أدهم إبراهيم يكتب: الاحتلال الأمريكي الإيراني المزدوج للعراق
تسبب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في تدمير الدولة ، والبنية التحتية من ماء وكهرباء ومؤسسات صحية وتعليمية وطرق وخدمات.
كما تسبب في التشويش الفكري لعدد من المواطنين ، احتاج الى سنوات عديدة لعودة الوعي لدى اكثرهم . كما تسبب في اضطرابات إقليمية شملت أغلب الدول العربية لم تنته لحد الان.
ونتيجة للمقاومة الباسلة تجاه المحتل الامريكي وللكلفة الباهضة لبقاءه في العراق . تقرر الانسحاب الجزئي منه. وتقاسم نفوذه مع حكم الملالي في إيران ، العدو اللدود للعراق وشعبه.
فتسبب ذلك في اقامة شبكة من الميليشيات التابعة للحرس الثوري ، خصوصا بعد تسهيل دخول تنظيم الدولة الارهابي لبعض المدن المهمة في العراق ، مما سمح لها بالهيمنة على مؤسسات الدولة تحت غطاء محاربة الارهاب ، وهي تتشاطر مع امريكا بهذه الذريعة ايضا".
ان انتشار الميليشيات الموالية للنظام الايراني ، والعصابات المنظمة المدعومة من الاحزاب السياسية والدولة العميقة ، جعلها كالاخطبوط ، بعد سيطرتها على المؤسسات الامنية ، واستحواذها على اقتصاد الدولة ، حتى اصبح العراق من اوائل الدول الفاشلة .
كل ذلك امام انظار مبعوثة الامم المتحدة والسفارة الامريكية ، دون ان يحركا ساكنا.
وقد طورت إيران مع الولايات المتحدة ، استراتيجية تخادم مشترك في العراق للسيطرة على موارده واخضاع شعبه لسياسات ممنهجة طويلة الأمد.
حتى بات معروفا للقاصي والداني عدم تعيين اي رئيس وزراء عراقي دون توافق امريكي ايراني عليه.
ان هذا التدخل المريب وغير السوي في ادارة العملية السياسية في العراق ، قد تسبب في تكريس المحاصصة ، وما تبعها من فساد وفوضى امنية عرضت العراق وشعبه الى مخاطر عديدة.
كما انتشرت الامية والبطالة والمخدرات ، ووصل الفقر الى معدلات قياسية في بلد يعد من اغنى دول العالم بموارده الطبيعية.
ورغم الاختلافات الامريكية الايرانية التي تتصاعد باستمرار ، وخصوصا فيما يتعلق بالاتفاق النووي . او تقاطعهما في بعض الاحيان ، فان ذلك لم يؤثر على تعاونهما المستمر لبسط نفوذهما في العراق.
لايمكن للولايات المتحدة الأمريكية التخلي عن العراق ، حيث يعد من المصادر المهمة لامدادات الطاقة الى امريكا والعالم الغربي.
كما انه يتمتع بموقع استراتيجي لاغنى عنه ، وبقاء القواعد الامريكية فيه يمثل مجالا حيويا لها في المنطقة.
اضافة الى ان العراق قد اصبح ساحة مهمة للمنافسة بين الصين وأمريكا.
اما بالنسبة لايران فلديها اطماع قديمة ، تتجدد كلما سنحت الفرصة لها لاحتلال العراق ، او على الاقل الهيمنة عليه .
اضافة لاهميته الجيوسياسية لكونه امتدادا بريا للوصول الى سوريا ولبنان ولعب دورا اقليميا مهما لها في اية تسويات سياسية في المنطقة.
كما يوفر العراق مزايا اقتصادية عديدة ، حيث يعتبر سوقا كبيرا للمنتجات الايرانية ، اضافة الى تهريب العملة . وهذا الجانب له ابعادا سياسية وعسكرية ايضا ، حيث عن طريق العراق استطاعت ايران التهرب من كثير من العقوبات عليها ، والتحكم باقتصاده لتمويل الميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان.
وقد ادارت ايران عن طريق الحرس الثوري شبكة من الميليشيات ، تستطيع بواسطتها فرض اجندتها السياسية في العراق ، وتحقيق مشروعها في تصدير الثورة والتمدد في المنطقة وتهديد دولها.
إن تبادل المصالح الامريكية الايرانية في العراق يمثل احتلالا مزدوجا . وهو استعمار اقتصادي شبه عسكري تحت غطاء محاربة الارهاب من جهة ، اوحماية المقدسات من جهة اخرى.
والشعب العراقي بكل اطيافه يدفع ثمن هذا الاحتلال المزدوج ، ولايمكن الفكاك منه الا بتغيير موازين القوى في المنطقة ، او بانتفاضة عارمة جديدة ضد الاحزاب الحاكمة التي تسهل باستمرار التدخلات الاجنبية لضمان بقائها في السلطة ، والسطو على موارد وقوت الشعب المغلوب على امره.
وعندئذ فقط يمكن وقف التدخلات الاجنبية بشؤونه الداخلية ، وتحقيق الاستقلال الناجز للعراق كدولة مسقلة ذات سيادة تليق بشعبه العريق.
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع