أزمة الطاقة تهدد اقتصاد أوروبا قبل الشتاء
لا تزال أزمة الطاقة في أوروبا تتفاقم مع قيام روسيا بالحد من صادرات الغاز الطبيعي، مما يجبر الحكومات الأوروبية على إنفاق المليارات لحماية الشركات والمستهلكين من ارتفاع الفواتير مع انزلاق المنطقة نحو الركود.
ولا تزال حالة عدم اليقين لدى الأسواق والمحللين هي ما يهيمن على الجميع فيما يتعلق بسوق الغاز الطبيعي على مستوى العالم.
وشهدت عدة دول في اوربا ارتفاعا في معدلات التضخم ، وفي الولايات المتحدة، ويتفق أغلب المحللين على أن أسعار الغاز الطبيعي والطلب سوف يتواصلان ليؤثران بقوة في الضغوط التضخمية.
وأثرت أزمة الطاقة في قارة أوروبا بشكل كبير على الأسواق كافة، حيث بلغت أسعار الغاز الطبيعي مستويات قياسية بعد نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا والتي تبعها عقوبات اقتصادية متبادلة بين موسكو والغرب.
العقوبات الروسية على أوروبا
وأشد العقوبات الروسية قسوة على أوروبا كان في تقليص الإمدادات من الغاز الطبيعي إلى دول القارة العجوز والتي تعتمد على موسكو بشكل كبير في الحصول على احتياجياتها من الطاقة.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي بنسبة 28٪ أمس الإثنين، لتصل إلى 274 يورو (272 دولارًا) لكل ميغاواط/ ساعة في اليوم الأول من التداول بعد أن أوقفت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم التدفقات عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 الحيوي إلى أجل غير مسمى، معللة ذلك باكتشافها تسربًا للنفط في المحركات.
قام خط الأنابيب في العام الماضي بنقل حوالي 35٪ من إجمالي واردات أوروبا من الغاز الروسي.
لكن خفضت غازبروم التدفقات على طول نورد ستريم 1 إلى 20٪ فقط من طاقته منذ يونيو/حزيران، متذرعة بأعمال الصيانة والخلاف حول توربين مفقود بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو.
وأثار قرار موسكو بعدم إعادة فتح خط الأنابيب يوم السبت مخاوف من أن الاتحاد الأوروبي قد ينفد من الغاز هذا الشتاء، على الرغم من الجهود الناجحة لملء صهاريج التخزين. أدت مخاوف مماثلة في المملكة المتحدة إلى ارتفاع العقود الآجلة للغاز الطبيعي بالجملة بأكثر من الثلث يوم الاثنين.
وتسببت أخبار إغلاق خط الأنابيب إلى أجل غير مسمى يوم الجمعة في انخفاض اليورو إلى ما دون 0.99 دولار يوم الاثنين، وهو أدنى مستوى له منذ 20 عامًا. بلغ الجنيه الاسترليني 1.14 دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 1985، حيث يخشى التجار من الخسائر التي قد تحدث بسبب النقص الحاد في الطاقة على النشاط الاقتصادي الإقليمي والميزانيات الحكومية.
استعدادات الدول لمواجهة الأزمة
وتستعد بعض الدول لإنفاق مبالغ طائلة في محاولة للحد من المعاناة.
وفي سعيها لحل هذه الأزمة، اتخذت كل من فنلندا والسويد وألمانيا بعض الإجراءات في محاولة لتحقيق الاستقرار داخل سوق الطاقة.
فنلندا
وافقت حكومة فنلندا على إطلاق حزمة دعم طارئة بقيمة 10 مليارات يورو (10 مليارات دولار تقريبا) لمساعدة شركات المرافق التي تأثرت بتقلبات أسواق الطاقة.
وقالت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، في مؤتمر صحفي في هلسنكي، الأحد، إن الدعم يتكون من قروض وضمانات ائتمانية، وسيساعد شركات الطاقة مثل "فورتوم أويجي" لتلبية احتياجات السيولة قصيرة الأجل، وفقا لما ذكرته وكالة "بلومبرج".
السويد
تأتي خطوة فنلندا في أعقاب قرار اتخذته السويد المجاورة في وقت سابق من يوم الأحد، لتزويد مولدات الكهرباء بما يصل إلى 250 مليار كرون (23.2 مليار دولار) في شكل ضمانات ائتمانية لدرء خطر حدوث أزمة مالية.
ألمانيا
وافقت الحكومة الألمانية يوم الأحد، على خطة بقيمة 65 مليار يورو (65 مليار دولار تقريبا) لتخفيف الضغط عن الأسر في ظل أزمة الطاقة التي دفعت الأسعار للارتفاع.
ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه أوروبا ارتفاعا كبيرا في تكاليف المعيشة، لا سيما فيما يتعلق بالطاقة، وذلك تزامنا مع تراجع الإمدادات من روسيا وارتفاع أسعارها على المستوى العالمي، ما ينذر بأزمة طاحنة في الشتاء داخل القارة العجوز.
يأتي هذا الإعلان في أعقاب حزمتين سابقتين من المساعدات يبلغ مجموعهما 30 مليار يورو، تضمنتا خفض الضريبة على البنزين ودعما كبيرا لتذاكر النقل.
وتخصص الحكومة 1,5 مليار يورو لدراسة بديل للتذكرة الشهرية البالغة 9 يورو على شبكات النقل المحلية وبين المناطق، علما بأن السعر سيكون أعلى على الأرجح.
وبرلين التي تعتمد منذ سنوات على واردات الطاقة الروسية لسد احتياجاتها، انكشفت على ارتفاع أسعار الطاقة مع تقلص الإمدادات من موسكو.
وارتفع التضخم الألماني مجددا إلى 7,9% في أغسطس/ آب، بعد انخفاضه لشهرين على وقع انعكاسات تدابير المساعدة الحكومية.
ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى ارتفاع التضخم في ألمانيا ومنطقة اليورو إلى حوالي 10% بحلول نهاية العام، في أعلى معدل منذ عقود.
وتأتي حزمة المساعدة الحكومية الأخيرة بعد يومين من إعلان شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم أنها لن تستأنف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 السبت كما كان مخططا له بعد أعمال صيانة لثلاثة أيام.
الاستعداد لفصل الشتاء
كان الاتحاد الأوروبي يعزز احتياطياته من الطاقة للأشهر الباردة على مدى أشهر، بحيث يخشى أن تزيد روسيا من خفض إمداداتها من الغاز عندما تزيد نسبة استخدامه.
أوقفت موسكو فعليًا إرسال الغاز إلى العديد من الدول الأوروبية التي تصفها بـ"غير الصديقة" وشركات الطاقة بسبب رفضها دفع ثمن الغاز بالروبل كما يصر الكرملين، بدلاً من اليورو أو الدولار المنصوص عليه في العقود.
جاء إعلان نورد ستريم 1 يوم الجمعة بعد ساعات فقط من موافقة دول مجموعة السبع على تحديد السعر الذي يمكن لروسيا أن تبيع به نفطها في محاولة للحد من الإيرادات التي يستخدمها الكرملين لتمويل حربه في أوكرانيا.
قال متحدث باسم شركة سيمنز، الشركة الألمانية المصنعة لتوربينات نورد ستريم 1 يوم الجمعة، إن تسرب النفط ليس "سببًا تقنيًا لإيقاف التشغيل".
وقال المتحدث لـCNN: "بصرف النظر عن ذلك، فقد أشرنا بالفعل عدة مرات إلى أن هناك ما يكفي من التوربينات الإضافية المتاحة لتشغيل نورد ستريم 1".
مع اشتداد أزمة الطاقة، قامت دول الاتحاد الأوروبي بملء مرافق تخزين الغاز بسرعة. وفقًا لبيانات من Gas Infrastructure Europe، تمتلئ المخازن الآن بنسبة 82٪ من طاقتها، وهو ما يتجاوز النسبة المستهدفة البالغة 80٪ التي حددها المسؤولون قبل نوفمبر.
يعرف القادة الأوروبيون أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتجنب المصاعب المنتشرة والحد من تداعيات الركود. سيعقد وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي اجتماعًا طارئًا يوم الجمعة لمناقشة خطط المساعدة في حماية الأوروبيين من أسوأ ارتفاع في أسعار الطاقة.
تشمل الأفكار الأولية آلية لفصل أسعار الكهرباء عن أسعار الغاز الطبيعي بالجملة، وعرض ائتمان طارئ لشركات الطاقة المعرضة لخطر الإفلاس، وفقًا لمسودات الوثائق التي اطلعت عليها رويترز.