مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

نعمة الله قطب يكتب: تأثير الحرب الروسية الأوكرانية علي مصالح روسيا في آسيا الوسطى

نشر
الأمصار

كان في أيدي روسيا كل الأدوات لكي تتقرب منها دول اسيا الوسطي من كل النواحي، مع ذلك الآن روسيا تحاول أن تأخذ الوقت لمنع خروج هذه الدول من هيمنتها والنفوذه في المنطقة وهذا لا يمكن في هذه الظروف.

النفوذ والمصالح الروسية يوما بعد يوم تنقرض و ينخفض التأثير الروسي اذا لم تراجع روسيا سياساتها الخارجية في منطقة اسيا الوسطى، ولا احد ينتظر اي تغير من نظام بوتين في روسيا تجاه دول الاتحاد السوفيتي السابق او منطقة اسيا الوسطي.

قبل سنة كان تأثير النفوذ الروسي في اسيا الوسطي كبير جدا حتي الحضور الصيني لم يصل الي المنافسة مع تأثيره اصلا في تلك الفطرة، ومع بدأ العمليات العسكرية الروسية في اوكرانيا تغير كل شيء بالنسبة للتأثير والنفوذ الروسي في المنطقة. 
مع تدمير المدن الاوكرانية السياسة الخارجية الحالية الروسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق خصوصا اسيا الوسطى يدمر المصالح والنفوذ الروسية ايضا.

الان اي تصريح او موقف يمكن اخذه باعتبار على محاولات دول المنطقة الخروج على الهيمنة الروسية وانهاء النفوذ والتأثير الروسي المطلق في هذه الدول، برغم سعي الكثير من المؤسسات والاشخاص فإن العلاقات قوية والشراكة بين روسيا وهذه الدول الاستراتجية، الا أن التغيرات في العلاقة المنطقة مع روسيا باتت اكثر وضوحا من اي الوقت مضي.
ارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا ومنطقة اسيا الوسطى وكذلك هناك عدد كبير من الايدي العاملة بين الطرفين التي تشكل العمود الفقري للعلاقات الاقتصادي طرفين.


آسيا الوسطي تبتعد عن روسيا ام تتقرب منه؟ 

نحن لسنا معهم، الحديث عن انخفاض توجه العلاقات مع روسيا في المنطقة ليست صدفة، بل منذ عشىرة اشهر يتم تداول الافكار و المقترحات بين النخب والساسة في المنطقة عن هذه التوجه الجديد الامر الذي يعتبره الماكنة الاعلامية الروسية و متحدثة باسم الكريملين ان طرح هذه الافكار والتصريحات لا يتفق مع روح الشراكة الاستراتجية والحلفاء؟ 
قبل كل شيء في هذا شأن لم تدعم اي دولة من دول المنطقة العمليات العسكرية الروسية في اوكرانيا وإلى الان يحاولون بكل الطرق الممكنة رعاية العقوبات الدولية ضد الاقتصاد الروسي ويصرحون بشكل علني عن ذلك الامر الذي يصور في الداخل الروسي أن عهد نفوذ و تأثير في المحيط انتهى واصبح من الماضي و هذا يعطي للمعارضة الروسية الفرصة الذهبية للترويج أن بوتين انقضى حتى على مناطق النفوذ الروسية التاريخية مثل اسيا الوسطي.

جميع المصارف في المنطقة يرفضون التعامل مع نظام دفع الروسي مير خشية العقوبات حتى كازاخستان الاقرب الي روسيا من منظور الترابط الاقتصادي انتظر سنة حتى اخذ موافقة الولايات المتحدة الامريكية للتعامل مع النظام الروسي بشكل جزئي.
لم يعترف اي من زعماء منطقة اسيا الوسطي بالجمهوريات التي اعلنت روسيا عنها في شرق اوكرانيا حتى الرئيس الكازاخي تحدث امام بوتين بشكل واضح وصريح أنهم لن يعترفون بهذه الجمهوريات ابدا.

في عام ٢٠١٤ كانت السلطات في المنطقة يهربون من حديث ضم روسيا جزيرة قريم و لم يتحدثوا عن احتلال الجزيرة بل كانوا يصفون أن هنا جرى الاستفتاء الشعبي الا أن الان يتحدثون بشكل علني امام الاعلام ان الحرب في اوكرانيا و بعض هذه الدول يرسل المساعدات الانسانية الي كييف في تحدي للموقف الروسي .

كما ان دول المنطقة يطورون العلاقات مع دول التي تعتبرها روسيا دول ذات السياسة العدوانية تجاه مصالح الروسية وكل من زعماء المنطقة يزور اتحاد الاوروبية بعد الاخر ويتفاوضون مع ولايات المتحدة الامريكية بخصوص رعاية العقوبات وانشاء الطرق والممرات الجديدة دون حاجة الي روسيا في تلك الممرات و المشاريع المستقبلية.

في الوقت نفسه دول المنطقة يخروجون من المنظمات الاقليمية تحت الهيمنة الروسية مثل الغاء المناورات العسكرية لمنظمة الامن الجماعي في قيرغستان، و في اوائل هذا شهر الغى الرئيس الاوزبكي شوكت ميرزيوف الزيارة بيشكيك للحضور اجتماع اتحاد اقتصاد الاورو أسيا لتجنب اللقاء مع بوتين. 
والان يهتمون بشكل الكبير للعمل تحت مظلة المنظمات غير الروسية خصوصا اتحاد الدول التركية في المنطقة غير طاجيكستان الذي لديه العلاقات المتطورة مع حلفاء غير روسيا. 
في هذا الجو يمكن اعتبار كل تصريح او عمل صغير استمرار محاولات دول المنطقة التخلص من العهد القديم وميراث الاتحاد السوفيتي الاخير متمثلة بالنفوذ والتأثير الروسي الكبير في دولهم، ويستقبلون شكل غير لائق بوتين في المطارات ، يتأخرون في الاجتماعات معه، لم يحضرون عيد ميلاده كسابق، يحاولون تجنب اللقاء معه وأهم من ذلك يرفضون السياسات الروسية في المنطقة اعلاميا مثل حديث رئيس طاجيكي في كازاخستان حين قام بالقاء اللوم علي روسيا بعدم اهتمام بمشاكل وعراقيل في تعامله مع المنطقة و عدم توجه في العلاقات بين طرفين. 

نهج براغماتية 

في العام ٢٠٠٨ دول المنطقة ايضا رفضت التدخل الروسي في جورجيا و اثناء اجتماع المنظمة شانجهاي للتعاون في دوشنبيه حاول مدويديف أن ذاك اقناع الحلفاء بدعم التوجه الروسي و لكن فشلت في ذلك. و رفضت هذه الدول ايضا ضم قريم الي روسيا في العام ٢٠١٤ ايضا.

فقط في العام ٢٠١٤ لم تكن القوبات الغربية ضد روسيا بهذا الحجم الكبير والخطير و لم يتطلب من دول المنطقة تحديد بوصلة التعاون مع المجتمع الدولي او روسيا، اما الان رعاية العقوبات الدولية ضد روسيا ليست دعم السياسات الغربية والتلاعب بالمصالح الروسية، بل محاولة وسعي لابتعاد الاقتصاد هذه الدول من العزلة والعقوبات وعدم السماح لانهيار الوضع الاكثر في الداخل.

العلاقات المتوازنة مع جميع القوي الدولية في السياسة الخارجية يساعد دول المنطقة علي نمو اقتصادي مطلوب ، في الوقت الذي روسيا ليست مستعدة في دعم تأثير العقوبات الغربية علي المنطقة من منظور اقتصادي من الطبيعي ان تبحث هذه الدول عن المصالحهم الاقتصادية خالصة بالدرجة الاولى قبل كل شيء.

روسيا تعرف هذا الامر جيدا لذا لا تسعي الى تقديم الطلب الذي لم يستطيع زعماء المنطقة فعل اي شيء ومع اي الحدث يخفف متحدث بوتين اي تأثير للعلاقات بالقول أن كل شيء طيب وليس هناك اي توتر في العلاقات.

مع مرور الوقت روسيا تذكر دول المنطقة انهم محتاجين لوجودها مثل وجود ملاين من المهاجرين والايدي العاملة، وخط انابيب النفط التي يصدر ٨٠ بالمئة من صادرات كازاخستان من النفط عن طريقها ولكن الحديث الان لم يدور حول طلبات منهم. 
وليس لمصلحة روسيا ابعاد شركاءها وحيدين في المنطقة من حولها.
الحرب في اوكرانيا سارعت الاهتمام الروسي لمنطقة اسيا الوسطي بسبب الحاجة الروسية الاكثر من اي الوقت مضي للتعاون مع حلفاءها المنسيين، إذ تذكروا أنهم الجيران.

منذ سنوات عدة السياسات الخارجية الروسية كانت بعيدة عن المنطقة وكانوا يعتقدون أن منطقة اسيا الوسطي محتاجة الي روسيا لدرجة أنهم لا يجدون اي حليف او شريك استراتجي جديد ولكن مع مرور الوقت تبين أن تلك الحسابات قضت على المصالح الروسية الاكثر بكثير من المحاولات الغربية من تقليل نفوذ الروسي في المنطقة، اما الان مع العزلة الدولية و تقليل الخيارات الروسية يعطي روسيا اهتماما كبيرا للتعاون مع المنطقة عكس ما كان يتبع سياسة عدم الاهتمام ورغبة للتعاون الناجح مع المنطقة.

نتيجة ذلك ارتفع حجم التبادل التجاري مع المنطقة علي اساس السنوي بشكل مذهل، مع كازاخستان ١٠، اوزبكستان ٤٠، طاجيكستان ٢٢، قيرغستان ٤٠، ترمكنستان ٤٥ بالمئة.

كما أن عدد العاملين في روسيا من المنطقة ارتفعت ووصلت الى رقم قياسي نتيجة الحاجة الروسية لتعويض سوق العمل بعد ان سحبت اكثر من مليون شخص الى تعبئة وأعمال اخري مرتبطة بالحرب مع اوكرانيا، هذه ارقام تدل علي زيادة التجارة والتوجه الروسي للمنطقة وعدم وجود خيارات اخرى لروسيا في رفع صادراتها واستيراد ما تحتاجه من السلع عن طريق هذه الدول.

في عام ٢٠٢٢ سافر بوتين الى جميع دول المنطقة بزيارة رسمية والتقى معهم اكثر من مرة في اكثر من مناسبة محاولة منه لابقاء هؤلاء حوله ووجد الفرصة للحديث معهم، عكس سابق لم يكن جدول اعماله خالي للحديث او اللقاء مع زعماء المنطقة. 
مجموع ما جري من اللقاءات والاتصالات الهاتفية وغيرها من المؤتمرات بين بوتين وزعماء المنطقة تفوق علي ٥٠ عام من لقاءات واتصالات الزعماء المنطقة مع القيادة في الروسية؟!

غير الزيارات التي أجراها بوتين لكافة دول المنطقة الا أن ميشوستين رئس الوزراء روسيا وتكالي بتروشيف مستشار الامن القومي ورئيس الغازبروم ملير ايضا قام بزيارة المنطقة وغيرهم من المسؤلين الكبار ورؤساء المقاطعات الروسية الي المنطقة مما يدل على الحاجة والتوجه الجديد في العلاقات بين طرفين.
هذا التوجه ليس فقط لحفظ المصالح الروسية في المنطقة بل لاثبات أن سياسة العزلة الروسية فشلت ايضا ويمكن استخدام امكانات هذه الدول في الحرب الروسية الاوكرانية ومنها اصوات دول المنطقة في المحافل الدولية ايضا لصالح روسيا. 
مثل ارسال الطائرات بدون طيار الايرانية التي تم انتاجه في طاجيكستان ومن ثم ارسالها الي روسيا وغيرهم من نماذج العمل للصالح الروسي في هذه الفترة، كما ان البضائع والسلع التي ضمن العقوبات تحصل عليها روسيا من خلال هذه الدول والشركات في المنطقة. حتي الاتحاد الاوروبي طلب من كازاخستان الرقابة على الصدير الى روسيا لعدم الوصول تكنولوجي التي تحتاجه روسيا في حربها ضد اوكرانيا مثل الالكترونيات والذكاء الاصطناعي ، تشيب وغيرهم من الموارد يمكن ان تستخدم روسيا منها.

حتي الشركة فاغنير تسعي الي جذب المسجونين في تركمنستان الي جبهات القتال بعد تجريب هذه في السجون الروسية، في المقابل روسيا تجيب اي من الطلبات التي تقدمها هذه الدول الروسيا.
في سابق روسيا لم تتدخل في الصراع داخل في المنطقة واعتبرتها شأن داخلي اما اليوم تغير كل شيء في هذا الخصوص، مثل اعلان حزب النهضة الاسلامي في طاجيكستان منظمة ارهابية وهو الطلب الذي قدمته طاجيكستامن منذ عشر السنوات ولم تتقبله روسيا الي الان ، و اعتقال و تسليم الاشخاص المعارضة في روسيا و ارسالهم الي البلدان التي أتوا منها حتي ممن لدي الجنسية الروسية.
كما تطعي روسيا تسهيلات للمهاجيرين من اوزبكستان وتفتح اللجنة الخاصة بشؤون المهاجرين في طاجيكستان برغم ان هتين دولتين ليستا ضمن الدول اتحاد الاقتصادي الا انهم يريدون تنازلات الروسية في هذا الخصوص وتخفيف القوانين الروسية لصالح المواطنين لتلك الدول . كما ان هذه الدول تستخدم الاساليب الروسية في تعامل مع المعارضة و النشطاء بشكل الكبير.

كل المؤشرات تدل علي توجه متزايد لروسيا في منطقة اسيا الوسطي للحفظ تأثيرها والنفوذ المتبقي هناك علي اقل في هذه الفطرة في عدة المستويات ، اما دخول هذه الدول في المشاريع روسية اقليمية في المنطقة مثل اتحاد اقتصادي يس امرا سهلا بنسبة لروسيا.
يمكن دخول اوزبكستان باعطاء دعم و زيادة الاستثمارات والمنح الحكومية الروسية في عدة المجالات ، اما الامر يختلف تماما عن طاجيكستان ، هذا البلد الصغير و لديه الموقع الاستراتجي يريد ثمنا باهضا للدخول الي اتحاد وليس لدي قيادة طاجيكستان اي العجلة مثل الاخرين الا بعد اخذ كل ما تريده من روسيا و هذا يعرقل المحاولات الروسية أن تشمل المنظمة كل الدول المنطقة.
اما عمل ننظمة الامن الجماعي اثبت عدم قدرته للتعامل مع تحديات المحتملة اثناء الازمة اوكرانيا ، فشل الجيش الروسي في جبهة اوكرانيا اورد صدمة كبري لدي شركاء روسيا العسكريين للبحث عن المظلة الامنية و العسكرية القوية و بعيدة عن روسيا ، اذ بدأت الدول المنطقة بتوجه نحو تركيا للمشاركة للتجهيز الجيوش البلادهم اما طاجيكستان استطاعت حل المشاكله مع ايران و فتح صفحة الجديدة في العلاقات المتطورة مع هذا البلد في المجال الامن و العسكري والتقني و رفع العراقيل امام الشركات الايرانية.

أحد أهم عناصر في العلاقات الروسية مع المنطقة هي الثقة بين النخب الحاكمة في كلا جانبين، هؤلاء تربوا في العهد السوفيتي ويتحدثون الروسية وبعض الشيء قريبين من طريقة الفكر الروسي ولديهم  العلاقات الممتدة لسنوات، اما ابناء يتم ارسالهم لروسيا ليتعرفوا علي روسيا بشكل جيد و يدرسون في الجامعات الروسية ايضا ، في الوقت الحالي هذه انظمة لا يخاطرون بمواجهة مع روسيا.
أما ليس الوضع في المجتمع بهذه السهولة، كثير من النخب يريد من قادة المنطقة التقليل من تعليم الروسية في المدارس وعدم تبعية السياسات الروسية في الساحة الدولية والتعامل بالمثل مع روسيا في اي حدث وإحياء الهوية الوطنية بدل تمجيد الابطال الروسية والفتح العلاقات مع الجميع بمستوي العلاقات مع روسيا.

تتغير هذه النخب الحاكمة في المنطقة مع تغير زمن و الاكثر فئة المجتمع اسيا الوسطي تحت ٣٠ سنة و هم لا يفكرون مثل قادة المنطقة و يطلبون مزيد من الحكوماتهم و لا يمكن تهرب امام هذه المجتمع الشاب وذات طموح كبير . شيء الذي حدث عام المقبل في كازاخستان من المظاهرات و اسقاط الحكومة و انهيار دولة اذا لم يتدخل روسيا ودول المنطقة، يدق جرس الانظار لكافة النخب الحاكمة ان نتيجة هروب الا امام هي احظاث يناير في كازاخستان ومن ذلك الوقت يحاول القدة و الحكومات في المنطقة السماع ولو بشكل الرمزي الي التطلعات المجتمعاتهم والعمل علي تسهيل ودعم للطبقة المتوسطة و الفقيرة والمحتاجة الي دعم الحكومي ويتعاملون مع المشاكل الاجتماعية و صعوبات الاقتصادية بالمسؤلية خشية خروج الوضع من السيطرة.
ابتعاد دول منطقة اسيا الوسطي من روسيا و لو شكل جزء ليس في مصلحة الروسية ابدا، لم تكن دول المنطقة في اي الوقت الاخر مستقلة مثل هذا التوقيت، والمجتمع هذه الدول لديهم طلبات وأفكار للقيادة و النخب الحاكمة في السياسة الخارجية. 
يجب علي موسكو الاعتراف والاستقلال والسيادة لهذه الدول بدل طلب من دول اتحاد السوفيتي السابق رعاية ميراث كرملين تاريخي لروسيا في هذه دول ودورها في تقرير مصيره.