كسر حاجز المليون مشاهد: “وقفة رجالة” في السينما السعودية!
عصام زكريا يكتب
لعقود طويلة ظلت السينما من المحرمات والكبائر في المملكة العربية السعودية، ضمن عشرات وعشرات من الأشياء والسلوكيات التي تم تحريمها والحقوق الشخصية التي تم تجريمها، ولكن الأسوأ من ذلك كان تصدير هذه الأفكار إلى البلاد المجاورة وإلى عقول المسلمين في كل مكان في العالم، وقد أنفقت السعودية تريليونات الدولارات لنشر هذه الأفكار المتطرفة التي جلبت الخراب على العالم كله، وأول المتضررين كان العالم العربي والاسلامي.
اليوم، تسعى السعودية لمحو الماضي وكتابة صفحة جديدة من تاريخها تتسم بمزيد من التحرر الفكري والرحابة الإنسانية، ولعل أكثر المجالات التي تتجلى فيها هذه السياسة هو السينما.
بعد عقود من الجدب السينمائي تشهد السعودية اليوم طفرة في بناء دور العرض السينمائي وانتاج الأفلام وعقد المهرجانات السينمائية من بينها مهرجان محلي مخصص للأفلام السعودية وآخر دولي يعرض أفلاما من كل بلاد العالم، ولولا ظروف جائحة “كوفيد19 المستجد” التي عطلت النشاط السينمائي في العالم كله لكان لهذه الحركة شأن آخر.
بمجرد أن خفت القيود المفروضة بسبب الوباء، شهدت دور العرض السعودية خلال الأيام الماضية نشاطا كبيرا، كان من نتائجه تحقيق فيلم “وقفة رجالة” المصري لايرادات غير مسبوقة في شباك التذاكر السعودي تخطت مليون تذكرة بالرغم من شروط التباعد والنسب المقررة لاشغال دور العرض، بجانب أن عدد دور العرض السينمائي في السعودية لا يتخط أربعين دارا تضم في مجملها ما يقل عن أربعمائة قاعة صغيرة.
هذا النجاح الذي حققه “وقفة رجالة” لا يعكس قوة الفيلم بقدر ما يعكس حال السوق السعودي المتعطش لارتياد دور العرض السينمائي والاستمتاع بالتجربة في جو مرح يحققه الفيلم الخفيف الذي يضم عددًا من نجوم الكوميديا المصريين.
الفيلم الذي أخرجه أحمد الجندي عن سيناريو لهيثم دبور مقتبس عن الفيلم الأمريكي “آخر زيارة لفيجاس” Last Vegas من إخراج جون ترتلتوب وبطولة روبرت دي دي نيرو، كيفين كلاين، مورجان فريمان ومايكل دوجلاس، وكما يظهر من أسماء أبطاله، فإن الفيلم يدور حول أربعة رجال مسنين يذهبون في رحلة (أخيرة) لمدينة لاس فيجاس، حيث يمرون ببعض المغامرات العاطفية الكوميدية.
الأربعة في الفيلم المصري هم ماجد الكدواني، بيومي فؤاد، سيد رجب وشريف دسوقي، وهم يقررون السفر إلى أحد المنتجعات السياحية لمساعدة صديقهم، سيد رجب الذي توفت زوجته مؤخرا، على الخروج من حالة الحزن التي تنتابه.
بغض النظر عن موضوع الاقتباس غير المشروع، حيث إن صناع الفيلم لم يعترفوا به على عناوين الفيلم للتهرب من دفع الحقوق الفكرية، أو لادعاء أنهم أصحاب التأليف والفكرة، بغض النظر عن هذا، فإن “وقفة رجالة” تم اقتباسه بشكل جيد، والكوميديا تم تمصيرها بشكل جيد، والنجوم الأربعة يؤدون أدوارهم بخفة دم وإجادة واضحة، كما أن المخرج أحمد الجندي، المعروف بمسلسلاته الكوميدية الناجحة، يقدم هنا واحدا من أفضل أفلامه.
يحتوي الفيلم على مشاهد كوميدية مبتكرة، مثل مشهد تقليد الأربعة لمقاطع الفيديو الشهيرة، وعلاقات الشد والجذب والمقالب المتبادلة بين الكدواني وبيومي، كما أن الشخصيات الأربعة مكتوبة جيدا ولا تشبه بعضها، ولكن الفكرة بالأساس “ذكورية” فالفيلم موجه للرجال، خاصة الأكبر سنا، وخاصة الرجال “التقليديين” الذين يرون أن الرجولة تكمن في الجنس والفوز بالنساء، ولعل ذلك أيضا أحد أسباب النجاح الكبير الذي حققه الفيلم في بلد يخرج بالكاد من عباءة التقاليد الثقيلة.
لا شك في استحقاق الفيلم للنجاح، ولكن المدهش هو أنه فيلم قديم، عمره أكثر من عام، انتهى عرضه السينمائي منذ شهور، وبيعت حقوق عرضه للفضائيات والمنصات، وهو يعرض على منصة “شاهد” بالفعل، كما أنه متاح مجانا على الإنترنت، وهو ما يعني أن المليون مشاهد الذين تقاطروا لمشاهدة الفيلم في السعودية لا يعنيهم الفيلم في حد ذاته بقدر ما يعنيهم طقس مشاهدة الأفلام “جماعة” في دور العرض، والاستمتاع بالضحك معا، وبالخروج من عزلتين: عزلة الكورونا، وعزلة السنوات العجاف التي حرمت فيها السينما ودور العرض!
نجاح “وقفة رجالة” سيساهم بالتأكيد في مزيد من الاستثمارات في صناعة السينما في السعودية، وبالفعل يتوقع مع نهاية هذا العام أن تتضاعف أعداد دور العرض السينمائي، وأن يتضاعف الرقم مجددا خلال الأعوام القليلة الماضية.