د. عبد الحفيظ محبوب يكتب : أوروبا تستنجد بأمريكا لوقف انهيارها .. فهل تستجيب؟
يعتقد البعض أن الحزب الديموقراطي خسر مجلس النواب بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ قدمت الولايات المتحدة حتى الان لأوكرانيا نحو 91 مليار دولار، خصوصا وأن الرئيس الأمريكي السابق ترمب صرح بأن السياسة الأمريكية الحالية يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، فضلا عن دعوات ترمب إلى الضغط على كييف والدفع لإجراء مفاوضات سلام مع موسكو، وصرح الجمهوريون لا شيك على بياض لأوكرانيا، لكن تجري الولايات المتحدة محادثات مع روسيا على مستوى رفيع في شأن الحد من المخاطر، وتحتفظ في نفس الوقت بالعلاقة بينها وبين روسيا، ورغم ذلك هناك خلافات بدأت تدب داخل الإدارة الأمريكية حول مسار الأزمة الأوكرانية، في ظاهرة هي الأولى داخل البيت الأبيض الذي يقود تحالفا غربيا متشددا ضد روسيا منذ بداية الحرب في 24 فبراير 2022.
أمريكا قلقة، وتتابع زيارة شارل ميشيل رئيس المجلس الأوربي للصين مؤخرا، قلق أمريكي تجاه موقف أوروبا بالنسبة للتنافس الأوروآسيوي، فهل تتمكن أمريكا أو تقبل الموازنة بين استقلالية أوروبا والتنافس مع الصين؟ فماكرون دائما اختلف مرارا وتكرارا مع أمريكا وبريطانيا، ونصح بأن يكون هناك مصالحة مع روسيا، بل يعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس صوتا دائما للمصالحة أيضا، بما في ذلك الدعوة لحرية نقل البضائع بين دول البلطيق الثلاث، وجميعها من أعضاء الاتحاد الأوروبي وروسيا، وفي تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون بأن فرنسا وألمانيا لا تؤمنان جديا بالتهديد الروسي، وعلاوة على ذلك ألمانيا تامل في أن تنتهي الحرب في أوكرانيا بانتصار سريع لروسيا للتخفيف من الأضرار الاقتصادية، تتلاءم مع هذا النمط من السلوك واسع النطاق.
تدرس الولايات المتحدة كيفية الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية الأوروبية بأكبر قدر ممكن من الفاعلية، وهي تبحث ما إذا كانت أوروبا الجديدة ستكون شريكا أكثر فاعلية على المدى الطويل من الدول التقليدية في أوروبا القديمة التي لديها مراوغة وعدم وضوح بالنسبة لسياسة الصين تتويجا لاتجاهات طويلة المدى، لأن أوروبا الجديدة حيث تدرك دول أوروبا الشرقية ما بعد العهد السوفياتي مخاطر الحرب الروسية في أوكرانيا، كما تدرك التهديد الصيني للنظام الأوروآسيوي، فبولندا الوحيدة التي وقفت أمام سقف أسعار أعلى من 60 دولار وكانت تريد أسعارا أقل من ذلك كثيرا مثل 35 دولار للبرميل، لذلك تسعى الولايات المتحدة دمج دول أوروبا الشرقية ضمن سياساتها.
فسياسات فرنسا وألمانيا أقل من بريطانيا تجاه الصين نابعة من خيارات استراتيجية واضحة وبالمثل تجاه روسيا، وكما ترى الولايات المتحدة أن هذه السياسات أسهمت في غزو روسيا أوكرانيا وفي التوسع الصيني الكبير، من أجل أن تبحث أوروبا عن استقلال عن الولايات المتحدة من خلال تقسيم القوة الاقتصادية عبر العولمة.
لكن أتت زيارة ماكرون إلى لويزيانا الأمريكية مجرد تذكير بالعمق التاريخي للعلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا، وهي الأولى في عهد بايدن، وتحدث باسم أوروبا لتبديد الخلافات التي نشأت خلال الفترة الماضية، وإلى تطوير العلاقات الوثيقة مستقبلا على كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية عبر الأطلسي، رغم أن ماكرون لم يخف الاستياء الشديد من خطوات اتخذتها إدارة بايدن، بما في ذلك من قانون الإعانات الضخمة والإعفاءات الضريبية على السيارات الكهربائية ومشاريع الطاقة المتجددة المصنوعة في الولايات المتحدة باعتبارها شديدة العدائية حيال أوروبا.
اعتبر في خطاب ألقاه ماكرون خلال الزيارة أن أوروبا تعاني من أخطر انهيار بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سماه بالعدوان الامبريالي من روسيا ضد أوكرانيا مشددا على الدور الاستثنائي الذي يضطلع به حلف شمال الأطلسي في لجم طموحات الرئيس الروسي بوتين، وهو مناقض لوصف ماكرون التحالف العسكري الغربي في 2019 بانه ميت دماغيا، ما جعله ينتزع موافقة غير متوقعة، وإن كانت مشروطة من بايدن للتواصل مع بوتين إذا أنهى حربه على أوكرانيا، حتى أن وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن وصف ماكرون بانه صاحب رؤية استثنائية، وقوة محفزة لنا جميعا لجميع شركائنا لا يمكننا الاستغناء عنها، خصوصا بعدما توصل ماكرون مع بايدن إلى أرضية مشتركة حول مخاوف أمريكا من النفوذ الصيني بوقف توسع نفوذ الصين عبر سياسات جائرة وقهرية ضد جيرانها ومع العالم الأوسع.
وفي المقابل قام المستشار الألماني أولاف شولتس الاتصال ببوتين لإقناعه بوقف الحرب في أوكرانيا من أجل إجراء محادثات مباشرة بينه وبين بايدن بعدما وفق ماكرون انتزاع موافقة بايدن على إجراء محادثات مع بوتين، والتي لم تحدث على هامش قمة بالي قمة العشرين المقررة في إندونيسيا السابقة، وخرج تصريح من الكرملين على لسان ديمتري دستكوف أشاد بخطاب الرئيس الأمريكي، لكن طالب بأن تعترف أمريكا بالمناطق التي استولت عليها روسيا في أوكرانيا الأربع، أي التعايش مع الوضع الحالي، وأن الرئيس بوتين منفتح هو الآخر على الحوار مع بايدن.