قبل يومين من الاجتماع.. توقعات متباينة لقرارات الفيدرالي وتأثيرها على العالم العربي
تتجه الأعين خلال الفترة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد للاجتماع الذي سيحدد ملامح الوضع الاقتصادي العالمي خلال فترة ليست بالقليلة.
وقبل أيام قليلة من اجتماع البنك المركزي الأمريكي، مطلع شهر فبراير المقبل، يتمنى الجميع أن يتجه البنك الفيدرالي الأمريكي لإبطاء معدل زيادة أسعار الفائدة التي بدأها العام الماضي، والتي أثرت بالسلب على كافة دول العالم لا سيما دول الخليج والوطن العربي.
قرارات البنك الفيدرالي خلال عام 2022
بدأ الفيدرالي الأمريكي، رحلة رفع الفائدة في شهر مارس الماضي، لمواجهة التضخم المرتفع والذي تخطى مستويات قياسية لأول مرة منذ 40 عامًا.
وكانت نسبة الزيادة الأبرز هي 0.75% والتي رفع بها الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة في 4 اجتماعات متتالية، قبل أن يخفض الزيادة إلى 0.5% في آخر اجتماعات العام.
ونتيجة لرفع الفائدة في اجتماعات متتالية العام الماضي، ارتفع سعر الفائدة القياسي على الصناديق الفيدرالية بمقدار 4.25 نقطة مئوية، وزيادة ربع نقطة الشهر المقبل سترفع المعدل إلى نطاق بين 4.5% و4.75%، وفقا للتقرير.
وتوقع معظم مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر أن يرتفع سعر الفائدة إلى ذروة تتراوح بين 5% و5.25%، وفقا لتقرير وول ستريت جورنال، ما قد يعني زيادتين إضافيتين بمقدار ربع نقطة بعد الارتفاع المحتمل الشهر المقبل.
وبحسب التقرير، يتوقع المستثمرون في أسواق العقود الآجلة لأسعار الفائدة أن يحقق بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادتين إضافيتين بمقدار ربع نقطة مئوية (0.25%) إحداهما في الاجتماع المقبل والأخرى في الاجتماع اللاحق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في منتصف مارس.
توقعات لخفض الزيادات لأسعار الفائدة
وفقًا لتقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، يستعد مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لإبطاء زيادات أسعار الفائدة للاجتماع الثاني على التوالي.
وتشير تصريحات مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إن إبطاء وتيرة زيادات أسعار الفائدة إلى ربع نقطة مئوية سيمنحهم مزيدًا من الوقت لتقييم تأثير زياداتهم حتى يحددوا أين يمكن التوقف عن رفع الفائدة.
ويأتي ذلك تزامنا مع تراجع معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر ديسمبر الماضي إلى 6.5% مقابل 7.1% في شهر نوفمبر السابق له، بحسب بيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، وذلك في أقل معدل للتضخم السنوي منذ أكتوبر 2021.
وبحسب التقرير، أشار المسؤولون إلى الكيفية التي يستغرق بها الأمر وقتًا للتأثير الكامل للمعدلات المرتفعة لأسعار الفائدة لتهدئة النشاط الاقتصادي عندما قرروا رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في ديسمبر، بعد أربع زيادات متتالية بمقدار 0.75 نقطة مئوية.
وقال نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي لايل برينارد في تصريحات الأسبوع الماضي، إن هذا المنطق قابل للتطبيق للغاية، ورفع المعدلات بزيادات أصغر يمنحنا القدرة على استيعاب المزيد من البيانات".
وفي نفس السياق، فتح جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الباب أمام تقوية التكهنات التي تتحدث عن إبطاء وتيرة رفع الفائدة في الفترة القادمة.
وقال باول أنه قد يكون من المناسب إبطاء وتيرة الزيادات بعد أن حان الوقت لذلك، مشيرا إلى أن ذلك قد يحدث في الاجتماع التالي أو الاجتماع الذي يليه لكن القرار لم يتخذ بعد.
ووفق سي إن إن، قد يعني هذا أن رفع سعر الفائدة في اجتماع الفيدرالي قادم خلال ديسمبر قد يشهد زيادة الفائدل بمعدل 0.5% فقط بدلا من الـ 0.75% التي أقرها المركزي 4 مرات متتالية في اجتماعاته الأربعة السابقة.
