مصر تعمل على زيادة رقعة الأراضي المزروعة لتلبية الاحتياجات المتزايدة
انطلقت الجَلسة الثالثة من جلساتِ المُنتدى الفكري لمركز المعلومات المصري ودعم اتخاذ القرار، وذلك تنفيذا لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء المصري لفتح قناة تواصل دائمة بين الحكومة المصرية والخبراء والأكاديميين؛ لمناقشة كافة المستجدات المتسارعة والمتلاحقة، والخروج بوثيقة تتضمن أبرز توصيات الخبراء في الموضوعات محل المناقشة.
تأتي هذه الجَلسة تحتَ عُنوان "سُبُل وآليات دعم الزراعة المُستدامة في مصر، بما يجاري اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء EGD، وبما يُعظِّم من صادرات مصر من الحاصلات الزراعية إلى دول الاتحاد الأوروبي"، وذلِكَ بمُشاركة الدكتور عادل البلتاجي وزير الزراعة المصري الأسبق، اللواء هشام الحصري رئيس لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي بمجلس النواب المصري، الوزير المُفوَّض ناصر حامد الوزير المُفوَّض لشؤون الاتحاد الأوروبي بالتمثيل التجاري المصري، والمُهندس سمير النجار رئيس مجلس إدارة شركة "دالتكس" الزراعية، فضلًا عن مجموعة واسعة من المُعقبين المُختصينَ في قطاع الزراعة، الإرشاد الزراعي، الموارد المائية، وكذا مُمثلي الفلاحين المصريين، على النحو التالي:
الدكتور علاء فاروق- رئيس مجلس إدارة المصرف الزراعي المصري والدكتور عبد الحميد الدمرداش-رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية المصري والدكتور أحمد العطار- رئيس الحجر الزراعي المصري والدكتور محمد عبد المجيد- رئيس لجنة المُبيدات بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية و الدكتور محمود حسن، مُدير معهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية المصرية والدكتور جمال صيام- أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة، جامعة القاهرة وحسين أبو صدام- نقيب الفلاحين المصريين والدكتورة رباب جابر، مدير عام بإدارة الموارد المائية بقطاع التخطيط بوزارة الموارد المائية والري المصرية.
موارد الجلسة المصرية لحل مشاكل الزراعة
وفي مُستهل الجَلسة، أكدَ أسامة الجوهري- مساعد رئيس مجلس الوزراء المصري، ورئيس مركز المعلومات المصرية، أن أهمية هذه الجَلسة تكمن في الدور المحوري الذي يلعبه القطاع الزراعي المصري في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية وضرورة تحقيق اكتفاء ذاتي كونَّهُ يُساهم بنحو 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، فضلًا عن كونه مصدرًا هامًا للنقد الأجنبي إذ تُسهِم صادرات مصر من الحاصلات الزراعية في توفير نحو 4 مليار دولار سنويًا ويوفر حوالي (40%) من الاحتياجات الغذائية.
مضيفاً أنَّ الدولة المصرية تعمَل على عدد من المحاور الرئيسة في إطار خطتها التوسُّعيةِ لزيادةِ رُقعة الأراضي المزروعة عبرَ استصلاح مناطق جديدة لتلبية الاحتياجات الغذائية المُتزايدة في مصر، وأيضاً تبنى مشروعاتٍ طموحة في تخطيطها وأهدافها مثل: مشروع "الدلتا الجديدة" (يشمل مشروعي مستقبل مصر وجنوب محور الضبعة) بغية استصلاح مساحة مليون فدان وهوّ ما يتم العمل عليه منذُ يناير 2021، ومشروع "مُستقبل مصر للزراعة المستدامة" الذي أطلقته الدولة في مايو 2022، بهدف استصلاح مليون وخمسون ألف فدان.
وفي الإطار ذاته، أوضح أن هناك تحركات جادة لدعم الفلاح والمزارع منها استمرار دعم منظومة الأسمدة، ورفع أسعار توريد بعض المحاصيل حتى ترفع الدولة عن كاهل المُزارع المصري الكثير من الأعباء.
