مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أدهم إبراهيم يكتب: الوضع الاقتصادي المتدهور في العراق

نشر
الأمصار

عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة والسنوات اللاحقة ، اعتمد العراق في موازناته على تصدير المنتجات الزراعية، وخصوصا التمور والحبوب والقطن.

حتى الخمسينات من القرن الماضي عندما بدأت عوائد إنتاج النفط تزداد فتم توجيه الفائض منها في المشاريع الصناعية بشقيها الاستخراجية والتحويلية والزراعية.

وقد تمكن مجلس الاعمار "الذي انشئ لهذا الغرض" من إنجاز عدد من المشاريع الخدمية والصناعية ، وعدد من السدود ، مثل سدة الكوت والهندية والثرثار، ودوكان ودربنديخان ، وبخمة وغيرها ، وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للصناعة . وقد تم تأسيس العديد من المعامل والمصانع مثل الأسمنت والسكر والنسيج والمواد الغذائية وغيرها.

كما تم دعم القطاع الخاص للنهوض بهذه المهمة ايضا . فانشأ اتحاد الصناعات العراقي لحماية وتطوير الصناعة ومستلزماته.

وتنامت مشاريع القطاع الخاص لغاية الستينات من القرن الماضي عندما اقدمت الحكومة على تأميم المشاريع الصناعية،  تنفيذا للنهج الاشتراكي الذي حاولت تطبيقه آنذاك ، فصدر قانون رقم 99 لسنة 1964 بتأميم الشركات الأهلية العراقية، مثل: شركات الإسمنت والصناعات العقارية وشركات الغزل والنسيج، والسجاد والزيوت والمنظفات، والدخان والجلود وغيرها. 

وبعدها تم إنشاء اكثر من 1200 مشروع صناعي في القطاع العام في المحافظات كافة ، اضافة الى التصنيع العسكري.

كما تم دعم القطاع الخاص بالقروض والقوانين لتسهيل عمله فانشئت عشرات المعامل المتوسطة والصغيرة استوعبت الكثير من الايدي العاملة.

وقد عرفت كل الحكومات السابقة اهمية الصناعة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، حتى جاء الاحتلال الامريكي عام 2003 . وتكليف السفير بول بريمر بالادارة المدنية ، الذي قرر تخفيض الرسوم الجمركية على جميع السلع المستوردة إلى 5% . وهذه اول خطوة في اضمحلال وتدهور الصناعة العراقية ، مع انهيار المنظومة الكهربائية.

وعند سيطرة الاحزاب وبعض الساسة على التجارة والاستيراد من خلال العديد من الشركات التجارية، تم القضاء على ماتبقى من المصانع التابعة للدولة وتسريح عمالها ، كما تم اهمال مشاريع القطاع الخاص الذي كان يحظى برعاية ودعم الدولة.

لقد تم تدمير الصناعة العراقية بشكل كامل اكثر من اي شئ في العراق

واعترف وزير الصناعة عام 2016 أن “هناك مؤامرة على الصناعة الوطنية في العراق أطرافها إقليمية ودولية وداخلية مستفيدة، مبينا أن هذه الأطراف استثمرت انفتاح العراق بعد 2003 وحاجتنا لمختلف السلع والمنتجات، حيث قمنا بفتح أسواقنا بشكل غير مدروس وأوقفنا هذا الكم الهائل من المصانع والمعامل”.

لقد ساعدت كثير من الدول الاقليمية على تدمير الصناعة بقطاعيها العام والخاص لتسهيل صادراتها الى العراق، فزادت البطالة لعدم امكانية استيعاب العدد الكبير من القوى العاملة في وزارات ومؤسسات الدولة الادارية والخدمية.

يعتمد الاقتصاد السليم على نشاط القطاع الصناعي . وكانت الصناعة على الدوام مفتاح الازدهار وتقدم الشعوب.

لكن الحكومات المتعاقبة في العراق بعد 2003 عملت على تأكيد التوجه الريعي للاقتصاد العراقي، من خلال اهمال الصناعة والزراعة والاعتماد على موارد تصدير النفط . حيث تشكل ايرادات النفط حوالي 90% من اجمالي الميزانيات ، مما اخلت بالوضع الاقتصادي للبلد نتيجة التراجع الكامل للانتاج المحلي غير النفطي، وقـد أسهم هذا التوجه بالتبعية الاقتصادية وتسبب في كثير من الازمات المالية والاجتماعية نتيجة زيادة نسب الفقر والبطالة . وبالتالي زيادة معدلات الجريمة والعنف وتعاطي المخدرات والتفكك الاسري ونمو الميليشيات المسلحة.

وعلى وفق بيانات وزارة الصناعة المنشورة فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة.

إن وجود كميات كبيرة من احتياطات النفط والغاز في العراق لايمكن ان يكون بديلا عن الصناعة والزراعة . حيث ان تصدير النفط وحده سوف لن يكون كافيا لتغطية الموازنات ، فهناك بدائل كثيرة للطاقة يجري العمل عليها في دول العالم المتقدم ، مما سيقلل الاعتماد على النفط الخام.

وهذا يتطلب اعادة تنشيط مصانع القطاع العام ، وتشجيع القطاع الخاص ودعمه ، لكونهما البوابة الرئيسة لاي اقتصاد رصين، كما انهما يوفران المزيد من الوظائف لتشغيل الايدي العاملة وتقليل مستوى البطالة الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر.

إن انعاش الصناعة في القطاعين العام والخاص يتم من خلال رسم سياسة اقتصادية شاملة وواضحة للنهوض بهذه المهمة، والعمل على تأهيل وإعادة تشغيل مصانع القطاع العام المتوقفة . مع توفير المسلزمات الاساسية للقطاع الخاص ودعمه بكل الوسائل.

إن الوضع الاقتصادي المتدهور الان نتيجة الفساد المستشري ، وماتبعه من التخبط السياسي والاقتصادي سيفاقم من معاناة الشعب ، ويحتاج الى قرارات جريئة ومهمة لإصلاح السياسة الاقتصادية الحالية .

وبخلاف ذلك سيواجه البلد سخطاً شعبياً متزايدا قد يصل الى حد الانفجار.

 

*المقال يعبّر عن وجهة نظر كاتبه فقط ولا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع