بعد عام.. كيف أثرت الحرب الأوكرانية على اقتصاديات العالم والدول العربية
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير/شباط 2022، وتسببت في أزمات متعددة خاصة فيما يتعلق بالغذاء والطاقة، وارتفاع الأسعار بشدة مع اختلال سلاسل التوريد.
لم تسبب الحرب في تعطيل طرق التجارة وسلاسل التوريد وطرق التجارة فحسب، بل أدى أيضًا إلى انخفاض النشاط الاقتصادي في أوكرانيا وروسيا والتأثير على اقتصاديات العالم ودول شرق المتوسط.
إذ تعد روسيا من بين أكبر اقتصادات التصدير لامتلاكها أكثر من 30 بالمائة من الموارد الطبيعية في العالم، لذا تشارك بنسبة كبيرة في التجارة الدولية وصلت إلى 789.4 مليار دولار خلال 2021، أي زيادة نسبتها 37.9 بالمائة عن عام 2020، وبلغت صادرات السلع من روسيا 493.3 مليار دولار، بواقع زيادة سنوية 45.7 بالمائة، مقابل وصول وارداتها إلى 296.1 مليار دولار، بواقع زيادة سنوية 26.5 بالمائة.
وتتجه الصادرات الروسية إلى العديد من دول العالم، وتتمثل هذه الصادرات في البترول الخام والمكرر، والغاز الطبيعي، والفحم، والحديد، والألومنيوم، والحبوب من القمح والذرة، بالإضافة إلى الذهب والماس والنحاس وغيرها لذا يلعب قطاع التصدير دورا مهما في اقتصاد روسيا، ودورا مهما في اقتصاد الدول المعتمدة عليها في توفير السلع الأولية وسد احتياجات سكانها.
أما أوكرانيا فقد بلغ حجم تجارتها الدولية عام 2021 نحو 102.9 مليار دولار من السلع المتبادلة مع البلدان في جميع أنحاء العالم، وبلغت صادراتها نحو 68.24 مليار دولار. وتتمثل صادرات أوكرانيا في الحبوب مثل الشعير والقمح والذرة، بالإضافة إلى الصلب والفحم والوقود والمنتجات البترولية، والكيماويات والآلات ومعدات النقل.
وقالت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وهي منظمة حكومية تضم 38 دولة، وتعتبر تجمعا للاقتصادات المتقدمة مقرها باريس، إن تكلفة تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي تقدر بحوالي 2.8 تريليون دولار بنهاية العام المقبل.
وتسببت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطاقة، مما أضعف إنفاق الأسر وقوض ثقة الأعمال التجارية، وفاقم خلل سلاسل التوريد، وتسبب في نقص الغذاء والضروريات الأخرى، وهز الأسواق في جميع أنحاء العالم.
أزمة الغذاء والطاقة في الدول العربية
بحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء وأسعار الطاقة وغيرها ارتفاعات متواصلة لا تتوقف في عدة دول - خصوصاً لبنان وسوريا ومصر وتونس والمغرب - في ظل حالة تضخم مقلقة للغاية لا تتوقف، ويبدو أن الدول قد فشلت في التصدي لها، برأي خبراء.
وبحسب تقارير للبنك الدولي، تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق المعرضة بشكل خاص للصدمات التجارية بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية.
إذ يعتبر القمح عنصرًا غذائيًا رئيسيًا ومصدرًا رئيسيًا للسعرات الحرارية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتمثل واردات القمح حوالي 60 في المائة من إجمالي المعروض من القمح في مصر، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم.
ويأتي نحو 85 بالمائة من واردات مصر من القمح من روسيا وأوكرانيا، وأيضاً تعتمد السودان واليمن بشكل كبير على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
يقول برنامج الأغذية العالمي إن مستوى الجوع في اليمن بلغ حداً غير مسبوق منذ بدء الصراع في عام 2015. ويستورد اليمن أكثر من 50 في المائة من إمدادات القمح من منطقة البحر الأسود. وفي سوريا والعراق، أدى غزو أوكرانيا إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية أصلا، كما تسبب انقطاع إمدادات القمح والمواد الغذائية الأساسية الأخرى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية في سوريا، وتسبب في احتجاجات بالشوارع في العراق.
في بداية عام 2022، عانى ما يقرب من 60 في المائة من سكان سوريا من انعدام الأمن الغذائي. وتستورد سوريا ثلثي إمداداتها الغذائية والنفطية، ويأتي معظم قمحها من روسيا، بحسب ما ذكر مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا.
وفي تونس، تخطط الحكومة لزيادة أسعار الوقود المحلية في المضخة بشكل كبير كل شهر في عام 2022، مما يضع ضغوطًا جديدة على الأسر التي تضررت بالفعل من ارتفاع التضخم والانخفاض الحاد في الدخل القومي في عام 2020. ويخشى خبراء من أن التضخم وغيره من المصاعب المتفاقمة خصوصاً مع التوترات السياسية الداخلية قد تصبح عوامل مؤدية إلى زيادة عدم الاستقرار في تونس.
يذكر أن وزارة الزراعة الأمريكية أفادت سابقاً أن المزارعين التونسيين قاموا بزراعة عدد أقل من الأفدنة من محاصيل الحبوب في أوائل عام 2022 بسبب عدم اليقين الاقتصادي، ما ساهم في تعميق الأزمة.
التضخم
شهد العالم على مدار عام 2022 واحدة من أقسى الموجات التضخمية على مدار العقود الماضية نتيجة تعدد الأزمات التي يمر بها الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى ارتفاع التضخم العالمي وفقا لصندوق النقد الدولي إلى 8.8 بالمائة في عام 2022، وهو أعلى مستوى للتضخم على مدار ربع قرن، وارتفعت معدلات التضخم في نصف دول العالم إلى 10 بالمائة أو أكثر، وبلغت مستوى 100 بالمائة أو أكثر في بعض الدول.
وسجلت الأسعار العالمية للعديد من السلع، خاصة الغذاء والطاقة، ارتفاعات قياسية خلال عام 2022، حيث ارتفعت أسعار الطاقة وفقا للبنك الدولي بنسبة بلغت نحو 59 بالمائة، ووفقا لمنظمة الفاو ارتفعت الذرة بنسبة بلغت نحو 25 بالمائة، والألبان بنسبة بلغت نحو 20 بالمائة، والحبوب بنسبة بلغت نحو 18 بالمائة، والقمح بنسبة بلغت نحو 16 بالمائة.
كما تسبب استمرار العمليات العسكرية في حدوث انتكاسة للتعافي الاقتصادي الذي أعقب جائحة "كوفيد - 19"، ما أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة نتيجة تعطل سلاسل التوريد من روسيا وأوكرانيا، وتفاقم تضخم أسعار الغذاء على مستوى العالم، ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي تقرير مماثل للبنك الدولي صدر نهاية العام الماضي، أكد أن الاقتصاد العالمي يعاني من الضعف بسبب الحرب من خلال الاضطرابات الكبيرة في التجارة وصدمات أسعار الغذاء والوقود، وكلها عوامل أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وما يليها من تشديد في أوضاع التمويل العالمية.
وأشار التقرير إلى أن نشاط منطقة اليورو -أكبر شريك اقتصادي للاقتصادات الصاعدة والنامية في أوروبا وآسيا الوسطى- قد شهد تدهورا ملحوظا في النصف الثاني من عام 2022، جراء تعثر سلاسل الإمداد، وزيادة الضغوط المالية، وتراجع ثقة المستهلكين ومؤسسات الأعمال، غير أن الآثار الأكثر ضررا للغزو هي ارتفاع أسعار الطاقة في خضم انخفاضات كبيرة في إمدادات الطاقة الروسية.
ارتفاع الدولار
اعتبرت الأمم المتحدة في تقرير لها بعنوان "الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه لعام 2023" أن الاقتصاد العالمي قد تضرر من العديد من "الصدمات الشديدة" خلال عام 2022 بفعل الحرب الروسية وأزمة جائحة كورونا، حيث شهد زخم النمو في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاقتصادات المتقدمة الأخرى تراجعا كبيرا عام 2022، مما كان له العديد من الآثار على بقية الاقتصاد العالمي.بالإضافة إلى ذلك، أدت الأوضاع المالية العالمية إلى جانب ارتفاع قيمة الدولار إلى تفاقم مواطن الضعف المالية والدين في البلدان النامية، كما شهدت معظم البلدان النامية انتعاشا أبطأ للوظائف عام 2022، وما زالت تواجه ركودا كبيرا في التوظيف.
وأشار التقرير الأممي إلى أن عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد قد تضاعف عام 2022، حيث وصل إلى ما يقرب من 350 مليون شخص.
ودعا التقرير الحكومات إلى تجنب التقشف المالي الذي من شأنه أن يعيق النمو ويؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفا، وأوصى بإعادة تخصيص وترتيب أولويات النفقات العامة من خلال تدخلات سياسية مباشرة، من شأنها خلق فرص العمل، وتنشيط النمو من خلال تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية، وضمان استمرار الدعم من خلال الإعانات الموجهة والمؤقتة، والتحويلات النقدية، والخصومات على فواتير الخدمات، والتي يمكن استكمالها بتخفيضات في ضرائب الاستهلاك أو الرسوم الجمركية.
وشدد على ضرورة إيجاد التزام دولي أقوى لتوسيع الوصول إلى المساعدة المالية الطارئة من أجل إعادة الهيكلة وتخفيف أعباء الديون عبر البلدان النامية، وتوسيع نطاق تمويل أهداف التنمية المستدامة.