أشارَ "الجوهري" إلى أنَّ ما يعمل عليه الاتحاد الأوروبي في ظل الصفقة الأوروبية الخضراء وسعيه للوصول إلى "الحياد الكربوني" بحلول عام 2050 يقتضي معه العمل على التعامُل مع تلك المُتغيّرات بغية الحفاظ على صادرات مصر من الحاصلات الزراعية إلى دول الاتحاد الأوروبي الذي تُمثِّل نحو 25% من جُملة صادرات مصر الزراعية إلى العالم، وذلكَ لا سيما وأنَّ مصر تُعدُ بمنزلة المركز اللوجيستي الهام لحركة الصادرات الزراعية من القارة الإفريقية.
مشيراً إلى أن هناك (4) مسارات تحرك للتعامل مع الصفقة الأوروبية الخضراء، شملت مسار توعوى / تحفيزي متعلق بتبني أفضل الممارسات في الزراعة المستدامة للحفاظ على الأراضي المصرية وكفاءتها وبتشجيع المزارعين على تبني تدابير للحفاظ على التربة والمياه مثل تناوب المحاصيل، وتنوعها، ومسار تكنولوجي يتمثل في استخدام التقنيات الذكية مناخيًا والقابلة للتكيف محليًا لتحسين استدامة وإنتاجية النظم الزراعية المصرية، وأيضاً مسار تمويلي متمثل بدعم تطوير أدوات مالية خضراء لتسهيل الانتقال إلى نموذج زراعي أكثر استدامة، وأخيرا مسار تشريعي ومؤسسي متمثل في النظر في إصلاح السياسات والتشريعات التي تسهم في تعزيز الزراعة المستدامة وتضمن سياسة زراعية شاملة تحابي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.
تطورات ما توصلت له الجلسة المصرية
وشهِدت الجَلسة تقديم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري لعرضٍ تقديمي، قدمه الدكتور أسعد الصادق رئيس محور دعم القرار بالمركز، الذي تضمَنَ الحديث عن الصفقة الأوروبية الخضراء، وما يكتنِفُها من تحدياتٍ وفُرص للقطاع الزراعي المصري، فضلًا عن سُبُل التعامُل مع تلكَ التحديات عبرَ مفهوم "الزراعة المُستدامة"، الذي تسعى الدولةُ المصرية إلى التحوُّلِ إليها في الوقت الراهن، كما شهِدَ العرض التقديمي سرد لأهم التجارُب الدولية في التكيُّف مع اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء، لا سيما التجربة المغربية، وتطبيقها لبرنامج "الاستثمار الأخضر" بغية تعزيز الاستثمارات المُوجهة إلى الزراعة المُستدامة.
ومن جانبه أشارَ الوزير المصري ناصر حامد، المُفوَّض لشؤون الاتحاد الأوروبي والمملكة المُتحدة بالتمثيل التجاري المصري إلى أنَّ الاتحاد الأوروبي يسعى لتطبيق الصفقة الأوروبية الخضراء للوصولِ إلى هدف خفض الانبعاثات الضارة، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وذلِكَ بواسطة هدف مرحلي بتخفيض الانبعاثات الضارة بنسبة 55% بحلول عام 2030.
وأكدَ "حامد" أنَّ الاتحاد الأوروبي خصصَ لتحقيق أهدافه من وراء الصفقة الأوروبية الخضراء نحو تريليون يورو في الأقل كـ "تمويلٍ أخصر" يتضمن تحسين كفاء استخدام الطاقة في مجالات الإنتاج الزراعي المُستخدم بجانب توجيه الدعم الفني للمُستثمرين"، فاستراتيجيات الصفقة الأوروبية الخضراء فيما يتعلق بالزراعة تستهدِفُ في المقام الأول تحويل النظام الغذائي التقليدي إلى نظامٍ غذائي مُستدام.
مشاركات الوزراء المصريين فى الجلسة
تبِعَ ذلك مُشاركة الدكتور عادل البلتاجي وزير الزراعة المصري الأسبق، بإشارته إلى أنَّ ارتفاع درجة حرارة الأرض تُعدُ خطرًا يتسببُ في نقص مُجمل الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة تتراوح بين 20-50% في بعض المناطق؛ إذ سيؤدي ذوبان الجليد إلى ارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية لجميع دول العالم، بخلاف ما تُعانيه في الأساس من هدرٍ لنحو ثُلث الناتج الزراعي العالمي.
