مصر والصومال.. علاقات تاريخية تتكلل بمزيد من التعاون مع بداية العام الجديد
تعد العلاقات المصرية الصومالية من العلاقات التاريخية الكبيرة والتي بدأت منذ عهد الفراعنة، وتحديدًا عندما قامت الملكة حتشبسوت، خامس فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، بإرسال البعثات التجارية إلى "بلاد بونت"، الصومال حاليًا، لجلب منتجات تلك المنطقة، خاصة البخور، ومنذ ذلك الحين لم تنقطع العلاقات بي البلدين بل عمدت القيادة السياسية بهما لتعزيزها وتقويتها.
وفي العصر الحديث، كانت مصر أول الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، ولا يزال يُذكر بكل تقدير اسم الشهيد المصري "كمال الدين صلاح"، مندوب الأمم المتحدة لدي الصومال الذي دفع حياته عام 1957 ثمنًا لجهوده من أجل حصول الصومال على استقلاله والحفاظ على وحدته.
وتتميز العلاقات المصرية الصومالية بتعدد الروافد في إطار من المصالح المشتركة والأمن المتبادل، لتشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعيةـ خاصة التعليمية والصحية والثقافية، والمجال العسكري أيضًا.
وهناك مواقف تاريخية مشرفة سياسية وعسكرية متبادلة لكلا البلدين تجاه الآخر في الأزمات الإقليمية والدولية. وقد شهدت العلاقات بين البلدين ازدهارًا وتناميًا منذ حقبة الستينيات وحتى انهيار نظام سياد برى، غير أن هذا ما لبث أن تراجع مع بدايات الحرب الأهلية والصراعات العشائرية في الصومال، وتبذل مصر جهودًا كبيرة من أجل تعزيز الاستقرار في الصومال والحفاظ على وحدته.
لمحات تاريخية
وقفت مصر الي جانب الصومال في نضاله ضد الاستعمار البريطاني والإيطالي، وبعد حصوله على الاستقلال عام 1960، واصلت مصر دعم الصومال في جميع مجالات الحياة كي يعزّز موقعه الطبيعي كجزء أصيل من الوطن العربي، ومنذ اندلاع الأزمة الصومالية عام 1991، سعت مصر إلى إيجاد الحلول وإنهاء الاقتتال بين الأخوة الصوماليين.
كما تُعد مصر عضوًا فاعلاً في مجموعة الاقتصاد الدولية المعنية بالمشكلة الصومالية، وتحرص على المشاركة في كافة الاجتماعات التي تعقدها المجموعة، وقد كثفت مصر تحركاتها الدولية خلال السنوات الأخيرة لحشد الدعم للقضية الصومالية وحث القوى الدولية للمساهمة في إعادة بناء المؤسسات الوطنية الصومالية نظرًا للأهمية القصوى للصومال في تعزيز الأمن القومي المصري.
كذلك تشترك مصر في عضوية مجموعة الاتصال الدولية المعنية بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية حيث تولت رئاسة مجموعة العمل الرابعة المنبثقة عن مجموعة الاتصال وهي مجموعة تختص بدعم الجهود الدبلوماسية ونشر الوعي بشأن ظاهرة القرصنة.
تعزيز التعاون
شهد اليوم الأثنين، اجتماعات تفاعلية بين مسئولين بجمهورية مصر العربية وجمهورية الصومال، حيث ترأس الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، ونظيره الصومالي حمزة عبدي بري، اليوم بمقر مجلس الوزراء، جلسة مباحثات موسعة؛ لبحث سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين في المجالات المختلفة.
وشارك في المباحثات من الجانب المصري، الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، والدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، والسفير محمد البدري، مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية.
فيما حضر المباحثات من جمهورية الصومال الفيدرالية، السيد/ أبشر عمر جامع، وزير الشئون الخارجية والتعاون الدولي، والسيد/ فارح شيخ عبدالقادر، وزير التربية والثقافة والتعليم العالي، والسيد/ داؤود أويس جامع، وزير الإعلام والثقافة والسياحة، والسفير إلياس شيخ أبو بكر، سفير جمهورية الصومال الفيدرالية في مصر، وعدد من المسئولين الصوماليين.
وفي مستهل الجلسة، رحّب الدكتور مصطفى مدبولي بنظيره الصومالي والوفد المرافق له في بلدهم الثاني مصر، قائلا: شعرت بسعادة كبيرة عندما أخبرني دولة رئيس الوزراء الصومالي أنه تعلم اللغة العربية على أيدي مُعلمين مصريين، وهو ما يعكس أهمية الدور التاريخي الذي لعبته مصر لدعم أشقائنا في الصومال، مؤكدا في هذا السياق أن مصر سيكون لها تواجد أكبر في هذا المجال خلال المرحلة المقبلة.
وتطرق رئيس الوزراء المصري، إلى ما شهده العام الماضي من تواصل رفيع المستوى بين البلدين، بما في ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس "حسن شيخ محمود" إلى مصر في يوليو 2022، وكذا الاتصال الهاتفي الذي تم في سبتمبر 2022 بين رئيسي البلدين، فضلا عن اللقاء الذي تم بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والرئيس "حسن شيخ محمود"، رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية، على هامش القمة العربية بالجزائر. كما أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الصومالي، في شهر يونيو الماضي، مؤكدا أهمية البناء على هذا الزخم الإيجابي في العلاقات.
كما أشار "مدبولي" إلى أن مصر تتابع عن كثب التطورات السياسية والتنموية في الصومال، مُعربا عن تضامن الدولة المصرية مع التحديات التي تواجه جمهورية الصومال، لاسيما تلك المتعلقة بالأوضاع المعيشية في ظل أزمة الجفاف الحادة القائمة، وكذا جهود مكافحة الإرهاب.
المساعدات المصرية للصومال
وتطرق في هذا السياق، إلى المساعدات المصرية التي تم إرسالها للصومال مؤخراً وتضمنت مساعدات طبية وغذائية.
وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي المشترك، أشار رئيس الوزراء المصري، إلى أن الصومال لديه فرص واعدة على صعيد التجارة والاستثمار، وبشكل خاص في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني والسمكي، وهو ما يفتح فرصاً للتعاون بين البلدين في هذه المجالات.
وأوضح "مدبولي" أن قطاع المقاولات المصري لديه خبرات كبيرة في مجال إعادة الإعمار ومشروعات البنية التحتية، مستفيدا بتواجده القوي ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في عدد كبير من البلدان الأفريقية، مؤكدا حرص الدولة المصرية على التواجد بقوة في هذا القطاع بالصومال خلال المرحلة المقبلة.
كما تطرق رئيس الوزراء المصري، إلى سبل تعزيز التعاون الدبلوماسي المشترك بين البلدين. وكذلك مُتابعة مصر عن كثب للتطورات ذات الصلة بتفعيل دور بعثة الاتحاد الافريقي في الصومال في صيغتها الجديدة ATMIS.
تحية خاصة من الرئيس الصومالي
وخلال الجلسة، توجه رئيس وزراء جمهورية الصومال الفيدرالية بالشكر للدولة المصرية على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التي لاقاها الوفد الصومالي في مصر، لافتا إلى أن هذه الزيارة تأتي تلبية لدعوة الدكتور مصطفى مدبولي، في إطار الرغبة المشتركة في توطيد العلاقات بين البلدين ودفعها إلى مستويات أعلى، لاسيما أنها علاقة ضاربة في التاريخ، مشيرا إلى أن الصومال طالما كانت مهمة للأمن القومي المصري والعربي، كما أن مصر دائما ما كانت متواجدة بقوة في الصومال.
ونقل "بري" تحيات الرئيس الصومالي للرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، وشكره على الدور الكبير الذى يقوم به الرئيس السيسي في دعم الشعب الصومالي. كما هنأ الدولة المصرية على نجاحها في تنظيم قمة المناخ COP27، مُثمناً تأسيس صندوق للخسائر والأضرار كنتيجة للقمة.
كما أعرب عن تطلع الصومال للاستفادة من هذا الصندوق في مسألة التمويل المناخي، وكذا الاستفادة من الخبرات المصرية في مجال التعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية.
وفي مجال التعاون الاقتصادي، أشار رئيس الوزراء الصومالي إلى أن الصومال لديها ثروة حيوانية تقدر بـ 40 مليون رأس ماشية، بالإضافة إلى 8.5 مليون هكتار أراض زراعية، معربا عن تطلع الصومال للاستفادة من الخبرات المصرية في مجالات الاستثمار الزراعي والحيواني والسمكي، وكذا الاستفادة من الخبرات المصرية في استخدام التكنولوجيا في مجال تقديم الخدمات، ومجال الرعاية الصحية، ومراكز الأمومة والطفولة، والبنية التحتية والطاقة المتجددة.
فيما أشار السيد القصير، وزير الزراعة المصري، إلى اهتمام الجانب المصري بالتعاون في مجالات الثروة الحيوانية والسمكية والزراعية، حيث تم اعتماد 4 محاجر بيطرية لتسهيل استيراد الماشية، منوها كذلك إلى الدور الذي تلعبه وزارة الزراعة في مجال بناء القدرات الصومالية من خلال عقد العديد من الدورات التدريبية وورش العمل في المراكز التابعة للوزارة، كما تطرق إلى إمكانية التعاون المشترك في مجال اللقاحات البيطرية والسمكية.
بينما تطرق الدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، إلى أن الوزارة تقدم جميع أوجه الدعم للطلبة الصوماليين، حيث تقدم مصر 450 منحة دراسية لهم، وأن المرحلة المقبلة ستشهد بحث مزيد من التسهيلات للطلبة الصوماليين.
وأشارت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي المصرية، إلى إمكانية التعاون مع الجانب الصومالي في مجال التمويل المناخي من خلال الشركاء الدوليين، حيث يمكن العمل على صياغة خطة عمل من خلال مؤسسات التمويل الدولية والاستفادة من عضوية مصر في هذه المؤسسات.