بدأت بمصر وانتهت بإثيوبيا.. زيارة روسية دبلوماسية لأربعة دول إفريقية
تتمتع روسيا مع إفريقيا بعلاقات ليست بجديدة بل طويلة الأمد منذ الاتحاد السوفيتي، الذي دعم وساند الدول الإفريقية كثيرا في التغلب والقضاء على الاستعمار.
وعندما ورثت روسيا الاتحاد السوفيتي قامت بتقديم المساعدات لحركات التحرر الوطنية للشعوب الإفريقية.
واقتصاديًا، ساهمت روسيا في صعود اقتصادات الدول الإفريقية، من خلال تأسيس المئات من الشركات التي يشكل بعضها حتى الأن الأساس للعديد من الاقتصادات الأفريقية.
ودبلوماسيًا، دافعت روسيا في مجالس مشتركة مع الأمم المتحدة الدفاع عن حق الشعوب الإفريقية في تقرير مصيرها وانهاء الاستعمار كجزء لا يتجزأ من القانون الدولي.
وكأمتداد لهذه العلاقات الممتدة بين روسيا، والدول الإفريقية، تأتي الزيارة الدبلوماسية لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الحالية، خلال الفترة من 24 وحتى 28 يوليو الجاري إلى أربعة دول إفريقية، وهم مصر وأوغندا وإثيوبيا والكونغو لتقوية العلاقات مع تلك الدول المهمة في القارة الإفريقية، ولبناء هياكل متعددة المراكز بين الدول تتواكب مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة.
دلالات الزيارة الروسية
زيارة وزير الخارجية الروسي تعد الأولى للمنطقة منذ غزو أوكرانيا في فبراير الماضي، وتهدف إلى تعزيز العلاقات الروسية مع الدول العربية والإفريقية.
ومن ناحية أخرى، تتواكب الزيارة الروسية بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للشرق الأوسط، التي زار خلالها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية. كما شارك بايدن في قمة جدة للأمن والتنمية التي ضمت الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق.
وتأتي زيارة “لافروف” للدول الأربع في إطار المحاولات الروسية لتغطية أكبر عدد ممكن من الدول، والبناء على القمة الروسية الأفريقية الأولى التي عقدت في مدينة “سوتشي” الروسية عام 2019، تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية”، خاصة مع تصريحات روسية تٌفيد بأن روسيا تسعى لعقد قمة روسية أفريقية ثانية في عام 2023.
ومن وجهة نظر أخرى، ترى بعض وسائل الإعلام البريطانية أن رحلة وزير الخارجية الروسي، إلى دول أفريقية دلت على أن الغرب لم يتمكن من جعل روسيا منبوذة.
وأشارت وسائل الإعلام إلى أن اللقاءات مع قادة الدول الإفريقية، ومنها مصر، أظهرت أن "كبير دبلوماسيي روسيا لا يزال ضيفا مرحبا به في الدول الأفريقية، فقد زار لافروف مصر وجمهورية الكونغو وأوغندا وإثيوبيا، حيث تكافح الدول الإفريقية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة. وبينما يسعى الغرب لعزل موسكو .. أظهر الاستقبال الذي تلقاه (لافروف) قوة نفوذ الكرملين في القارة
الزيارة الروسية للدول الإفريقية
مصر
مصر هي الدولة الأولى التي قام بزيارتها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال جولته الإفريقية.
وقبيل بدء جولته الإفريقية التي يستهلها من مصر، قال لافروف، في مقابلات مع وسائل الإعلام الروسية، إن روسيا لديها علاقات طويلة الأمد وجيدة مع إفريقيا، منذ أيام الاتحاد السوفيتي، مضيفا: "أن موسكو تعمل بنشاط في السنوات الأخيرة على استعادة موقعها في القارة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذا النهج تشاركها فيه الدول الإفريقية.
بدأ وزير الخارجية الروسي زيارة رسمية الأحد 24 يوليو للقاهرة جري خلالها عدة محادثات مع القيادة المصرية.
حيث التقى لافروف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعدها التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث عقد معه لقاء ثنائياً ثم انضم لهما لاحقاً أعضاء وفدي البلدين، كما التقى لافروف أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وممثلي الدول الأعضاء، كما سيلقي كلمة أمام مجلس الجامعة على مستوى المندوبين.
لافروف يلتقي السيسي
وقد نقل لافروف خلال اللقاء للرئيس السيسي "رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تضمنت الإعراب عن التقدير والتحية إلى السيد الرئيس، كما تناولت بعض موضوعات التعاون الثنائي بين البلدين، والإعراب عن الأهمية التي توليها روسيا تجاه ترسيخ العلاقات الثنائية مع مصر في إطار اتفاق الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين مصر وروسيا من خلال المشروعات التنموية المشتركة الجاري تنفيذها حالياً، كما تضمنت الرسالة الإعراب عن التقدير تجاه مبادرة مصر لتشكيل لجنة الاتصال الوزارية في إطار جامعة الدول العربية سعياً لتسوية الأزمة الأوكرانية وما تم خلالها من زيارة للعاصمة الروسية موسكو من قبل السادة وزراء الخارجية المعنيين".
من جانبه، ثمّن السيسي "مسيرة التعاون الثنائي المتمثلة في المشروعات الروسية في مصر في إطار العلاقات المصرية الروسية، وفي مقدمتها إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية والمنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس وغيرها من المشروعات الاستثمارية والاقتصادية بين البلدين في كافة القطاعات".
كما أطلع لافروف الرئيس السيسي "على آخر تطورات الأوضاع بشأن الأزمة الأوكرانية ومستجدات التحركات الروسية في هذا الإطار على المستوى الدولي". وفي هذا السياق، شدد السيسي "على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة"، مؤكداً "دعم مصر لكافة المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها الدولية مع جميع القوى الفاعلة سواء في الإطار الثنائي أو المتعدد الأطراف".
وتطرق اللقاء إلى بعض الموضوعات الثنائية في إطار علاقات التعاون المتميزة والتاريخية التي تجمع بين مصر وروسيا في مختلف المجالات خاصة التعاون في مجال قطاعات توريد الحبوب والغذاء، وكذلك قطاع البترول والغاز في ضوء الأزمة الراهنة في تلك القطاعات.
وإثر الاجتماع قال لافروف: "لدينا توافق في الرأي حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية"، مضيفاً أنه بحث في القاهرة "تطوير التبادل التجاري والتعاون التكنولوجي بين مصر وروسيا" و"مشروع الضبعة النووي والمنطقة الروسية بقناة السويس"، مؤكدا أن "الموانئ الروسية تعاني من حصار غربي.. وتلقينا تعهدات في تركيا بإنهاء ذلك"، معتبراً أن "العقوبات الغربية تعرقل الدعم الروسي للدول الإفريقية".
لافروف يلتقي وزير خارجية مصر
من جانبه وزير الخارجية المصري: "نتطلع لاستمرار التعاون الوثيق مع روسيا على أساس المصالح المتبادلة"، مضيفاً: "بحثنا الوضع في أوكرانيا وأكدنا أهمية التوصل لحل على أساس الحوار"، مشيرا إلى أن: "مصر تؤكد أهمية التوصل لتسوية دبلوماسية للأزمة في أوكرانيا.. الأزمة في أوكرانيا لها انعكاسات سلبية على الأمن الغذائي العالمي".
وتطرق شكري في سياق آخر مؤكدا "أهمية إنهاء التوترات والصراعات في المنطقة".
وتأتي زيارة وزير الخارجية الروسي إلى القاهرة، في خضم أزمة الغذاء التي تعيشها عدة دول إفريقية، بسبب نقص واردات الغذاء من روسيا وأوكرانيا.
جمهورية الكونغو
استقبل رئيس جمهورية الكونغو، دينيس غاووسو، بحضور وزير خارجيته، جان كلود غاكوسو، الاثنين الماضي، ؤ، سيرغي لافروف، في المقر الرئاسي، كثاني محطة لوزير الخارجية الروسي بعد القاهرة.
أكد لافروف أهمية التعاون بين روسيا والدول الإفريقية وخاصة في إطار العمل المشترك لإقامة مشاريع مشتركة.
وقد تطرقت المباحثات إلى أزمة الغذاء العالمية والتعاون الثنائي بين البلدين خاصة أن العلاقات بين روسيا والكونغو، عريقة وتعود إلى فترة الاتحاد السوفيتي.
وعلق وزير الخارجية الروسي، عقب اللقاء إنه أجرى مباحثات طويلة ومفيدة مع رئيس الكونغو، دينيس ساسو نجيسو، ووزير الخارجية، جان كلود جاكوسو، لافتا إلى أن هناك اهتماما متبادلا لدى البلدين لتطوير التعاون في المجال العسكري والتقني.
وأشار لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الكونغولي "لدينا آفاق كبيرة للتعاون الاقتصادي، كما أن هناك عدة شركات روسية تعمل في جمهورية الكونغو الآن، واتفقنا أيضا على تطوير التعاون في المجال الطبي ومكافحة انتشار الأمراض المعدية الخطرة"، وفقا لما أوردته قناة "روسيا اليوم".
وأكد لافروف دعم روسيا للكونغو في مكافحة مظاهر التمييز في إطار الأمم المتحدة، مرحبا بدور جمهورية الكونغو في تسوية الأزمات في القارة الإفريقية، وعقد مؤتمر يجمع كافة أطراف النزاع الليبي.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الكونغولي، جان كلود جاكوسو، أن زيارة سيرجي لافروف إلى جمهورية الكونغو حدث كبير وتاريخي ، مشيرا إلى أن موقف دولته لم يتغير جراء الأزمة في العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، لافتا إلى أن جمهورية الكونغو كانت تريد أن توصل لكلا الطرفين، ضرورة وجود احترام متبادل وحل هذه القضية على أساس المفاوضات المشتركة.
أوغندا
وصل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الاثنين الماضي، إلى أوغندا، كثالث دولة يزورها لافروف في إطار جولته الإفريقية
وقد استهل لافروف بلقاء قصير مع نظيره الأوغندي جيجي أودونغو الذي كان في استقباله في مطار عنتيبي، المدينة القريبة من العاصمة كمبالا .
كما أجري لافروف محادثات الثلاثاء مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني.
إثيوبيا
ويختتم اليوم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف محطته الرابعة لجولته الأفريقية بزيارته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وقد استقبلته رئيسة إثيوبيا، سهلي ورق زودي.
كما التقى وزير الخارجية الروسي مع رئيسة إثيوبيا، مؤكدا أن المباحثات التي أجراها مع الجانب الإثيوبي مثمرة، مشيرًا إلى أن الجانبين اتفقا على تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وتقوية التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإثيوبي، صباح الأربعاء، أن المفاوضات مفتوحة وواضحة بين الطرفين، متابعًا: “هناك حوار سياسي مستمر ودائم، ووزير الخارجية الإثيوبي زار روسيا العام الماضي”.
وأشار إلى أن “العلاقات بين روسيا وإثيوبيا تاريخية، وتحمل طابع الصداقة بين الطرفين”، مضيفًا: “اليوم أعرنا اهتمامًا خاصًا بدراسة الاتجاهات؛ لتطوير التعاون والتركيز على المجال الاستثماري والاقتصادي، والعمل على تنويع تبادل البضائع بين الطرفين، والتوصل إلى حلقات عصرية ومتطورة لتأمين عملنا والاتفاقات فيما بيننا”.
كما تناولا الجانبين آفاق التعاون في مجال المواصلات والبنى التحتية والأمن والزراعة وغيرها من المجالات المفيدة للطرفين، معلنًا عقد اللقاءات للجنة الحكومية المشتركة بين البلدين، في العام المقبل.
ويتضح من جولة “لافروف” للعواصم الأفريقية سعى روسيا لبناء شراكات أكثر فعالية وموثوقية مع مصر وأوغندا وإثيوبيا وجمهورية الكونغو وبالطبع مع بقية الدول الأفريقية، ويأتي ذلك في ظل تخبط في العديد من الدول ما بين العلاقات والعقوبات ضد روسيا بسبب قيامها بالغزو على أوكرانيا …