د. انمار الدروبي يكتب: الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي!
يستخدم مفهوم النظام الدولي في مجال العلاقات الدولية، فهو يمثل نمط التفاعل بين الفاعلين الدوليين في كافة المجالات، وتكمن أهمية النظام الدولي كونه البيئة التي تتم فيها العلاقات الدولية، باعتبار إن الفاعلين الدوليين هم أصحاب القوة والنفوذ، وبتغيير أصحاب القوة والنفوذ يتغير شكل النظام، حيث يمكن القول إن السلام العالمي يرتبط بمدى فعالية النظام الدولي وتأثيره. وكما يشير مصطلح النظام الدولي إلى نمط الأنشطة أو مجموعة التدابير التي يتميز بها السلوك المتبادل للدول، سياسيا، دبلوماسيا، عسكريا، اقتصاديا بالإضافة إلى الناحية القانونية، وهذا يمثل الأساس في منهج العلاقات الدولية.
تُعد الفوضوية سمة من سمات النظام الدولي، وهي علم وفن وفلسفة سياسية أمريكية عملت على تحويل المجتمع الدولي إلى حالة اللانظام. وبالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ومازالت لها العديد من الاستراتيجيات بعد الحرب العالمية الثانية سُميت بأسماء الرؤساء على سبيل المثال لا الحصر (مبدأ ترومان عام 1947، مبدأ آيزنهاور عام 1957، مبدأ نيكسون 1971، مبدأ كارتر 1980، إضافة إلى استراتيجية الاحتواء واستراتيجية الحرب الباردة، واستراتيجية الانتقام الشامل، ومبدأ الدفاع الاستراتيجي) إلا أن من خلال استعراض هذه الاستراتيجيات منذ فترة الحرب الباردة وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، تبين أن استراتيجية الفوضى هي الأساس لدى صانع القرار السياسي الأمريكي، وذلك عن طريق التدخلات العسكرية نتيجة لامتلاك القوة والتفوق العسكري والتكنلوجي وسياسة الأحلاف العسكرية وما حصل في العراق وليبيا خير دليل على الفوضوية.
الجدير بالذكر أن نظرية (الفوضى الخلاقة) هي من أخطر النظريات التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في استراتيجيتها تجاه العالم عموما والوطن العربي خصوصا. ولكن بعيدا عن نظرية الفوضى الخلاقة نجد أن الاستراتيجيات التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ بزوغ نجمها بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والتفرد بالنظام الدولي كما ذكرنا آنفا، هي استراتيجة الهيمنة العالمية وفقا لرؤيتها الجديدة ألا وهي (الفوضوية) تلك الرؤية التي تتناوب علها كل الإدارات الأمريكية بين جمهوريين وديمقراطيين. من هنا فإن مخاض هذه الاستراتيجية وتداعيات تطبيقها على النظام الدولي يتجسد فيما يشهده العالم من صراعات داخلية وخارجية وعلى أسس قومية وطائفية وعرقية ما هي إلا نتاج لهذه الاستراتيجية التي تستهدف حفظ المصالح الأمريكية في العالم.
لقد قدمت الأدبيات الفكرية ونظريات العلاقات الدولية وفقا للنماذج التاريخية على أن الفوضوية نموذجا ضد الاستقرار بأوجهه المختلفة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل أنه يعكس منظورا نفعيا ماديا، لأن الفوضوية عملية تراكمية في الزمان والمكان في منظومة قيم النسق اللاأخلاقي وفق رؤية تعي ما هي الأزمات والتداعيات السلبية على النظام الدولي برمته. لاسيما أن استخدام مصطلح الفوضوية لتوصيف ما يجري عالميا يحيل إلى نموذج حالة غياب السلطة المركزية بالمعنى الرسمي، بيد أن حالة الفوضى على المستوى الدولي الراهن والتحولات الاستراتيجية الجارية التي عرفها العالم تستدعي وضعها ضمن إطار منهجي ومعرفي يسعى لتفكيك بعض دلالاتها وأبعادها، بمعنى يجب أن يكون هناك نموذج تفسيري بهدف فهم ظاهرة الفوضى في إطار سياقها السياسي والاجتماعي والثقافي، وهذا بالضبط ما حاولت تفسيره نظريات العلاقات الدولية وأبرزها (النظرية الواقعية) وبالتحديد الواقعيون الجدد، تلك النظرية التي تستند إلى الواقعية السياسية من خلال الاعتماد على التاريخ والتضارب في المصالح الذي قد يقود إلى الحروب، وكذلك حتمية الصراع.
في السياق ذاته من الخطأ التعامل مع الفوضوية على أنها نموذج واحد في كل زمان ومكان على غرار ما وقع من التجارب السابقة التي أحدثت بصمات واضحة وعلامات فارقة في تاريخ النظام السياسي الدولي وتاريخ البشرية، كما حصل في أفغانستان مثلا وغيرها، ليتم قياس نجاح الفوضى أو فشلها على مدى تطابقها مع هذه الأنماط. كذلك أن جزء من التوظيف الصحيح للمشهد الفوضوي العالمي الراهن هو دخول معطى اللاوعي المجتمعي بما يحمله من نظرة متميزة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها الفاعل الوحيد والأساس والقوة المؤثرة الوحيدة في التغيرات الاجتماعية.
وفقا لما تقدم كانت أهم إنجازات الفوضوية هي تدمير وهدم العقائد والأفكار وهدم القيم والأخلاق والتقاليد، حيث بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهدا كبيرا في نشر الفوضى بالعالم في ظل استراتيجية مرنة خاضعة لمناهج علمية ونفسية تسير الفوضى خطوة بخطوة. وبذلك لم تعد الفوضوية مجرد استراتيجية فحسب، وإنما هو أسلوب حياة يجب أن يطاع.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع.