الوصول إلى بر الوفاق.. الاستعداد لإطلاق حوار مباشر لحل أزمة السودان
تستعد الآلية الثلاثية المتمثلة في “الاتحاد الأفريقي” و"يونيتامس" و"إيجاد"، لإطلاق حوار مباشر بين الأطراف السودانية، أملا في الوصول إلى حل يعبر بهذا البلد إلى بر الوفاق.
ومع اقتراب حلول الموعد الذي صرحت به الآلية الثلاثية لبدء جلسات التفاوض المباشر وهو، يوم غدٍ الأربعاء، ما يزال التباين يسود مواقف القوى السياسية بالسودان إزاء دعوة الحوار، فالبعض متمسك بالرفض المطلق، وآخرون رهنوا مشاركتهم بعدة شروط.
في مقابل ذلك، تحظى دعوة الآلية الثلاثية بتأييد واسع من المجتمع الدولي والإقليمي والحكومة السودانية، بجانب طيف واسع من القوى السياسية المنضوي تحت تحالف الحرية والتغيير – التوافق الوطني.
وبدا واضحاً إصرار الوساطة الدولية على انطلاق التفاوض المباشر، وهو ما طرح تساؤلات بشأن ما إن كانت سفينة الوفاق الوطني ستمضي "بمن حضر"، أم ستنتظر مزيدا من الوقت لاصطحاب قوى حية تقود حراكا احتجاجيا في البلاد، إذ إن تجاوزها ستنطوي عليه مخاطر عديدة أقلها استمرار الأزمة السياسية في البلاد، وفق مراقبين.
مشهد جديد
وتسعى هذه العملية لحل أزمة طاحنة تفجّرت عقب قرارات قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قضت بحل الحكومة، وفرض حالة الطوارئ بالبلاد، وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية، في خطوة وصفها بأنها "تصحيحية لمسار الثورة"، فيما عدّتها المعارضة "انقلاباً".
الخبير الاستراتيجي الدكتور الرشيد محمد إبراهيم، يرى أن "التفاوض المباشر سينطلق، وأن مشهدا جديدا سيتشكل بغض النظر عن حجم المشاركة في العملية السياسية التي تقودها الآلية، وقد يتم تجاوز أي طرف رافض للحوار كمبدأ ديمقراطي تؤمن به كل القوى بما فيها الغرب، وقد صرح بذلك المبعوث الأممي فولكر بيرتس نفسه".
ويقول الرشيد: إن "مواقف القوى الرافضة للحوار تكتيكية وليست إستراتيجية، ومن المتوقع حدوث ضغوطات كبيرة خلال الساعات القادمة من المجتمع الدولي خاصة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، مولي في، التي تزور البلاد حالياً، وبعثة يونيتامس، على القوى الرافضة للتفاوض المباشر للعدول عن رأيها، لأن التمسك به سيعرضها للعقوبات والعزل".
ولفت المحلل السياسي إلى أن الحوار المباشر جرى إعلانه بعد تفاهمات تمت وفق مشاورات مكثفة خلال الفترة الماضية، لافتا إلى أنها "تمضي بدعم دولي، فالتفاوض مبدأ ديمقراطي، ويمثل أقصر طريق لحل الأزمة السياسية، وينبغي على الجميع المشاركة فيه وطرح رؤاهم على طاولته".
وأكد إبراهيم أن "مجلس السيادة التزم باتخاذ إجراءات تهيئة مناخ الحوار مثل رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين، وهذه كانت شروط المعارضة للدخول في الحوار لحل الأزمة السياسية الراهنة".
تفاقم الأزمة السياسية
لكن المحلل السياسي عزالدين دهب، يرى أن تجاوز القوى الحية مثل لجان المقاومة "لا يقود إلى حل الأزمة السياسية، بل ربما تتفاقم باتساع رقعة الاحتجاجات الرافضة للعملية وما ستفضي إليه من أزمة".
وفي حديث له، قال دهب: "ربما تنطلق المفاوضات غداً بمن حضر في محاولة لفرض الأمر الواقع، لكن أي تسوية تنجم عنه لن تنال اعتراف القوى التي تقود الاحتجاجات على وجه التحديد، وسوف تظل البلاد في حالة دوامة أزمة مستمرة".
