د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: الحل العربي للأزمة السورية بقيادة سعودية مصرية
تعيش سوريا جارة تركيا الجنوبية حربا أهلية طاحنة منذ أكثر من عشر سنوات، أدت إلى تقسيم هذا البلد العربي الرئيسي إلى مناطق نفوذ مختلفة، وجعلت منه ساحة صراعات لقوى إقليمية ودولية، لكن هناك ردود فعل من جميع الاتجاهات بعد الاجتماع المفاجئ والخارج عن سياق السياسة التركية تجاه سوريا في الاجتماع الثلاثي في 28 ديسمبر 2022 ضم وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، رغم أنه لم يضم إيران، لكن باركت هذا التطبيع المرتقب بين تركيا وسوريا لأنه فرصة لتعويم نظام بشار الأسد الذي يقيم تحالفا معها، وفي نفس الوقت تأمل طهران التطبيع مع السعودية، ولم يكن هذا الاجتماع مفاجئا، بل هو نتيجة اجتماعات عقدت خلال العامين الماضيين وبشكل خاص في 2021، ولم يكن بمنأى عن الموقف السعودي.
لكن الدول العربية وعلى رأسها السعودية لم تقلل من دلالات هذه الانعطافة البارزة في العلاقات التركية السورية وما تعنيه لمستقبل سوريا، رغم التعقيد الذي أحاط بالموقف التركي من الثورة، ومن الحرب الأهلية السورية، تعد تركيا طرفا أساسيا في الصراع في سوريا بسبب أن شمال سوريا يقع تحت السيطرة التركية، وفي نفس الوقت تحتضن تركيا ملايين اللاجئين السوريين، ويتخذ الائتلاف السوري تركيا مقرا له، رغم تأكيد وزير الدفاع التركي في الاجتماع على المضي قدما نحو حل الأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2245 الصادر في ديسمبر 2015 الذي وضع خارطة طريق لاتفاق أطراف النزاع السوري الداخلي على إقامة حكم ذي مصداقية غير طائفي أو فئوي وعلى دستور جديد من أجل عدم إثارة الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر، خصوصا في ظل مصالح متغيرة وشروط متبادلة.
فقد عكست سياسات أنقرة تجاه بعض دول الإقليم هذه الطبيعة المتغيرة، مثل العلاقات التركية مع إسرائيل وانتقالها من العداء إلى تأسيس علاقات كاملة بينهما، تماشيا مع التحولات الإقليمية والدولية الذي يأتي ضمن سياق تعديل انقرة لمسارها الإقليمي، والاستفادة من الحرب الأوكرانية والظروف التي تواجه روسيا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب سواء على مستوى الطاقة والجوانب الاقتصادية الأخرى وأيضا على المستوى السياسي.
تحقق روسيا أيضا مكاسب في تعزيز حضورها في سوريا الذي لن يتم إلا عبر دعم نظام الأسد وتعويمه، ووقف التقدم العسكري التركي في شمال سوريا خدمة لأمريكا التي ترفض هذا التقدم العسكري التركي بعدما كانت تطالب أنقرة موسكو وواشنطن بتنفيذ اتفاقات عسكرية وقعت في شكل ثنائي في نهاية 2019 وتضمنت انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية العماد الأساسي في قسد من منطقة عازلة شمال سوريا بعمق 30 كلم من حدود تركيا ومن منطقتي منبج وتل رفعت، إضافة إلى سحب السلاح الثقيل نت هذا الشريط، بعدما كانت تبحث أمريكا عن حلول وسط وقد تكون هذه أحد الحلول الوسط، ولكنها جاءت في فترة توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن في الأزمة الأوكرانية، وفي نفس الوقت مواجهة النفوذ الأمريكي في شرق الفرات الداعم للقوات الكردية التي تسيطر على حقول النفط.
بل أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عقب الاجتماع الثلاثي الذي عقد مع وزيري الدفاع السوري والروسي أكد أن تركيا تؤيد وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وهدفنا الوحيد محاربة الإرهاب، ولاحظنا ثلث سوريا تسيطر عليه الجماعات الإرهابية، وأن الجيش التركي موجود في سوريا لمحاربة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وداعش وإرهابيين آخرين ولمنع الهجرة الجماعية
خصوصا وان تركيا حريصة على الإبقاء على عودة العلاقات بينها وبين السعودية، بل وترى تركيا أن التطبيع مع سوريا يساهم في تعزيز الصادرات التركية البرية إلى دول الخليج عبر سوريا فضلا عن التجارة بين البلدين، إلى جانب استخدام أردوغان هذه الورقة لتعزيز حظوظه في الانتخابات المقبلة في يونيو.
لذلك يسعى أردوغان حل مشكلة اللاجئين وعودتهم إلى بلادهم مقابل نقل السيطرة بمناطق وجودها في سوريا، لكن كان موقف الولايات المتحدة على لسان نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قائلا نحن لا ندعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد الديكتاتوري الوحشي، ولم تقدم أمريكا للأزمة السورية سوى خطوطا حمراء غير مفعلة، كذلك المعارضة السورية عبرت عن خشيتها من أي تقارب تركي سوري يكون على حسابها، ما عدا الائتلاف الوطني السوري وهو تحالف لقوى المعارضة عقد لقاءا مع وزير الخراجية التركي مولود جاويش بغية معرفة نية تركيا التقارب المحتمل مع دمشق، لكن وزير الخارجية أكد للائتلاف استمرار بلاده لدعم مؤسسات المعارضة السوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
موقف الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر تشترط وضع شروط ومحطات لاستكمال رحلة التطبيع إلى وجهته النهائية بعد تحديد معالمها، فيما أكد وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد على دعم بلاده لاستقرار سوريا وسيادتها على كل أراضيها مع الالتزام وحرص دولة الإمارات على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية يعيد أمن واستقرار ووحدة سوريا.
كذلك يقود الأردن الذي وقع هدنة الجنوب السوري ووقف التصعيد الأمريكي الروسي في منتصف 2018 يقود حاليا مع دول عربية للتوصل إلى موقف عربي مشترك يحدد المطالب العربية مقابل التطبيع دون أن يكون مجانيا، ولاحظ الأردن أن تهريب الكبتاغون والسلاح والذخيرة عبر الحدود السورية، زاد بعد التطبيع، وأن الوجود الإيراني لم يتراجع في الجنوب قرب الحدود الأردنية ،إضافة إلى اتساع نشاط داعش هناك، وترى الأردن وأيضا بقية الدول العربية الأخرى وجود مطالب عربية بالتنسيق للضغط على دمشق لتقديم خطوات سياسية وجيوسياسية في المرحلة المقبلة.
لذلك هناك دلالات لمجئ البيان السعودي المصري من أجل استعادة الصوت العربي الذي يرفض التطبيع مع الأسد، وجددت في البيان على أهمية تطبيق القرار الأممي 2254 الذي يمثل الاطار المتفق عليه إقليميا ودوليا، مع المحافظة على وحدة أراضيه، ورفض أي عمل عسكري على أراضيه يقصد البيان تركيا وإسرائيل، والسماح لعودة اللاجئين، ومحاربة الإرهاب.
بيان الرياض يأتي ضمن مناخ دولي ضبابي، ومشهد إقليمي ودولي ليس كما كان عليه، خصوصا في ظل صعود سعودي إقليمي ودولي، وإشارات جديدة في البيان السعودية لمرحلة جديدة للدور العربي القادم بقيادة السعودية في التعامل مع الأزمة السورية ولن يترك لروسيا وتركيا والنظام السوري الذي لا يمثل الشعب السوري، خصوصا وأن القمة العربية القادمة ستعقد في الرياض، وهناك ثبات في الموقفين السعودي والمصري تجاه الحل السياسي في سوريا الذي يأتي من دولتين محوريتين، والتأكيد على عودة الأمن والاستقرار في سوريا من خلال حوار سوري – سوري، واللجوء إلى الحكم الانتقالي مع إجراء انتخابات في أسرع وقت وفق ما يتفق عليه الشعب السوري على الأراض السورية.
يأتي هذا البيان الخامس المجدول الخامس وفق المذكرة الموقعة بين الجانبين في عام 2007 الذي يؤكد على ثبات الموقفين السعودية والمصري الذي يمثل ويقود الموقف العربي الشامل الذي يتعامل مع سوريا الدولة والشعب وليس مع سوريا النظام، والبيان يدعو جميع الأطراف السورية بالالتفاف حول القرار الأممي 2254 نصا وروحا للانتقال من هذا الوضع المأساويا إلى طريق التسوية السياسية، ويقطع الطريق على أية محاولات للتطبيع بعيدا عن الموقف العربي.
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع