مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل أوروبا ضحية المواجهة الاقتصادية بين أمريكا والصين؟

نشر
الأمصار

أثار قانون التضخم الذي اعتمدته الولايات المتحدة في 16 ديسمبر 2022 استياء شديدا لدى الدول الأوروبية، حيث اعتبروه تكريس لمبدأ أمريكا أولا تحت راية خفض التضخم، بهدف تشجيع الشركات المحلية والأجنبية على نقل قواعد إنتاجها نحو الولايات المتحدة والسماح للشركات الأمريكية باكتساب ميزة تنافسية على حساب الصناعات الأوروبية، ما يعني تحويل المصائب الأوربية إلى فوائد أميركية.
بدلا من أن تكون الصناعات الصينية في مرمى النيران أصبحت الصناعات الأوروبية هي في مرمى النيران تتعارض مع إعادة بايدن العلاقات بين دفتي الأطلسي التي تأثرت في عهد ترمب.
تقود فرنسا وألمانيا لمواجهة الخطة الأميركية بخصوص قانون خفض التضخم الذي خصص 430 مليار دولار على تقديم إعانات للصناعات الخضراء مثل الشركات المصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية على غرار النموذج الصيني للإعانات على أراضيها، شرط ان تصنع هذه المنتجات على أراضي الولايات المتحدة، بزيارة وزيري الاقتصاد الألماني والفرنسي إلى واشنطن قبل أن يعد الاتحاد الأوربي رده على هذه الخطة في مناسبة انعقاد قمة رؤساء دول وحكومات التكتل يومي التاسع والعاشر من فبراير.
أحد أهداف قانون التضخم الأمريكي استبعاد الشركات الصينية من سلاسل إنتاج الطاقة النظيفة التي تشكل نحو 78 في المائة من الإنتاج العالمي لخلايا البطاريات، وثلاثة أرباع المصانع الكبرى لتصنيع بطاريات الليثيوم – آيون وفقا لدراسة أجراها معهد بروكينغر في واشنطن، لم تتوقف واشنطن عند هذا الحد بل فرضت في أكتوبر 2022 قيودا على تصدير بعض المكونات اللإلكترونية إلى الصين ليوفر 53 مليار دولار لدعم إنتاج أشباه الموصلات محليا من أجل تقليل اعتمادها على الصين وفي نفس الوقت تقليل نسب البطالة التي انخفضت بالفعل على 3.4 في المائة وهي أدنى مستويات منذ 50 عاما، كما تمكن الدولار من الانتعاش إلى حد معين بعد شهور من التراجع حيث رفع الفيدرالي أسعار الفائدة مرة أخرى في نهاية يناير 2023، وإن كان بوتيرة أقل، في حين أن التضخم يتباطأ بشكل أسرع مما كان متوقعا في السابق، حيث سعت المؤسسة إلى مكافحة خفض التضخم عن طريق خفض الطلب، فإن القوة الشرائية يمكن أن تغذي الضغوط التضخمية ويؤدي بالبنك المركزي إلى إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول، ما يجعل الولايات المتحدة وجهة جذابة للاستثمارات، خاصة وأن مناطق أخرى مثل أوروبا قد تتضرر أكثر.
وضعت الحرب في أوكرانيا قواعد العولمة ليس فقط مع الصين بل حتى مع أوروبا في موضع تساؤل، وستتجه أوروبا إلى ممارسة نفس الضغط على الولايات المتحدة لأن أوروبا تعتبر الخطة معادية لأوروبا أكثر مما هي معادية للصين، ما يعني أن هناك جمودا بين الحليفين التاريخيين، وهو يثير أيضا الاستراتيجية الأوروبية تجاه الصين حيث تعتمد سلاسل الطاقة النظيفة في أوروبا على المكونات الصينية في صلب عملية تصنيع السيارات الكهربائية في القارة لتعزيز القدرة التنافسية للصناعات الأوروبية في مواجهة صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية.
فهل يستطيع بعث وزيرين من ألمانيا وفرنسا لإقناع أمريكا بأن الاتحاد الأوربي حليف لأمريكا في مواجهة الصين، وهل تقبل أمريكا أن تكون أوروبا حليف دون التخلي عن سلاسل الإمداد الصينية في الطاقة النظيفة الداخلة في صناعات السيارات الكهربائية الأوروبية التي تنافس صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية بسبب رخص المدخلات الصينية في السيارات الكهربائية الأوربية؟.
الغريب أن واشنطن تود تحرير أوروبا من الغاز الروسي، وإن كانت أوروبا هي نفسها تود من التحرر من الاحتكار الأوروبي لتصدير الغاز إليها، واستخدامه ورقة في ابتزاز أوروبا وترك روسيا تبتز أوروبا وتضم مناطق ترى أنها جزء من أمنها الأوراسي، كما حدث عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 ولم تتمكن أوروبا ولا الولايات المتحدة في ذلك الوقت منعها فقط حاولت أوروبا وبشكل خاص التوصل إلى اتفاق مينسك 1، 2.
ورغم أن هناك حرب باردة بذخيرة اقتصادية بين أمريكا والصين إلا أن الفجوة التجارية بين الجانبين لا زالت لصالح الصين، بل ارتفعت حيث تشير البيانات إلى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين في 2021 بنسبة 28.7 في المائة ليصل على 755.64 مليار دولار، وخلصت حسابات أجرتها رويترز اعتمادا على بيانات الجمارك الصينية أن فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة بلغ 34.19 مليار دولار في أكتوبر 2022 انخفاضا من 36.07 مليار دولار في سبتمبر.
رغم ذلك تواجه الدول الأوروبية منذ صعود بايدن إلى سدة الحكم في البيت الأبيض وإعلانه عن عزمه تشكيل تحالف دولي لمجابهة النفوذ الصيني، ولم تكن الحرب الروسية في أوكرانية سوى الضغط على أوروبا للاستجابة للمطالب الأمريكية لحاجتها في مواجهة روسيا في أوكرانيا، ما يعني أن الدول الأوربية تواجه ضغوطا من الإدارة الأمريكية لتقليل وتيرة علاقتها بالصين لا سيما على الصعيد الاقتصادي.
بالفعل بعد توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية شاملة بين الاتحاد والصين بعد سبع سنوات في ديسمبر 2020 إلا أنه في مايو 2021 تم تجميد عملية التصديق الأوروبي على الاتفاق بسبب معارضة البرلمان الأوروبي لتفعيل الاتفاقية والتي تتيح للشركات الأوروبية الوصول إلى الأسواق الصينية، وتعزز من الاستثمارات الصينية في أوروبا التي لا زالت ضئيلة تمثل فقط 5 في المائة من إجمالي الاستثمار الأجنبي في أوروبا، وكان السبب وراء التجميد هو ازدياد المخاوف الأوروبية مما يطلق عليه التحول الاستبدادي للنظام الصيني، وهو ما يعكس بشكل واضح صعوبة إبقاء المصالح الاقتصادية الأوروبية منفصلة عن المخاوف السياسية.
هناك تخوف من التبعية لواشنطن، فقد أكد زعيم حزب الشعب الأوروبي مانفريد ويير الذي يعد أكبر فصيل في البرلمان الأوروبي على ضرورة ان تعمل أوروبا على توحيد مواقفها مع الولايات المتحدة تجاه الصين، وذلك للدفاع عن المصالح المشتركة، لكن هناك أصواتا معارضة لهذا التوجه خاصة في ألمانيا وفرنسا حيث يرى بعض المحللين الأوروبيين أنه يتعين على أوروبا أن تتخذ مسارا منفصلا عن واشنطن تجنبا لأن تصبح أوروبا تابعة للولايات المتحدة، ما يعني أن هناك انقسام أوروبي حول بكين خصوصا مثل اليونان والمجر وإيطاليا والبرتغال وصربيا لا ترى في الصين في صعودها خطر عليها.
الفلسفة الاقتصادية للاتحاد الأوربي التي عبرت عنها أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية من دافوس 2023 أكدت أن التخلص من مخاطر الاقتصاد الصيني من ناحية المبادئ التنظيمية ليست سيئة، وهي أفضل من استراتيجية الاستقلال الغامضة أو السياسة التجارية المخادعة المتمحورة حول العمال للولايات المتحدة، وأكدت أن الاتحاد الأوروبي حاول منذ أعوام الوصول إلى أرضية مشتركة والتشبث بها، رغم استخدام سلطات أمريكا لفصل اقتصادها عن اقتصاد الصين من غير الواضح إلى أي مدى ينجح، بينما سجلت البضائع الأمريكية الصينية الإجمالية رقما قياسيا في 2022، بل إن الصين اتجهت إلى الرد على أمريكا التي حاولت تقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا الرقائق المتطورة، باكتشاف الولايات المتحدة بالون جاسوس صيني فوق أراضي الولايات المتحدة.
في الجانب الآخر اتسمت أوروبا بالسماح باستمرار التدفق التجاري مع الصين بشكل أساسي، مع ذلك تحاول بروكسل تكافح لبناء أدوات لتقليل الاعتماد الخطير المتصور على التجارة الصينية، وبشكل خاص في التكنولوجيات الحساسة ذات التطبيقات العسكرية والأمنية، وعندما يكون هناك تهديد واضح يمكن للاتحاد الأوربي أن يتصرف بسرعة وبالوحدة والتنسيق مع واشنطن كما حدث مع روسيا بعد حرب أوكرانيا راوحت بين أشباه الموصلات ومحركات الغواصات، اتخذت فرنسا على وجه الخصوص منع الشركات الصينية المدعومة من الدولة في الصين أن تنتج في أوروبا أو تقدم عطاءات لعقود المشتريات العامة.