د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل الغرب ممثلا في فرنسا قادر على منافسة الصين وملأ الفراغ الأمريكي؟
(إيران الحاضر الأبرز في مؤتمر بغداد 2 عبر دعواتها بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة)
عقد مؤتمر بغداد بنسخته الثانية في الأردن في 20/12/2022 بتنظيم فرنسي عراقي ومشاركة 10 دول أخرى ومنظمات عربية والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، ولكل طرف له أهداف، ففرنسا نيابة عن الغرب يودون أن ينافسون الحضور الصيني في المنطقة، وعدم ترك المنطقة لقمة سائغة سهلة للصين، خصوصا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا التي جعلت أوروبا أكثر احتياجا للطاقة العربية، بجانب ضياع آمالهم في الغاز الإيراني بعدما أفشلت السعودية هذا الاتفاق، فيما إيران الحاضر الأبرز عبر الدعوات المباشرة وغير المباشرة لها بعدم التدخل في شؤون المنطقة، فقط من أجل التقرب للسعودية للحصول على حاجتهم من الطاقة بعدما تأكدوا من حرمانهم من الغاز الروسي وحتى الإيراني ولم يتبق أمامهم سوى العرب وعلى رأسهم السعودية التي من المنتظر أن تستغل حقل الجافورة بإنتاج نحو ملياري برميل مكافئ من الغاز، ما يجعلها ثالث مصدر في 2030.
لكن هم إيران الأساس من حضور هذا المؤتمر بحث مصالحها على هامش المؤتمر حول الملف النووي الإيراني، رغم أنها تدرك أن هذا الملف بيد الولايات المتحدة، وهناك ضغوط سعودية إسرائيلية على أمريكا، ما جعل أوروبا تستسلم، وبدأت الدول الأوروبية توجه بوصلتها نحو السعودية التي تقود أسواق الطاقة، ولم تعد لديها آمال في إعادة إحياء الملف النووي، وعلى هامش المؤتمر لفت وزير خارجية إيران إلى استعداد بلاده لإتمام المفاوضات وإبرامه شرط مراعاة الدول الغربية للخطوط الحمراء والنصوص التي أعلنتها إيران، عندما التقيا وزير الخارجية وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، ومنسق المفاوضات الأوروبية انريكي مورا.
وطالب وزير الخارجية المعنيين بالاتفاق النووي بالتمتع بالواقعية، ووعد من أنه مستعد لحل أي سوء تفاهم وربط الاتفاق النووي بالأزمة الأوكرانية وأن إيران مستعدة للتفاهم المباشر مع الجانب الأوكراني لإزالة أي لبس أو غضب من الجانب الأوروبي بسبب إرسال إيران مسيرات للجانب الروسي، لكن في تغريدة على تويتر قال بوريل أنه اعتبر اللقاء مع وزير خارجية إيران مهما لكنه شدد على الوزير إنهاء إيقاف الدعم العسكري لروسيا والقمع الداخلي في إيران، مع إبقاء القنوات مفتوحة وإعادة إحياء الاتفاق النووي على أساس محادثات فيينا.
لكن إسرائيل من خلال وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس ترى أن الوقت مناسب للضغط على إيران تفضي للتوصل إلى اتفاق نووي جديد ومحسن وحذر غانتس في قمة الإعلام اليهودي من أن تتجاوز إيران نقطة اللاعودة في الجانب النووي، واعتبر أن الوقت مناسب للضغط على إيران للتوصل إلى اتفاق نووي محسن يوقف تقدمها النووي، وإذا فشل يجب الجمع بين استخدام القوة واستعراض القوة في مواجهة العدوان الإيراني، وهو نهج ترفض السعودية المشاركة فيه، وهو لا يخصها بل يخص الدول الغربية، وما يخصها أكثر وقف إيران دعم المليشيات في المنطقة.
وكعادة إيران المتاجرة بالقضية الفلسطينية من أنها لا زالت القضية الأولى للعالم الإسلامي مقترحا أن يقوم الحل السياسي لهذه القضية على مبدأ حق تقرير المصير، فهنا لم يشر إلى المبادرة العربية التي تقدمت بها السعودية كحل سياسي، وفي نفس الوقت أن المنطقة لا تعاني إلا من القضية الفلسطينية، متنكرا لأي ازمة تسببت فيها إيران، رغم ان هذا المؤتمر عقد أساسا من أجل وقف إيران التدخل في شؤون العراق.