ومع ذلك، أشار باول إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يهتم بدرجة أكبر بمعدل الفائدة المستهدف لمكافحة التضخم أكثر من اهتمامه بمدى سرعة استمراره في رفع أسعار الفائدة.
ولفت إلى أن البنك لا يزال أمامه طريق طويل ليقطعه قبل أن تصل أسعار الفائدة إلى سقفها لخفض التضخم نحو مستويات مريحة.
وقال إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يدرك أن قرارات السياسة النقدية ليس لها تأثير فوري على الاقتصاد، وأنه يحتاج إلى مراقبة الوضع للتأكد من أن الاقتصاد لن يصطدم بحالة ركود.
ويعرف بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أنه لا يمكنه الحفاظ على هذه الوتيرة التاريخية لرفع أسعار الفائدة إلى الأبد.
وأشار باول إلى أن معدلات الفائدة ستكون أعلى من المتوقع قبل أن تبدأ في الانخفاض.
لا خفض لسعر الفائدة في 2023
كشف محضر اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي في ديسمبر الماضي، عن تمسك مسؤولي الفيدرالي الأميركي بمحاربة التضخم، إذ يتوقعون أن تظل أسعار الفائدة المرتفعة دون تغيير لحين إحراز المزيد من التقدم.
وفي الاجتماع الذي رفع فيه صانعو السياسة سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف نقطة مئوية أخرى، أعربوا عن أهمية الحفاظ على السياسة المتشددة دون تغيير، طالما استمرت معدلات التضخم غير المقبولة كما هي.
وذكر ملخص الاجتماع: "لاحظ المشاركون عموماً أنه يجب الحفاظ على موقف السياسة التقييدية إلى أن توفر البيانات الواردة الثقة في أن التضخم كان على مسار هبوطي مستدام باتجاه الهدف البالغ 2%، وهو ما كان من المحتمل أن يستغرق بعض الوقت".
وأضاف الملخص: "في ضوء مستوى التضخم المستمر وغير المقبول، علق العديد من المشاركين بأن التاريخ يحذر من تخفيف السياسة النقدية قبل الأوان"، وفقاً لما ذكرته شبكة "CNBC".
يأتي ذلك، فيما أنهت الزيادة الأخيرة سلسلة من 4 ارتفاعات متتالية لأسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة، مع رفع النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 4.25% - 4.5%، وهو أعلى مستوى له منذ 15 عاماً.
وبعد هذا الاجتماع، أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى أنه بينما كان هناك بعض التقدم الذي تم إحرازه في المعركة ضد التضخم، إلا أنه لم ير سوى علامات توقف، ويتوقع أن تظل المعدلات عند مستويات أعلى حتى بعد توقف الزيادات.
كما أشار إلى أن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لا يتوقعون بالإجماع أي تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2023، على الرغم من أسعار السوق.
يأتي ذلك، فيما تقدّر الأسواق حاليًا احتمالية زيادات في الفائدة بمجموع 0.5 - 0.75 نقطة مئوية قبل التوقف مؤقتاً لتقييم تأثير الارتفاعات على الاقتصاد.
ويتوقع المتداولون أن يوافق البنك المركزي الأميركي على زيادة 25 نقطة في الاجتماع المقبل، الذي ينتهي في الأول من فبراير، وفقاً لبيانات مجموعة CME.
ويشير التسعير الحالي أيضاً إلى إمكانية حدوث خفض طفيف في الفائدة بحلول نهاية 2023، مع هبوط معدل العائد على الأموال الفيدرالية حول نطاق 4.5% - 4.75%.
ومع ذلك، أعرب مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي عن شكوكهم مراراً وتكراراً بشأن أي تخفيف للسياسة في عام 2023.
ولفت المحضر إلى أن المسؤولين يتصارعون مع مخاطر السياسة ذات شقين:
الأول، ألا يبقي الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتفعة لفترة كافية ويسمح للتضخم بالتفاقم، على غرار تجربة السبعينيات.
وثانياً، أن يحتفظ الاحتياطي الفيدرالي بسياسته التقييدية لفترة طويلة ويبطئ الاقتصاد كثيراً.
ومع ذلك، قال الأعضاء إنهم يرون أن الخطر الأعلى، هو التخفيف في وقت مبكر جداً والسماح للتضخم بالتفشي.
ووفقا للمحضر، "أشار المشاركون بشكل عام إلى أن المخاطر الصعودية لتوقعات التضخم ظلت عاملاً رئيسياً في تشكيل آفاق السياسة، كما لاحظ المشاركون بشكل عام أن الحفاظ على موقف السياسة التقييدية لفترة مستدامة حتى يصبح التضخم على مسار واضح نحو 2%، هو أمر مناسب من منظور إدارة المخاطر".
دخول الولايات المتحدة في حالة ركود
يتوقع الاقتصاديون إلى حد كبير أن تدخل الولايات المتحدة في حالة ركود خلال الأشهر المقبلة، نتيجة لتشدد بنك الاحتياطي الفيدرالي، كما لا يزال الاقتصاد الذي يتعامل مع التضخم يقترب من أعلى مستوياته في 40 عاماً.
ومع ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع لعام 2022 سجل نموا قويا بلغ 3.9%، وهو أفضل ما في العام الذي بدأ بقراءات سلبية متتالية، وفقاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، في منشور على الموقع الإلكتروني للمنطقة، إنه يتوقع ارتفاع معدل العائد على الأموال الفيدرالية إلى 5.4% وربما أعلى إذا لم يتجه التضخم نحو الانخفاض.
تأثير ارتفاع الفيدرالي الأمريكي على الوطن العربي والعالم
من المتوقع أن تؤثر الخطوة الأميركية برفع معدل الفائدة على الاقتصادات الناشئة التي لا تعد بمعزل عن جملة الأحداث التي تشهدها الساحة العالمية، والتي يأتي على رأسها تقويض جاذبية أدوات الدين المحلي.
ويمثل قرار البنوك المركزية الكبرى برفع أسعار الفائدة مخاطرة بالنسبة للأسواق الناشئة بسبب احتمالية تقويض جاذبية أدوات الدين المحلية التي تطرحها الدول، إذ يهرع المستثمرون إلى الاقتصادات المتقدمة مع بدء رفعها لأسعار الفائدة، مما يؤدي إلى نزوح استثمارات الأجانب من الأسواق الناشئة.
كما تتضمن التداعيات تزايد احتمالية رفع الفائدة في باقي اقتصادات العالم، فغالبًا ما تقرر الكثير من الدول رفع أسعار الفائدة بالتبعية عقب اتخاذ الفيدرالي الأميركي لتلك الخطوة.
ومن الممكن أن يكون رفع سعر الفائدة عالميًا مؤثرًا بصورة سلبية على الاقتراض الداخلي للحكومات بهدف سد عجز الموازنة، الأمر الذي سيؤدى إلى زيادة أعباء الدين الداخلي نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض الحكومي، وكذلك تحجيم التوسعات الصناعية والاستثمارية والشركات نتيجة رفع سعر الفائدة على الاقتراض.
أسباب منطقية لرفع سعر الفائدة
يرى الممحللون الاقتصاديون إن خطوة رفع أسعار الفائدة مجددا تأتي في ظل استمرار معاناة العالم من تداعيات جائحة كورونا التي أسفرت عن حالة من عدم التوازن في جانبي العرض والطلب، وتراجع إمدادات العديد من السلع بفعل حالات الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي شهدها العالم.
وستأتي هذه الخطوة من أجل السيطرة على ارتفاع مستويات الأسعار، ولذلك بدأ البنك المركزي الأميركي في تشديد السياسة النقدية، برفع معدلات الفائدة، وهو ما سيؤول في نهاية الأمر إلى ظاهرة "الركود التضخمي"، إذ أن رفع الفائدة من شأنه أن يبطئ عجلة النمو الاقتصادي بضغط من رفع تكلفة الاقتراض مما يؤثر سلبًا على الاستثمارات.
لينتظر العالم ما ستكشفه الأيام القادمة عن قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي والتي سيتحدد عليها الكثير والكثير خلال الفترة المقبلة.