فاحت بعطر الحرية.. كيف كانت أولى لحظات الثورة في تونس؟
يصادف اليوم 14 يناير ذكرى الثورة التونسية أو كما يسميها البعض بـ "ثورة الياسمين"، فهي أول ثورات الربيع العربي المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية
إذ تجمع في ذلك اليوم من عام 2011، حشد كبير من التونسيين أمام وزارة الداخلية التونسية وهم يرددون كلمة "ارحل" وبنهاية اليوم اضطر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى مغادرة تونس متوجها إلى السعودية.
اندلاع الثورة التونسية
اندلعت الثورة التونسية كأول ثورات الربيع العربي في 17 ديسمبر 2010 تضامنا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده احتجاجًا على وضعه المعيشي السيئ.
وفي 18ديسمبر 2010، انطلقت الاحتجاجات في سيدي بوزيد، حيث وقعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن التي عمدت إلى شن حملة اعتقالات.
واستمرت الاحتجاجات في ولاية سيدي بوزيد حتى 24 ديسمبر، حتى سقط قتيلين في مدينة منزل بوزيان التابعة للولاية برصاص الأمن، لتتفاقم موجة الغضب التي بدأت تخرج عن السيطرة شيئا فشيئا رغم موجة اعتقالات شملت ناشطين سياسيين وحقوقيين.
وظلت الاحتاجات ممتددة حتى 30 ديسمبر 2010، حين أدرك الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في ذلك الحين الوضع حيث قام بعزل محافظ ولاية سيدي بوزيد وولاة آخرين، لكن المواجهات عمت مختلف مدن الولاية.
وفي 5 يناير 2011، توفي الشاب محمد البوعزيزي متأثرا بحروقه البليغة، فهو يعد شرارة انطلاق هذه الثورة التي تعد مرحلة حاسمة في تاريخ الشعب التونسي.
وعلى الرغم من وفاة هذا الشاب، الأ أن الثورة استمرت وزادت حدة الاحتجاجات في مدينة تالة بولاية القصرين بين قوات الأمن والمتظاهرين، علاوة على حرق مقرات رسمية وأخرى لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم، وسقوط ضحايا برصاص قوات الأمن خاصة برصاص قناصة ليرتفع عدد القتلى إلى 50 على الأقل خلال أيام معدودة.
ولم تتوقف الثورة عند تلك الولاية بل امتداد المواجهات إلى ولايات تونسية أخرى منها القيروان، حتى وصلت الاحتجاجات إلى عاصمة التونسية في 11 يناير 2011.
وفي 12 يناير، أعلن رئيس الحكومة التونسي محمد الغنوشي، أقالة وزير الداخلية التونسي رفيق بالحاج قاسم، في محاولة لاستعادة السيطرة على الوضع بعد ارتفاع أعداد القتلى والجرحى واحتدام الغضب في الشارع، وإطلاق سراح كل الأشخاص الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات ما عدا المتورطين في أعمال عنف.
وانتشر الجيش في العاصمة وفي بعض الأحياء الشعبية المحيطة بها مثل حي التضامن، وسقوط ما لا يقل عن ثمانية قتلى وفرض حظر التجول ليلا، في محاولة أخرى من السلطة لاستعادة السيطرة على الشارع، وحدوث أعمال حرق ونهب في العاصمة وضواحيها، واعتقال الناطق باسم حزب العمال الشيوعي المحظور حمة الهمامي.
إعلان حالة الطواريء ومغادرة "بن علي"
وبرغم ذلك ظلت المظاهرات والمواجهات في العاصمة، حتى اضطر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى مغادرة تونس متوجها إلى السعودية، وإعلان حالة الطوارئ ليعود الجيش مجددا وبقوة إلى الشوارع التي باتت تشهد حالة فلتان أمني.
وأعلن رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي نفسه رئيسا مؤقتا بموجب الفصل 56 من الدستور، وهو ما أثار غضب المعارضة التي اتهمته بمحاولة الإلتفاف على ما حققته الثورة بالإطاحة "ببن علي".
وأعلن المجلس الدستوري بتونس رسميا في 15 يناير 2011 شغور منصب الرئيس التونسي، مما سمح بنقل صلاحيات الرئاسة المؤقتة إلى رئيس مجلس النواب التونسي فؤاد المبزّع الذي كلف الغنوشي باقتراح حكومة جديدة، يفترض أن يعلن عنها في اليوم التالي بعد مشاورات مع الأحزاب السياسية القائمة ومنظمات من المجتمع المدني.
وفي أكتوبر 2011 جرت انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" (البرلمان المؤقت) المكلف بكتابة دستور جديد، وفازت حركة النهضة فيها، وانتخب المجلس الوطني التأسيسي المنصف المرزوقي "رئيسا مؤقتا" للبلاد.
وعلى الرغم من نجاح الثورة في إسقاط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي؛ وإقامة نظام تعددي ديمقراطي لم يفلح حتى الآن في تحسين مستوى المعيشة ومحاربة البطالة.
اضطرابات سياسية
ورغم أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تونس لم تستقر كثيراً حتى الآن، إلا أن تجربتها في التحول الديمقراطي تعتبر الأنجح والأفضل نسبيًا من بين تجارب "ربيع الثورات العربية".
حيث شهدت البلاد أكثر من انتخابات برلمانية ورئاسية جرت في أجواء هادئة دون إقصاء أي طرف، وسط إشادات دولية بنزاهتها وسلامتها.
في اليوم تحل الذكرى الثانية عشرة لثورة الياسمين بتونس، اليوم السبت في 14 يناير الجاري، وسط اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة تشهدها تونس.