وهو ما يضغط على إيران في البحث عن سبل عودة علاقاتها مع السعودية، لكن أولويات كل منهما تختلف، فأولويات السعودية توقف إيران عن دعم المليشيات، وبشكل خاص دعم الحوثي، حيث لا زالت إيران ترسل للحوثي الأسلحة، بينما أولويات إيران فتح السفارات، وهو ما ترفضه السعودية، ولن تقبل السعودية العبارات الفضفاضة والدعوات الجوفاء، كدعوة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى أن الحوار بين دول الإقليم ليس خيارا بل ضرورة ملحة، ولا زالت تتحدث عن الشعارات وعن أهمية الأمن الجماعي لضمان الاستقرار الإقليمي.
أي أن السعودية ترفض الحوار حول مكتسبات حققتها إيران في المنطقة العربية إذا أرادت إيران تحقيق فهم مشترك كما تدعي أن يؤدي الحوار في النهاية إلى السلام، وإرساء منطقة مزدهرة ومستقرة، إذا لم يتحقق لها ذلك تلجأ إيران إلى اتهام دول المنطقة تقصد السعودية باتباع سياسة الاقصاء الذي يهدد تحقيق الأمن الجماعي لضمان الاستقرار الإقليمي.
وهو ما دعا السعودية إلى رفض أي حوار مع إيران إذا استمرت على هذا الإصرار في الحفاظ على مكتسباتها التي حققتها في غفلة من الزمن وليس بسبب قوتها، فقط استثمرت واستغلت ظروف مرت بها المنطقة على رأسها دعمت احتلال أمريكا للعراق ثم اتجهت إلى خلق ظروف الحرب الطائفية والمذهبية في العراق، ثم ابتكرت إرهاب داعش ومولتهم بعدما أخرجتهم من السجون بقيادة أبي بكر البغدادي، لتشكيل مليشيات الحشد الشعبي، الذي استمرت تلك المليشيات حتى بعد القضاء على داعش. ولا زالت حتى اليوم تستدعي إيران داعش وقت الطلب من أجل إبقاء الحاجة إلى تلك المليشيات، حيث دخل تنظيم داعش في العراق مرحلة جديدة باستهداف الجيش، عبر استخدام تكتيك العبوات الناسفة بأرتاله، ما دفع الجيش إلى توجيه انذار ببدء شن هجمات انتقامية، ما يعني أن إيران وأتباعها في العراق أن الجيش العراقي غير قادر بمفرده ولابد من الاستعانة بالمليشيات التابعة لإيران.
وركبت كذلك موجة ثورات الربيع العربي في 2011، وتود إيران الحوار من خلال الإبقاء على تلك المكتسبات، وهو ما ترفضه السعودية إذا أرادت إيران أن تندمج في المنطقة، خصوصا وأن إيران تلاحظ أنها تتجه نحو الانهيار والعزلة، بينما السعودية وبقية دول المنطقة تزداد أهمية وكل القوى تتسابق عليها.
بالطبع يهم الأردن ومصر اللتان تعانيان من أزمات اقتصادية، لذلك اعتبر الملك عبد الله ملك الأردن من أن المؤتمر عقد من أجل مصالحنا المشتركة باعتبار أن استقرار العراق ركنا أساسيا في منطقتنا، وله دور في تقريب وجهات النظر لتعزيز التعاون الإقليمي، بينما حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أي تدخلات أجنبية في شؤون العراق، ونالت مصر إشادة أميركية والموافقة على قرض جديد قبل انطلاق جلسات للحوار الوطني داخل مصر.
لذلك وصف البعض من أن قمة بغداد2 قمة اللامعجزات، بعد قمة أولى عقدت في بغداد في أغسطس 2021، بسبب أنها لن تحقق أحد أهم أهدافها وهو إخراج العراق من الفلك الإيراني، لا سيما مع وصول حكومة إطارية برئاسة محمد شياع السوداني موالية لطهران، حيث رد رئيس وزراء العراق ووزير خارجيته على الحياد بدبلوماسية فضفاضة، عندما قال السوداني أن بلاده متمسكة ببناء علاقات وثيقة مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين.
ما يعني أن قمة الأردن تعزز نفوذ فرنسا، وهو جزء من مساعي ماكرون في وجود فرنسي في الشرق الأوسط حيث يشعر بعض حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وعلى رأسهم السعودية ابتعاد واشنطن عن منطقة الشرق الأوسط ولم تعد من أولوياتها كما كانت من قبل، لكن السعودية ترى أن فرنسا ليست قوة موازية لقوة الولايات المتحدة، ولجأت إلى خياراتها، وبالفعل لم يقدم المؤتمر سوى حلولا استعراضية لأزمات مستعصية.