مع استمرار فشل انتخاب رئيس للبلاد.. مصارف لبنان تصارع من أجل البقاء
يعاني القطاع المصرفي في لبنان بشدة خلال الآونة الأخيرة، بعدما تكبد خسائر هائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، مخلفاً مستقبلاً مجهولاً وغامضاً لمقرضي البلاد، وذلك في ظل الفشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ويبذل المصرفيون جهود كبيرة في محاولة منهم لمنع تحميل المساهمين تلك الخسائر، وبالتالي إلقاء العبء على الحكومة أو المودعين.
وتقاوم الطبقة السياسية في البلاد، التي ألقي باللوم عليها بسبب عقود من الفساد وسوء الإدارة أدت إلى الانهيار، مساعي الإصلاح، وذلك بحسب خبراء ومراقبين.
صندوق النقد الدولي
ويعد إعادة هيكلة القطاع المصرفي مطلبا رئيسيا لصندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من أزمته المالية التي أصابت البلاد بالشلل.
ومن المرجح أن تجبر الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد غالبية البنوك الـ 46 في البلاد (وهو عدد ضخم بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة) على الإغلاق أو الاندماج.
وخلال فترة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، وانتهت في العام 1990 كان القطاع المصرفي قاطرة ازدهار اقتصاد البلاد، إذ كان يقدم فوائد مرتفعة جذبت استثمارات وودائع من مختلف أنحاء العالم.
وفي الوقت الحالي لا يتسن لمعظم المودعين الوصول إلى مدخراتهم بعدما قام مقرضو البلاد لسنوات باستثمارات محفوفة بالمخاطر من خلال شراء أذون الخزانة اللبنانية، وذلك رغم الفساد المستشري والإنفاق المفرط للطبقة السياسية في البلاد.
وكانت هذه الممارسات من مسببات الأزمة الاقتصادية التي ظهرت إرهاصاتها في أكتوبر من العام 2019.
المصارف اللبنانية
واليوم لا تقدم المصارف اللبنانية قروضا ولا تستقبل ودائع جديدة، وتعيد للمواطنين جزءا صغيرا فقط من مدخراتهم الدولارية بسعر صرف أقل بكثير من القيمة السوقية.
ورغم القيود غير الرسمية على رؤوس الأموال تشير تقارير محلية إلى غسل مليارات الدولارات خارج البلاد من جانب كبار المسؤولين السياسيين والماليين.
وفي الأشهر الأخيرة اقتحم عدد من المودعين الغاضبين فروع مصارف في لبنان للحصول على مدخراتهم بالقوة، ما أدى إلى مواجهات مع الموظفين الذين هم بدورهم من ضحايا الأزمة.
فمنذ بدأت تلك الأزمة انخفض عدد موظفي البنوك بمقدار الثلث، إلى أقل من 16500 موظف، وأغلق واحد من كل خمسة فروع لكل مصرف على الأقل.
ويبدو أن مستقبل البنوك غير واضح، إذ دعا اتفاق مبدئي بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية تم التوصل إليه في أبريل، إلى "تقييم بنكي بمساعدة خارجية لأكبر 14 مصرف"، ولكن حتى الآن لم يجر اتخاذ أي إجرءات من جانب الحكومة أو المقرضين.
وأعلن القطاع المصرفي معارضته الشديدة للإجراءات المقترحة التي من شأنها أن تلقي عبء خسائر النظام على المساهمين بدلا من المودعين.
خطة الحكومة اللبنانية للتعافي الاقتصادي
وتقدر خطة الحكومة المقترحة للتعافي الاقتصادي التي اعلنت في سبتمبر خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار، معظمها في البنك المركزي.
وأشارت الخطة إلى أن الحجم الهائل للخسائر يعني أن البنك المركزي لا يمكنه إعادة معظم أموال للبنوك ولا تستطيع البنوك إعادة معظم أموال المودعين.
وجاء في تقرير حديث للبنك الدولي أن الخسائر تزيد عن ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في العام 2021، ما يجعل عملية الإنقاذ مستحيلة بسبب عدم وجود أموال عامة كافية.
وأوضح التقرير أن أفضل حل هو "تحميل كبار الدائنين والمساهمين تكلفة إعادة هيكلة المصارف"، وليس صغار المودعين.
ولكن المصارف عارضت هذا الحل، واقترحت بيع أصول الدولة أو استثمارها لتعويض الخسائر على المدى الطويل.
ففي أكتوبر، وافق مجلس النواب اللبناني على تعديل قانون سرية الحسابات المصرفية، وهو أيضا من مطالب صندوق النقد، لكن البعض يقول إن هذه التعديلات ليست كافية.
البنك المركزي اللبناني
ولا يزال البنك المركزي يستخدم العديد من أسعار الصرف في وقت يضغط فيه صندوق النقد من أجل توحيدها تحت مظلة سعر واحد، في حين لا يزال إحراز تقدم بشأن الإجراءات المقترحة الأخرى عالق وسط فراغ السلطة في الرئاسة ومجلس الوزراء.