في عام 2022 كان عامًا لم تهدأ فيه الساحة السياسية التونسية، إذ شهدت محطات مفصلية في مسار الرئيس التونسي قيس سعيد الذي بدأه منذ 25 يوليو 2021 بإقرار إجراءات استثنائية.
فمنذ مطلع العام السابق، بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مؤسسات نظامه الجديد عبر تصفية الهيئات القديمة التي نصبت بمقتضى دستور 2014 واستحداث أخرى جديدة.
و شهد العام 2022، تنظيم حوار وطني ووضع قانون انتخابي جديد ودستور جديد، وانتهى بتنظيم انتخابات تشريعية في 17 ديسبمبر.
اضطرابات اقتصادية
وإلى جانب الانقسامات السياسية العميقة، تواجه تونس أزمة اقتصادية حادّة تنعكس في نقص المنتجات الأساسية مثل الحليب والأرز وتراجع حاد في القوة الشرائية للأسر بسبب التضخم الأعلى من 10% منذ ديسمبر.
وذلك ما تسبب في كثرة الشكاوى من المحال التجارية الكبرى وصغار التجار من نقص الحليب والقهوة والسكر وزيت الطبخ، وحددت المتاجر الكبرى بعض المواد الأساسية ومنها العجين بعلبتين فقط.
المفاوضات مع صندوق النقد الدولي
ومن أبرز تلك المحطات، المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي انطلقت في يوليو الماضي، من أجل منح تونس قرضا بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.
وقد توجت المفاوضات باتفاق مبدئي، منتصف أكتوبر الماضي، وكان ملف البلاد على جدول أعمال الصندوق لشهر ديسمبر، إلا أنه وفي 14 من الشهر ذاته، قرر صندوق النقد الدولي إرجاء ملف تونس، إلى أجل غير مسمى.
تداعيات جائحة كورونا في تونس
وبلغ معدل النمو الاقتصادي في البلاد سنويًا ما بين 2010 إلى 2020 حوالى 0,6%، وبسبب الجائحة، حصل في العام 2020 انكماش بنسبة 8,8%، فضلًا عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14% من الناتج الداخلي الخام والذي تضرر بشكل كبير.
وارتفعت نسبة البطالة إلى حوالى 18% بسبب تداعيات الجائحة ما غذى الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد خلال الأشهر الماضية مع تواصل ارتفاع نسبة التضخم إلى نحو 10 % وتدهور القدرة الشرائية.
كما ارتفعت نسبة المديونية في تونس وتجاوزت 80%، وأصبحت تونس تقترض لسداد الديون ودفع أجور الموظفين، ويعلل خبراء الوصول إلى هذا المستوى من التراجع إلى عدم الاستقرار الحكومي.
فزادت الأزمة الاقتصادية من وتيرتها في ظل عدم الاستقرار السياسي منذ اندلاع الثورة، التي أطاحت بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وتداعيات جائحة كورونا.
في ذكرى الثورة التونسية.. متظاهرون يطالبون برحيل سعيد
ومع تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية بتونس عادت التظاهرات مرة أخرى، ففي ذكرى الثورة التونسية التي تحل اليوم عاد متظاهرون إلى الساحات يطالبون برحيل الرئيس التونسي قيس سعيد.
خرج آلاف المتظاهرين في مسيرة مناهضة للرئيس التونسي، قيس سعيد، وسط تونس العاصمة، اليوم السبت، مطالبين بتنحيه في ذكرى الثورة التونسية.
واكتظ شارع الحبيب بورقيبة، وسط المدينة، وهو الموقع التقليدي للمظاهرات الكبرى، بآلاف المحتجين الذين يلوحون بالأعلام التونسية، بحسب صحفي من "رويترز" هناك، وسط هتافات "الشعب يطالب بإسقاط النظام"
واستمر التواجد المكثف للشرطة أمام مبنى وزارة الداخلية في الشارع إلى جانب مدافع المياه.
وتجاوز المتظاهرون صفوف رجال الشرطة والحواجز المعدنية للوصول إلى الشارع، متحدين الجهود الأولية التي بذلتها السلطات لفصل عدة احتجاجات متوازية دعت إليها أحزاب سياسية مختلفة ومنظمات المجتمع المدني.
وفي وقت سابق، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد إنّ "الدولة التونسية في حالة حرب ضد الفساد والخونة والعملاء، وسباقٍ مع الزمن لتصحيح مسار التاريخ"، مؤكداً أنّ "من يتهم الدولة بالبوليسية هو من يريد تدميرها".
مبادرات للحل
قال نقابيون في الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى المنظمات النقابية في تونس، إن المنظمة بصدد التشاور لإطلاق "مبادرة لإنقاذ" تونس من الفوضى، في ظل أزمة خانقة تشهدها البلاد.
وأفاد قياديون في المنظمة خلال مجلس جهوي بمدينة القيروان الأسبوع الماضي، بأن الاتحاد بدأ مشاورات مع هيئة المحامين و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" لبلورة هذه المبادرة.
وتذكر هذه الخطوة بمبادرة "رباعي الحوار الوطني"، التي قادتها المنظمات نفسها مع اتحاد الأعراف، في ذروة الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد عام 2013
حيث نجحت المنظمات الأربع آنذاك في تجنيب البلاد الانزلاق إلى الفوضى بعد عامين فقط من أحداث الثورة، التي أطاحت حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، وذلك عبر اقتراح حكومة انتقالية غير متحزبة مهدت لانتخابات 2014، وقد فاز الرباعي في العام التالي بجائزة نوبل للسلام.