، وعلى بيع أملاك الدولة، وخصخصة القطاعات المنتجة، وتقييد التحويلات المعروفة باسم الكابيتال كونترا.


اعتبر نبيه بري في كلمة له بعد الانتخابات إلى أن الجميع مدعو إلى الاحتكام لخيارات الناس الذين قالوا كلمتهم أقله في الجنوب والبقاع حيث حول أهلنا هذا الاستحقاق إلى استفتاء على الثوابت الوطنية.


وعلى الجميع كلبنانيين أبناء وطن واحد عليهم الحفاظ على العيش المشترك، خصوصا وأن الجرح النازف الذي ألم بلبنان واحد ومشترك، وأن الأزمات التي تعصف باللبنانيين هي عابرة للطوائف، ولا تستطيع أي طائفة إلغاء طائفة أخرى، ويجب اعتبار الانتخابات يوما لبنانيا لكل اللبنانيين، يؤكد فيه الجميع عن صدق نياتهم واستعدادهم وانفتاحهم لحوار نبذ خطاب الكراهية وتصنيف المواطنين.


وطالب نبيه بري بقوانين خارج القيد الطائفي وخفض سن الاقتراع ل18 سنة وكوتا نسائية وإنشاء مجلس للشيوخ تمثل فيه الطوائف بعدالة، وإلى حوار جدي للانتقال بلبنان من دولة المحاصصة الطائفية إلى الدولة المدنية المؤمنة بأن الطوائف نعمة والطائفية نقمة.