وأكدَ "البلتاجي" أنَّ الدولة المصرية ينبغي لها أن تعمَل على الاستفادة من التجارِب المُحيطة، والعمل على الاهتمام بالتراكيب الوراثية لبعض المحاصيل، فضلًا عن تبني نُظم إدارة زراعية جديدة فيما يتعلق بالري والمُبيدات، مُشيرًا إلى أنَّه في خِضمِ هذا لابد أن يتم تعزيز قُدرات المورد البشري في القطاع الزراعي المصري بِرُمَّته، وتبني مشروع لتحديث الإرواء الحقلي، وتعزيز الاستفادة من نُظُم الذكاء الاصطناعي في زيادة الصادرات الزراعية، ونسب الاكتفاء الذاتي من الحاصلات الزراعية.
من جانبِهِ أشارَ الدكتور سمير النجار رئيس شركة "دالتكس" الزراعية، إلى أنَّ هُنالِكَ مسارين للتعامُل مع الصفقة الأوروبية الخضراء، المسار الأول يتمثَّل في أسلوب التكيُّف من الداخل، والعمل على مُعالجة ما يُعانيه القطاع الزراعي داخليًا، والمسار الآخر هو الذي يتمثَّلُ في التعامُل مع الصفقة الأوروبية الخضراء خلال التفاوض والنقاشات مع الاتحاد الأوروبي.
وأشارَ "النجار" إلى أنَّ مصر قد تُواجه تحديًا يرتبِطُ بـ "المياه الجوفية" التي يتم استخدامها في العملية الزراعية، إذ يعدها البعض على أنَّها ليست من مصادر المياه المُتجددة، لذا ينبغي إثبات عكس ذلك، والعمل على التأكيد على أنَّ ما تمتلِكه مصر من مياهٍ جوفية؛ فإنها تكفي لأكثر من 100 عام، وكذا ينبغي تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المُتجددة مثل الطاقة الشمسية.
واقترحَ "النجار" في نهايةِ كلمته، أن يتم عقد لجان بالتعاون مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية المصرية، للتعامُل استباقًا بآلياتٍ واضحة مع ما يُمكِن أن تُسبِبه الصفقة الأوروبية الخضراء من تحديات على صادرات مصر من الحاصلات الزراعية.
ومن جانبه أشارَ اللواء هشام الحصري رئيس لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي بمجلس النواب المصري، إلى أنَّ لجنة الزراعة في مجلس النواب تعمل فعلًا على تحديث القوانين المُرتبطة بقطاع الزراعة المصري، واستصدار قوانين جديدة؛ حيثُ إنَّ غالبية ما يحدُثُ في إطار الزراعة المُستدامة، والصفقة الأوروبية الخضراء يرتبِطُ مُباشرةً بمهام عمل اللجنة، وقد تمَ فعلًا إصدار مجموعة من القوانين الهامة في السنوات الأخيرة، مثلَ "قانون هيئة سلامة الغذاء" في عام 2017، و"قانون الزراعة العضوية" في عام ٢٠٢٠، فضلًا عن العمل على استحداث قانون التعاونيات الزراعية، وغيرها من القوانين التي تمُس القطاع الزراعي المصري مُباشرةً.
وشهِدت الجَلسة، جزءًا يتعلقُ بالتعقيبات، ضمت مجموعة من النُخب والمُتخصصين في القطاع الزراعي المصري؛ فقد أشارَ في البداية الدكتور علاء فاروق، رئيس مجلس إدارة المصرف الزراعي المصري إلى أنَّ السندات الكربونية يُمكن أن تكونَ مصدرًا هامًا للنقد الأجنبي، وفي إطار دعم الزراعة والمُزارع المصري لابد من مُساعدة المُزارع على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة.
وأكدَ "فاروق" أنَّه لا بد من وجود حوافز للمُزارع المصري للعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية، وفي هذا الصدد أشار إلى أن هناك حاجة للوصولِ إلى المُزارع الصغير، فضلًا عن أنَّه ينبغي الاستفادة من البنية التحتية القوية التي تمتلكها الدولة على صعيد القطاع الزراعي والاستفادةِ منها.
وأضافَ الدكتور عبد الحميد الدمرداش رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية المصري، أنَّ مصر تمتلك تجارُب جيدة في مجال الزراعة العضوية، لكن لا نزال في حاجة إلى دراسات مُتعمِّقة للتوافُق مع الاتجاهات الأوروبية الحديثة، مُشيرًا إلى أنَّ هُناكَ حاجة لإدخال أصناف زراعية جديدة من بعض المحاصيل الزراعية مثل العنب الذي نجحَ في زيادة عوائد صادرات مصر منه من نحو 120 مليون دولار، إلى نحو 250 مليون دولار خلال السنوات القليلة الماضية، مُضيفًا أنَّ المجلس يعمل على عقد دورات تدريبية للمُصدرين على القواعد الأوروبية الجديدة.
