“الأهواز”.. الأرض الغنية التي يعيش عليها الشعب الأكثر فقراً
تعيش مدينة الأهواز المحتلة في هذه الأيام احتجاجات واسعة ومظاهرات غاضبة في إقليم الأهواز ذي الأغلبية العربية جنوب غربي إيران، احتجاجا على تحويل السلطات لمجرى نهر كارون بعيدا عن مناطقهم، مما ينذر بالعطش وتداعيات خطيرة أخرى قد يكون لها نتائج كارثية.
وتفاقمت مشكلة المياه في الآونة الأخيرة، مع تحويل النظام لمياه النهر بشكل أكبر نحو مناطق أصفهان وزايندهرود، شمال شرق الإقليم العربي.
ويمر بمحافظة خوزستان نهر كارون، الذي كان يغذي المنطقة بشكل جيد في الماضي، إلا أن سلطات طهران عملت على تجفيفه ونقل جزء من مساره إلى مناطق أخرى في البلاد، مما ترك السكان العرب يواجهون أزمة مياه ،ومحافظة خوزستان تقع ضمن منطقة الأحواز ذات الغالبية العربية الغنية بالنفط والمياه في آن واحد، لكن سكانها يعانون التهميش والاضطهاد من جانب السلطات الإيرانية.و تبلغ مساحة إقليم الأحواز 185000 كم مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي السبعة ملايين نسمة غالبيتهم من العرب .
أصل الحكاية
سكن مدينة الاهواز عبر التاريخ “الانباط “و”التدمريون “وهى أقوام تنحدر من أصل عربى ومن القبائل العربية التي سكنت الاهواز قبيلة “ربيعة العربية “،”بنو كعب “، “بنو عامر” ، وتسمى الأهواز اليوم “محافظة خوزستان “وهو أسم فارسي اطلقه الفرس على جزء من الإقليم وهو يعني بلاد القلاع والحصون وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلق العرب على الإقليم كله لفظة .
منذ انتصار المسلمين على الفرس في القادسية وإقليم الأهواز تحت حكم الخلافة الإسلامية ويتبع لولاية البصرة إلى أيام الغزو المغولي ومن بعد نشأت الدولة المشعشعية العربية واعترفت بها الدولة الصفوية والخلافة العثمانية كدولة مستقلة إلى أن نشأت الدولة الكعبية (1724-1925م) وحافظت على استقلالها حتى سقوطها على يد الشاه بهلوي ففي عام 1920م اتفقت بريطانيا مع إيران على إقصاء أَمير الأهواز “عربستان” وضم الإقليم إلى إيران حيث منح البريطانيون الإمارة الغنية بالنفط إلى إيران بعد اعتقال الأمير خزغل الكعبي وبعدها أصبحت الأحواز محل نزاع إقليمي بين العراق وإيران وأدى اكتشاف النفط في الأحواز وعلى الأخص في مدينة “عبدان “الواقعة على الخليج العربي مطلع القرن العشرين إلى تسابق القوى المتعددة للسيطرة عليها.
قوة الاهواز
دخل الجيش الإيراني مدينة المحمرة بتاريخ 1925 لإسقاطها وإسقاط آخر حکام الکعبيين وهو “خزعل جابر الکعبي “وکان قائد القوات الإيرانية آنذاك رضا خان ويعد السبب الأقوى لاحتلال إيران لهذه المنطقة إلى كونها غنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز ويوجد فيها الأراضي الزراعية الخصبة حيث يصب فيها أحد أكبر أنهار المنطقة وهو نهر كارون الذي يسقي السهول الزراعية الخصبة فمنطقة الأحواز هي المنتج الرئيسي لمحاصيل مثل السكر والذرة في إيران وتساهم الموارد المتواجدة في هذه المنطقة “الأهواز”بحوالي نصف الناتج القومي الصافي لإيران وأكثر من 80% من قيمة الصادرات في إيران وللمفارقة العجيبة فالأهواز من أغنى المناطق على وجه الأرض بالثروات الطبيعية الهائلة ويعيش فيها أفقر شعب .
قبضة إيران
يسعي المحتل الإيراني حتى اليوم إلى زيادة نسبة غير العرب في الأحواز وتغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار وغيرها من المواقع الجغرافية في منطقة الأحواز فمدينة المحمرة على سبيل المثال أصبح اسمها “خرم شهر” وهي كلمة فارسية بمعنى البلد الأخضر فطالت عمليات تغيير الطابع العربي كافة جوانب الحياة في الأحواز بعـد احتلالها الصفوي وكان هدفها فرض الثقافة الفارسية فكان على رأس المحرمات التي أقرها الاحتلال الإيراني الفارسي التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة ومن يخالف ذلك الأمر يتعرض للعقاب لأن التحدث باللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون الصفوي فقررت إيران بأن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى ومُنع الأحوازيين من تسمية مواليدهم بأسماء عربية ومنع لبس الزى العربي واستبدل باللبس البهلوي الفارسي.
طمس الهوية العربية
وكان من أساليب الإرهاب الفكري التي يمارسها الاحتلال الصفوي على شعب الأحواز ما قامت به طهران بإصدار جريدة في مدينة المحمرة سميت بجريدة خوزستان تصدر بالفارسية ويُلزم أبناء الأحواز بشرائها وقراءتها ومن بعد تم منع تداول المطبوعات العربية وتقديم من يقوم بتداولها إلى المحاكم باعتبارها من المحرمات التي يعاقب عليها القانون ومن جملة الحقد الصفوي على كل ما هوعربي تم الاستيلاء على جميع المكتبات الخاصة ونقل محتوياتها إلى داخل إيران كما تم إتلاف الكثير منها ورميها في نهر كارون وتم إغلاق مطبعة مدينة المحمرة خشية طبع الكتب العربية فيها أو طبع النشرات المعادية للاحتلال الصفوي وأغلقت المكتبات التي تبيع المطبوعات العربية وتمت مصادرة محتوياتها والتنكيل بأصحابها وللنظام المجوسي في طهران حيل شيطانية لمحاربة اللغة والهوية العربية فكان منها رفض جميع المعاملات إن لم تكن باللغة الفارسية ويتم منع مراجعة الدوائر الحكومية إن لم يكن التفاهم مع الموظفين باللغة الفارسية ولا تقبل شهادة أي عربي في المحاكم إن لم يتكلم الفارسية بحجة أن القضاة لا يجيدون اللغة العربية ولا يجوز أن تقبل المحاكم أي مترجم عن العرب أمامها ومن ضمن حيلهم الشيطانية منع أي عربي من الالتحاق بوظيفة حكومية ما لم يثبت اجادتة للغة الفارسية وقد أدى هذا الإجراء إلى تعرض الكثير من أبناء الأحواز الذين يرفضون التحدث بالفارسية إلى التشرد خارج الأحواز.
الثورة الأولى للاهواز.. بعد الإاحتلال الإيراني
أخمدت ثورة الاهواز ضد الإحتلال الإيراني ببشاعة وحقد ودماء واعتقل عدد كبير من الثوار وإعدام بعضهم وتم الاستيلاء على جميع الأملاك العربية وزاد الإرهاب والبطش والتنكيل والاضطهاد والقي القبض على” محيي الدين الزئبق “قائد الثورة وسجن في بيت خاص إلى أن توفي وبعد نهاية ثورة الحويزة استمرت السلطات الإيرانية في البطش والإرهاب والتنكيل وزج الأحرار في السجون وابعد الكثير من العرب إلى شمال إيران وتم إحلال الفرس المستوطنيين في أراضي العرب كما أن بعض الأحوازيين نزح إلى العراق والكويت ودول خليجية أخرى وما زال هذا القمع الوحشي مستمر حتى اليوم .
ويعتقد كثيرون أن إقليم الأحواز بعد أن سقط بيد الإيرانيين لم يبد سكانه أي مقاومة إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك فقد قامت الثورات في مواجهة المحتل الإيراني الذي مارس سياسة الأرض المحروقة التي كان يتبعها الاستعمار في ذلك الوقت، فقاموا بتدمير القرى والمدن العربية وتم إعدام الشباب الأحوازي دون أي محاكمة أو فرصة للدفاع عن أنفسهم من أجل إرهاب باقي الأهالي . وحتى الآثار لم تسلم من التدمير والتخريب من أجل طمس هوية الأحواز العربية وإنهاء ارتباطها التاريخي بعروبتها وربطها بالتاريخ الفارسي ، فعمدت إلى تزوير التاريخ والادعاء بحقها بالأحواز التي غيرت اسمها إلى الأهواز كما قامت بتغيير أسماء المدن العربية إلى أسماء فارسية فالمحمرة العاصمة التاريخية للأحواز سموها خرمشهر وعبادان إلى آبادان والحوزة إلى الهويزة حتى الأحواز تم تسميتها بخوزستان ، كل ذلك ضمن سياسة التفريس المتبعة .
انتفاضات وثورة أهوازية منذ الاحتلال الإيرانى
بدأت مقاومة الأحواز بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على احتلال الأحواز 20 ابريل في عام 1925 حيث وقف بوجه سياسة التفريس جنود الشيخ خزعل وحرسه الخاص، وقاموا بثورة سميت باِسم “ثورة الغلمان” في 22 يوليو 1925 بقيادة الشهيدين “شلش، وسلطان”، وكانت رداً منهم لأسر شيخهم وإمارتهم العربية، إلا أن هاجمت القوات البريطانية هذا التجمّع فقضت عليه.
في عام 1968، أعيد طرح القضيّة الأهوازية على جامعة الدول العربية، إلا أن النتائج كانت سلبية بسبب انقسام الأشقاء العرب بين حليف لنظام حكم الملك “محمد رضا بهلوي” وخصم له. وتأسست “الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز” في عام 1971، وقامت الجبهة بأكثر من مائة عملية عسكرية ضد الدولة الإيرانية، وقدمت 28 شهيداً، أعدم النظام الإيراني 7 منهم رمياً بالرصاص.
ومنذ عام 1969 وحتى إتفاقية الجزائر بين الدولتين الإيرانية والعراقية عام 1975 الموقــّعة من قبل كل من الملك الإيراني “محمّد رضا بهلوي” من جهة، و”صدام حسين” نائب الرئيس العراقي “أحمد حسن البكر” من جهة أخرى، لم يتوقف العمل النضالي الثوري الأحوازي، إلا أن إتفاقية الجزائر قد انعكست سلبا على النشاط الثوري الأحوازي، فأدت إلى شبه تجميده في بعض الحالات.وقد أسهمت القوى الوطنية في عربستان مع سائر الشعوب القومية من غير القومية الفارسية التي كانت تسيطر على إيران في ظل نزعتها العنصرية الآرية بالمشاركة في الانتفاضات الشعبية العديدة والتي تكللت في الإطاحة بحكم شاه إيران. كما طالبت تلك القوى النظام السياسي الجديد بقيادة ((آية الله الخميني)) بالاعتراف بالحقوق القومية للعرب، وكذلك حق تقرير المصير، وكان رد القوات الإيرانية بالقمع الإجرامي ضد الشعب العربي الأحوازي مما أدى إلى سقوط أكثر من 500 شهيد في ساحات الاِحتجاج السلمي والكفاح الوطني العادل من أجل مطالب وطنية أحوازية وسياسية وجيهة، ووقوع آلاف المحتجين في قبضة الاِعتقالات الفارسية التي واجهت