وأضاف "في تقديري لن ينظر شباب الاحتجاجات لأي عملية لا تضمن لهم القصاص من قتلة أصدقائهم وتحقق دولة مدنية كاملة".
دعم محلي ودولي
وتقود مؤشرات كثيرة بالمشهد إلى ترجيح فرضية مضي مركب التفاوض، فبالأمس القريب أطلعت الآلية الثلاثية رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان على ترتيبات انطلاق الحوار المباشر بين الأطراف السودانية المتوقع يوم غدٍ الأربعاء.
وأكد البرهان خلال لقاء ضم رئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ود لبات، وممثل إيجاد، دعم الحكومة ومجلس السيادة لجهود الآلية الثلاثية "من أجل دفع عملية الحوار بين الفرقاء السودانيين لتحقيق الوفاق الوطني وحل الأزمة السياسية الراهنة".
وجدد رئيس مجلس السيادة التزامه باستكمال المرحلة الانتقالية وصولاً للتحول الديمقراطي، حيث بحث مع الآلية الملفات التي سيتم طرحها خلال عملية الحوار المباشر يوم الأربعاء والهدف من طرحها والمخرجات المتوقعة من الحوار.
وفي بيان صدر، ليل الإثنين الماضي، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بجهود الآلية الثلاثية المؤلّفة لتسهيل التوصل إلى حلّ للأزمة السياسية في السودان.
وقال البيان "في حين يستعدّ أصحاب المصلحة السودانيون للانخراط في محادثات مباشرة، يشجّعهم الأمين العام على المشاركة بحسن نية ومواصلة العمل من أجل تهيئة بيئة مواتية للحوار البنّاء لصالح الشعب السوداني".
مشاركون محتملون
ومن المرجح أن يشارك في جلسات الحوار المباشر المرتقبة، الحرية التغيير – الميثاق الوطني، والتي تضم حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام، إلى جانب قوى سياسية محلية أظهرت دعمها مبكراً مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل المهدي وأطراف أخرى متهمة بتأييد المكون العسكري.
في هذه الأثناء، قالت مصادر مطلعة: “إن الآلية الثلاثية أرسلت دعوة منفصلة لحزب الأمة القومي عن تحالف الحرية والتغيير، الشريك المدني السابق، حيث من المرجح أن يخالف بعض منسوبيه خاصة رئيسه المكلف اللواء فضل الله برمة ناصر، خط الائتلاف المعارض ويشارك في جلسة الحوار المباشر”.
ويمثل حزب الأمة القومي إحدى أبرز الفصائل في الائتلاف المدني الحاكم سابقاً، لكنه يعيش حالة انقسام ملحوظ، فبعض قادته ملتزمون بخط الحرية والتغيير الرافض للتفاوض المباشر، ومنهم نجل الإمام الصادق المهدي، بينما يوجد تيار آخر يقوده اللواء فضل برمة ناصر داعم لعملية الوفاق الوطني.
رؤية لإنهاء الانقلاب والتأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي
في مقابل ذلك، طرحت قوى الحرية والتغيير، الائتلاف الحاكم، ما سمته "رؤية لإنهاء الانقلاب والتأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي".
واعتمد التحالف 3 مسارات لتحقيق رؤيته، وهي المظاهرات السلمية، والتضامن والدعم الإقليمي، إلى جانب تسليم السلطة لقوى الثورة عبر حل سياسي يفضي لسلطة مدنية كاملة.
وشملت الرؤية، مؤسسات السلطة الانتقالية التي اقترحت أن تكون في مجلس سيادة مدني محدود تشريفي بلا صلاحيات تنفيذية، إضافة إلى مجلس وزراء من كفاءات وطنية، ومجلس تشريعي تمثل فيه النساء بـ40%، إلى جانب عدد من المفوضيات.
كذلك تضمنت الرؤية إصلاحات إقتصادية وهيكلة المؤسسة العسكرية على أن تكون عبارة عن جيش واحد بعد دمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة وفق الترتيبات الأمنية.
وتتبنى لجان المقاومة السودانية التي تقود حركة الاحتجاجات في البلاد موقفا رافضا للحوار مع العسكريين بمقتضى ثلاثة لاءات "لا تفاوض لا شراكة لا شرعية".
لاءات تجعل هذا المكون ضمنياً خارج طاولة المحادثات المباشرة المنتظر انعقادها يوم غد الأربعاء.