وشهِدت الجَلسة كذلك مُشاركة الدكتور أحمد العطار رئيس الحجر الزراعي المصري، الذي أشارَ إلى أنَّ 95% من أسباب رفض بعض صادرات الحاصلات الزراعية المصرية تتمثَّل في استخدام المُبيدات، إلا أنَّ الوقت الحالي لا يعد هناك حظر على أي منتج زراعي مصري بعد زيادة مُعدلات الرِّقابة على الإنتاج الزراعي المصري عقب تطبيق منظومة التكويد والتتبُّع.
ومن جانبه أشارَ الدكتور محمد عبد المجيد، رئيس لجنة المُبيدات بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، إلى أنَّ هُناكَ جهودًا وخطة واضحة فعلًا تعمل عليها الدولة لخفض المُبيدات، ولا يتبقى سوى 4% من جُملة المُبيدات المُستخدمة، وهوَ ما يُسهم أكثر في التكيُّف مع اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء، فضلًا عن ذلك فإنه يجري تأهيل المُتعاملينَ مع المُبيدات ومُطبقيها بواسطة البرامج التدريبية المُختلفة؛ حيث تم تأهيل نحو 25 ألف من "مُطبِّقي المُبيدات" في مصر.
كما أشارَ الدكتور محمود حسن مُدير معهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية المصري، إلى أنَّ هُناكَ جهودًا للعمل على تعزيز قُدرات المُزارع المصري، وتوعيتهم لا سيما على صعيد ترشيد استخدام مياه الإرواء، وإعلامهم بأهم مُستجدات التكنولوجيا الزراعية.
من جانبه أشارَ الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إلى أنَّ هُناكَ حاجة لمزيد من السياسات لدعم الزراعة المصرية، وأنَّ الإرشاد الزراعي في حاجة إلى تفعيل دوره بصورةٍ أكبر مما هي عليه الآن حتى يُساعد أكثر في التحوُّل نحو التكيُّف مع اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء، كما أنَّه من المُهم للغاية دعم الصناعات الزراعية لما لها من دور في زيادة العائد، لا سيما في ظل نُدرة مورد المياه.
وشهِدت الجلسة حضور حسين أبو صدام نقيب الفلاحين المصريين الذي أشارَ إلى أنَّ هُناكَ 160 دولة تستقبل الصادرات الزراعية المصرية لجودتها، وإنتاجها الذي يتم وفقًا لأفضل المعايير، إلا أنَّ الفلاح المصري يحتاجُ إلى المزيد من الدعم المادي والتوعوي، إلى جانب حاجته لتوفير المُعدات الحديثة لتحسين كفاءة الإنتاج الزراعي.
وطالبَ نقيب الفلاحين المصريين، بضرورة التوسُّع في الإرشاد الزراعي للوصول إلى المُزارعين والمُستثمرين، مُشيرًا إلى أنَّ التصنيع الزراعي يُعدُ أمرًا في غاية الأهمية لما له من دورٍ في زيادة العائد على الإنتاج الزراعي.
وأشارت دكتور/ رباب جابر، مدير عام بإدارة الموارد المائية بقطاع التخطيط بوزارة الموارد المائية والري المصرية، إلى أنَّ نحو 70% من نسبة استهلاك المياه في مصر تكون من قطاع الزراعة، مُشيرًا إلى أنَّ مصر تُواجه عجزًا في المياه بنحو 22 مليار متر مُكعب، وهو ما ينغي التعامُل معه بصورةٍ جدية، وأضافت إلى أنَّه يجري العمل على تحسين نوعية المياه المُستخدمة في قطاع الزراعة المصري.
ومنَ الجديرِ بالذكر أن المنتدى الفكري هو أحد مبادرات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، في إطار دوره الفعَّال في خلق حلقة وصلٍ بين الحكومة المصرية ومختلف الخبراء والمتخصصين في كافة المجالات حرصًا على استدامة تحقيق المشاركة المجتمعية الفعّالة مع مختلف الجهات والأطراف المعنيَّة، وكذلك تعزيز تحركات الحكومة المصرية لتبادل وجهات النظر المختلفة والأفكار ذات الصلة.