الأردن والإرهاب.. تاريخ من التحدي والمواجهة

يُعدّ الأردن في طليعة الدول التي تحارب الإرهاب والتطرف ضمن نهج شمولي مستند إلى أبعاد تشريعية وفكرية وأمنية وعسكرية.
وينطلق موقف الأردن من ظاهرةِ الإرهاب والتطرف بشكل أساسي من رسالة المملكة الهاشمية وشرعيّتِها ومن التكوين الثقافي للشعب الأردني الذي يحترم الاعتدال ويرفض التطرف واستخدام الدين والأيديولوجيات لبثّ العنف والكراهية والتحريض على الإرهاب.
الأرهاب في الأردن
شهد الأردن أمس إصابة ضابط وضابط صف بعيارات نارية أثناء تعاملهما مع أعمال شغب واحتجاجات في المنطقة، جاء ذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء الأردنية.
وفي الآونة الأخيرة، شهد الأردن عمليتين وجاء ترتيب الأردن على "مؤشر الإرهاب العالمي " الذي يصدر سنوياً عن مركز الاقتصاد والسلام في أستراليا لعام 2020، ضمن المناطق منخفضة التهديد واحتل المرتبة 57 عالمياً.
ووفقا لـ"مؤشر الإرهاب في الأردن “لعام 2020 الذي يصدره "مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب" بلغ عدد "العمليات "الإرهابية الفعليّة في الأردن خلال الفترة الممتدة ما بين 1970 حتى آخر إحصاء بتاريخ31 ديسمبر 2020 ما مجموعه (133) عملية إرهابية، نتج عنها ما مجموعه (156) حالة وفاة، وما مجموعه (300) جريحاً.
ونتيجة لذلك، كان عام 2020 استثناءً للقاعدة، وهو العام الأول منذ 2011 الذي لم تشهد فيه الأردن أي عمليات إرهابية، كما أظهرت مؤشرات أخرى أن عام 2020 شهد ضعف تنظيم "داعش" على وجه الخصوص، حيث أكدت "دائرة المخابرات العامة الأردنية " أن أعداد المنتمين للتنظيم قد انخفضت من 1250 عنصرا ولم تعد تتجاوز 750 عنصراً عام 2020 نتيجة عودة البعض منهم إلى الأردن، ومقتل الآخرين في ساحات القتال. وعليه، يؤكد هذا الخبر أن تنظيم "داعش" بدا وكأنه يعاني من الضعف على جميع الجبهات بعد الضربات المتكررة التي استهدفت معاقله في سوريا والعراق.
وعلاوة على ذلك، أشارت بعض مراكز الأبحاث الغربية مثل "مركز الاقتصاد والسلام" إلى أن هناك “انخفاض في مؤشرات عدد القتلى، والعمليات الإرهابية منذ اندلاع جائحة كورونا في ربيع عام 2020، كما أشار بعض المحللون إلى أن معظم العمليات خلال العام الماضي قد تم تنفيذها بأسلوب الذئاب المنفردة.
وفي نفس الوقت؛ حذر فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في يناير الماضي من أن الجماعات المتطرفة تستغل جائحة فيروس كورونا المستجد لتجنيد المزيد من العناصر والقيام بهجمات ذات دوافع عنصرية وعرقية وسياسية، ونوه إلى تنظيم "داعش" الإرهابي الذي خسر دولته المزعومة في سوريا العراق ما زال يسعى إلى إعادة تشكيل قدراته في شن عمليات خارجية. وشدد فورونكوف، في كلمته على أن هذه التنظيمات تمكنت من تطوير إمكانياتها في الفضاء الإلكتروني والتواصل مع جماعات الجريمة المنظمة، وأن أساليبها بدأت تلهم تنظيمات متشددة جديدة بما في ذلك مجموعات اليمين المتطرف في الغرب.
وبدوره، أثار تراجع النشاط الإرهابي لتنظيم "داعش" وإخفاقاته في الأردن خلال عام 2020 تساؤلات حول مستقبل التهديد الإرهابي في الأردن. لكن على الرغم من أن هناك آمل في المستقبل، لا يدعم الانخفاض في الهجمات الإرهابية في الأردن خلال عام 2020، ولا الملاحظات المتعلقة بالوباء وهجمات الذئاب المنفردة بالضرورة الفرضية القائلة بأن الوباء أدى إلى تراجع النشاط الإرهابي، فالتهديد ما زال قائما، ويؤكد ما ذهب إليه فلاديمير فورونكوف، من تحذير وقد تجلى على الساحة الأردنية في العمليات الثلاث التي خطط لها تنظيم "داعش" وفشل في تنفيذها خلال يونيو 2020.
العملية الأولى: بتاريخ 2 يونيو 2020حيث أحبطت "دائرة المخابرات العامة" عملية إرهابية لعضوين من تنظيم "داعش" استهدفا مبنى المخابرات في مدينة الزرقاء، باستخدام أسلوب المتفجرات لقتل المتواجدين، وأسلوب الأسلحة الخفيفة لقتل كادر إحدى دورياتها الثابتة في حي معصوم في مدينة الزرقاء. وبينت تحقيقات "محكمة أمن الدولة" مع المتهمين أنهما خططا لعمليتهما الإرهابية نصرة لتنظيم داعش الإرهابي، وكانا خلال لقاءاتهما يتداولان أخبار وإصدارات داعش فيما بينهما عن طريق الإنترنت.
العملية الثانية: بتاريخ 7 يونيو 2020. أحبطت دائرة المخابرات العامة عملية إرهابية لخلية مكونة من ثلاثة أعضاء من تنظيم داعش، كانت تستهدف كادر مركز أمن اربد الشمالي في مدينة إربد شمال الأردن، باستخدام أسلوب الأسلحة الخفيفة. وقد بينت تحقيقات "محكمة امن الدولة" أنهم تعرفوا على أفكار تنظيم داعش من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة إصدارات التنظيم والتواصل عبر تطبيق (تيليجرام) مع أعضاء التنظيم خارج الأردن للتواصل والتنسيق.
العملية الثالثة: بتاريخ 28 يونيو 2020 كشفت تحقيقات "محكمة أمن الدولة" فشل خلية من أربعة أشخاص من تنظيم داعش من سكان منطقة الوحدات-عمان الشرقية في مهاجمة محل لبيع المشروبات الكحولية وكنيسة الأرمن الأرثوذكس في منطقة الأشرفية القريبة من مخيم الوحدات باستخدام أسلوب الأسلحة الرشاشة، وذلك بعد فشلهم بتصنيع المتفجرات محلياً. واعترف أعضاء الخلية بأنهم تعرفوا على أفكار تنظيم داعش عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وأنهم فشلوا بالالتحاق بصفوف تنظيم داعش في سوريا نتيجة تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود.
وتشير هذه الهجمات أيضًا إلى الارتباط الوثيق بين ارتفاع عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وبين الإجراءات الأمنية الأخيرة التي اتخذتها الأردن في هذا الصدد. ومن ثم، ما زال الأردن مشارك فعال في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم في سوريا والعراق، ويتعاون ويتشارك في المعلومات الاستخبارية والأمنية مع قيادة التحالف بخصوص القضايا التي تتعلق بنشاطات التنظيم خارج وداخل الأردن. ومؤخرا، قام الأردن بالتضيق على نشاطات السفر ومنع التهريب على الحدود مع دول الجوار خاصة سوريا والعراق للحد من تسلل أعضاء ومؤيدي التنظيم الذين يخططون للانضمام إليه، والقيام بحملة أمنية مستمرة لمتابعة نشاط المتطرفين على الساحة الأردنية والمراقبة الاستخبارية الحثيثة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتغليظ العقوبات القانونية على المنتمين للتنظيم ومحاكمتهم وفق قانون منع الإرهاب وتعديلاته لعام 2006.
ولعل هذه الإجراءات تفسر سلوك التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية حيث ركز التنظيم على التجنيد، والتوجيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، وتيليجرام) وهذا ما ظهر في عملية الفحيص، والسلط الإرهابية عام 2018 التي تعتبر أولُ عملية إرهابية تسجلُ في تاريخ الأردن حول نيةِ الإرهابين التخطيطُ لاستخدام "المنظومات الجوية المُسيّرة" من خلال الطائرات بدون طيار، وتزيدها بالمتفجرات ضد أهدافٍ أمنية وحكومية.
وفشل المسؤولين في الأردن في إحباط عملية طعن السياح في مدينة جرش عام 2019 حين قام مصطفى محمد سلمي أبو رويس وهو من أبناء مخيم (سوف) للاجئين الفلسطينيين ويبلغ من العمر 22 عاماً، من أبناء غزة الحاملين لجوازات سفر أردنية مؤقتة بتنفيذ عملية إرهابية باستخدام أسلوب الطعن بسكين للسياح الأجانب في مدينة جرش، نتج عن العملية إصابة 8 أشخاص بجروح بسيطة. وجاءت تلك العملية كرد على مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.
دور الأردن في مكافحة الأرهاب
تشكّل وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية حلقة وصل بين المؤسسات الوطنية المختصة، وجميع دول العالم والمنظمات الدولية، بغية التوصل إلى أفضل الممارسات الممكنة من أجل محاربة هذه الظاهرة، إذ تنطلق رؤية الوزارة في التعامل مع الإرهاب من كون الإرهاب ظاهرة دولية لا تقتصر على دولة أو منطقة بعينها، ولا يمكن محاربتها إلّا بتكثيف الجهود الإقليمية والدولية في مجال تبادل المعلومات والخبرات، واقامة ورش العمل، وتدريب الخبراء، وإبرام الاتفاقيات الثنائية.
وتقوم الوزارة، عبر البعثات الدبلوماسية في الخارج والإدارات المتخصصة في الوزارة، بالمشاركة الفاعلة في المحافل الدولية والاجتماعات السياسية، التي يعُنى بها الأردن، في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وتحرص الوزارة على التنسيق المستمر مع المنظمات الدولية، وبالأخص الأمم المتحدة ومؤسساتها وأجهزتها وأذرعها، بهدف التطبيق الأمثل للقرارات الأممية ذات الصلة بعصابتي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيتين.
وتعمل الوزارة على تعزيز التعاون الثنائي بين الأردن ودول العالم على الصعيدين الأمني والعسكري، وذلك عبر التواصل مع البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية في الأردن، وكذلك عبر البعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج.
وتقوم الوزارة، بالتوقيع على الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ذات الصلة والتي تقع ضمن اختصاصها بشكل مباشر.
وتقوم الوزارة بتنظيم المؤتمرات الدولية وورش العمل المتخصصة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ما يسهم في إبراز الدور الذي يقوم به الأردن في هذا السياق.
يقوم الأردن بدور فعّال في مكافحة الفكر المتطرف ومجابهة التعصّب، عبر مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ويعمل على تعزيز الانخراط الدولي في دعم دور الشباب والمرأة في محاربة التطرف والعنف، وتحصين المجتمعات من العوامل المساعدة على انتشار الفكر المتطرف ومن أهمها الفقر والبطالة والحرمان والجهل.
وتساهم الوزارة في تمثيل الأردن في أعمال المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) واجتماعاته الدورية والمتخصصة، وذلك عبر مشاركة البعثات الدبلوماسية في الخارج في تلك الاجتماعات والمساهمة في صياغة المخرَجات التي تصدر عنها، كما تقوم الوزارة بإدامة التنسيق مع الجهات الوطنية المعنية لضمان مشاركة مندوبين عن تلك الجهات في اجتماعات المنتدى، بما يسهم في تبادل الخبرات وإطلاع الدول المشاركة في المنتدى على الدور المتميز الذي يقوم به الأردن في مكافحة الإرهاب والتطرف.
وتحافظ الوزارة على إدامة مشاركة الأردن الفاعلة في الاجتماعات التي يدعو لها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي. وتتضمن الاجتماعات والنشاطات التي يشارك فيها الأردن الاجتماعات على المستوى الوزاري للدول الأعضاء في التحالف والتي تُعقد بشكل نصف سنوي. كما
وتشارك الوزارة في اجتماعات التحالف التي تُعقد بشكل رُبْع سنوي، على مستوى المديرين السياسيين.
ويمثل رؤساء البعثات الدبلوماسية في الخارج الأردنَّ في جُلّ الاجتماعات التي تُعقد على مستوى مجموعات العمل الخمس المنبثقة عن التحالف الدولي (مجموعة دعم الاستقرار، ومجموعة العمليات العسكرية، ومجموعة محاربة تمويل الإرهاب، ومجموعة محاربة انتشار الفكر المتطرف، ومجموعة محاربة ظاهرة المقاتلين الأجانب).
وتُواصل الوزارة إبرازَ دور الأردن ومواقفه في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف في البيانات وخطط العمل التي تصدر عن اجتماعات التحالف