بعد سنوات من الانقطاع.. حفاوة عربية ودولية بعودة العلاقات بين السعودية وإيران
أعلنت إيران والمملكة العربية السعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بينهما مره أخرى؛ من خلال إعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، وتم التوصل إلى هذا الاتفاق إثر مفاوضات استضافتها الصين.
وتضمن البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) ووكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية، أنه إثر مباحثات "تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".
وأوردت وكالة إرنا الإيرانية، أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني أجرى محادثات مكثفة مع نظيره السعودي في الصين "من أجل حل المشكلات بين طهران والرياض بشكل نهائي".
وجاء البيان تتويجاً لمحادثات جرت في بكين واستمرت أربعة أيام من السادس إلى العاشر من مارس ولم يكشف عنها، ومن المقرر أن يلتقي وزيرا الخارجية لكلا البلدين لتنفيذ هذا القرار وإجراء التمهيدات اللازمة لتبادل السفراء .
ويستعد الوزيران لمناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 22/1/1422هـ، الموافق 17/4/2001م والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 2/2/1419هـ الموافق 27/5/1998م.
وأعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وتضمن البيان الثلاثي تأكيد البلدين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، على أن يعقد وزيرا خارجية البلدين اجتماعا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما عام 2001.
ووقع على البيان الثلاثي المشترك كل من: علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني السعودي، ووانغ يي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية ومدير المكتب للجنة الشؤون الخارجية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
أسباب الصراع الطويل الأمد بين البلدين
ويعود قطع العلاقات بين البلدين إلى العديد من الأسباب والتي كان أخرها في عام 2016، عندما هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعيا معارضا يُدعى نمر النمر.
وشهدت الثمانينات من القرن العشرين تنامي التوترات بين السعودية وإيران؛ إذ دعمت السعودية نظام صدام حسين كما أنه في أعقاب الاشتباكات الدامية التي شهدها موسم الحج في عام 1987 والتي انتهت بمقتل مئات من الحجاج الإيرانيين أوقفت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على مدى ثلاث سنوات.
ومن العلامات الفارقة في تطور العلاقة بين البلدين غزو العراق من طرف القوات التي قادتها الولايات المتحدة، والإطاحة بنظام صدام حسين، وإقامة حكومة هيمن عليها زعماء الشيعة في جوار الرياض.
وشهد الربيع العربي دعم إيران لحليفها الرئيس السوري بشار الأسد في حين دعمت السعودية قوى معارضة عندما تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى حرب أهلية.
وساعدت القوات السعودية في البحرين في إخماد الاحتجاجات المناوئة للحكومة التي نظمتها الأغلبية الشيعية هناك.
وشعرت السعودية بالتهديد عندما أبرمت إيران اتفاقا نوويا السنة الماضية مع مجموعة 5+1؛ إذ خشيت من أن تخفيف العقوبات عن طهران سيُمكِّنها أكثر فأكثر من دعم المجموعات الشيعية في الشرق الأوسط.
إذا أضفت إلى هذه الوقائع الغضب الإيراني بسبب موت حجاج إيرانيين خلال تدافع شهده موسم الحج الماضي، والسياسة الخارجية السعودية الأكثر حزما منذ تولي الملك الحالي مقاليد الحكم، فإن إعدام الشيخ نمر النمر يصبح مجرد حلقة أخيرة في مسلسل الصراع الطويل الأمد بين البلدين.
وللخفض من حدة هذه الصراعات، بدأت المشاورات بين البلدين من اجل عودة العلاقات بين الرياض وطهران من جديد لفتح صفحة جديدة في مجالات التعاون بين البلدين.
ترحيب سعودي وإيراني
وفي هذا الصدد، قال مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان "يأتي ترحيب قيادة المملكة بمبادرة فخامة الرئيس شي جين بينغ انطلاقاً من نهج المملكة الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات ".
من جهته، أكد نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان على تويتر "يأتي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة".
وتابع "يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سويا لبناء أنموذجٍ للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: "السياسة مع دول الجوار، كونها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح والجهاز الدبلوماسي يعمل بنشاط للتحضير لمزيد من الخطوات على الصعيد الإقليمي".
وبعد الإعلان عن هذه الخطوة وإجراء الاتفاق، رحبت عدة دول عربية، بإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، خلال مدة أقصاها شهران، بعد قطيعة استمرت قرابة 7 سنوات.
وأعلنت كل من مصر، وسلطنة عمان، والعراق، والإمارات، والبحرين، وقطر، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في بيانات منفصلة الترحيب بالخطوة.
ترحيب مصر بعودة العلاقات
ورحبت مصر بالخطوة في بيان صادر عن وزارة الخارجية، جاء فيه أن القاهرة "تأمل أن يسهم اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في تخفيف حدة التوتر بالمنطقة".
وأكدت مصر، أن هذا الاتفاق يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومي العربي، وتطلعات شعوب المنطقة في الرخاء والتنمية والاستقرار".
عُمان والإمارات وقطر : خطوة لدعم استقرار المنطقة
قال وزير خارجية عمان بدر البوسعيدي، إن بلاده ترحب "بنتائج المحادثات التي استضافتها الصين بين الأشقاء في السعودية وإيران واتفاقهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية وتفعيل التعاون الأمني والاقتصادي والثقافي. نؤمن بأن هذه الخطوة ستعزز الأمن والاستقرار في المنطقة وتعمل على توطيد العلاقات بين الدول والشعوب".
فيما كتب المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش، على تويتر "نرحب بالاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ونثمن الدور الصيني في هذا الشأن. الإمارات مؤمنة بأهمية التواصل الإيجابي والحوار بين دول المنطقة نحو ترسيخ مفاهيم حسن الجوار والانطلاق من أرضية مشتركة لبناء مستقبل أكثر استقرارا للجميع".
وفي قطر، أجرى رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي يشغل أيضا منصب وزير الخارجية، اتصالين بنظيريه الإيراني والسعودي للترحيب بالاتفاق.
ومن جانبها، أفادت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، بأن العراق "رحب بفتح صفحة جديدة بين إيران والسعودية بعد أن اتفقت الدولتان الجارتان على إعادة العلاقات".
كما أعربت وزارة الخارجية البحرينية عن ترحيب المملكة بالبيان الثلاثي المشترك باتفاق السعودية إيران، وبرعاية من الصين، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وعلى نحو مماثل، رحبت الرئاسة الفلسطينية، اليوم الجمعة، بالاتفاق السعودي الإيراني لاستئناف العلاقات بين البلدين.
ترحيب السودان بعودة العلاقات
رحبت الخارجية السودانية، باستئناف العلاقات بين السعودية وإيران، وفق وكالة الانباء السودانية.
وقال البيان السوداني: رحبت وزارة خارجية السودان بالبيان الثلاثي المشترك الذي صدر ببكين بين ممثلي حكومات كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية والصين الشعبية، والذي قضى بإستئناف وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.
وثمنت الوزارة، الجهود الدبلوماسية وإنتهاج مبدأ الحوار المباشر بين البلدين، وترسيخ مفاهيم حسن الجوار، وتقدر عالياً الجهود المخلصة لدول الوساطة وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية الصديقة، التي أسهمت في الوصول إلى أرضية مشتركة وتقريب وجهات النظر بين البلدين وتغليب المصالح المشتركة، والتي ستنعكس حتما آثارها الإيجابية على مجمل الأوضاع الإقليمية حاضراً ومستقبلاً.
ترحيب دولي بعودة العلاقات بين الرياض وطهران
ومن جانبه، رحب الاتحاد الأوروبي باتفاق المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وقال المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي في بروكسل بيتر ستانو - في بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس)، اليوم السبت، إن الاتحاد الأوروبي يثمن الجهود الدبلوماسية التي أدت إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ مما يسهم في استقرار المنطقة ككل، مضيفًا أن تعزيز السلام والاستقرار والحد من التوترات في الشرق الأوسط تعد من الأولويات الرئيسية للاتحاد الأوروبي.
وأكد المتحدث استعداد الاتحاد الأوروبي للتعامل مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة بشفافية كاملة.
وبدورها، قالت وزارة الخارجية التركية في بيان: "نرحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المملكة العربية السعودية وإيران في بكين في 10 مارس، والذي ينص على إعادة العلاقات الدبلوماسية. نهنئ إيران والمملكة العربية السعودية على هذه الخطوة المهمة التي اتخذوها تماشيا مع عمليات التطبيع التي سادت منطقة الشرق الأوسط منذ فترة، ونعتقد أن هذا التقدم في العلاقات بين البلدين سيسهم بشكل كبير في أمن واستقرار وازدهار منطقتنا"
وثمنت الرئاسة، الدور الصيني الإيجابي الذي أسهم في التوصل لهذا الاتفاق، آملة أن يؤدي ذلك إلى استقرار وتعزيز المناخ الإيجابي في المنطقة.
وبدورها، رحبت منظمة التعاون الإسلامي اليوم باتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وعبرت عن الأمل في أن يعطي الاتفاق دفعة جديدة للتعاون بين أعضاء المنظمة.
شرط واحد لضمان جدية طهران
ولضمان استكمال هذا الاتفاق بين البلدين، اعتبر محللون أن الاتفاق السعودي الإيراني، الذي جرى بوساطة صينية، يساعد على تهدئة الأمور في المنطقة، وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط.
قال المحللون، إن الضمانة الصينية ستكون النقطة الجوهرية في جدية طهران بتنفيذ التزاماتها من عدمها.
وذكروا، أن الملف اليمني سيكون الاختبار الحقيقي الأول لهذه الاتفاقية، ففي حال شهد تحسناً خلال الشهرين القادمين، ستتوالى خطوات في ملفات إقليمية أخرى أكثر تعقيداً.
في أسوأ السيناريوهات، فعدم التزام طهران بالاتفاق الأخير، سيعود بالأمور إلى سابق عهدها.
وتابع: «المؤشر هو اليمن، فإذا حصل تطور يمكننا التفاؤل لخطوات أخرى، هناك تعقيدات مختلفة في الملفات الأخرى، لكن إذا تحقق هذا المؤشر قد تكون هناك خطوات أخرى، وقد تستغرق سنوات».
ولفت، محللون، إلى أن الاتفاقية التي أُعلنت تتعلق بالتدخلات الإيرانية في الشأن السعودي، سواء بشكل مباشر أو عبر الميليشيات ومحور إيران في المنطقة.
وذكروا، إن أمن المملكة هو الأمر الأول الذي تم النص عليه وإعلانه، «لكن لا أستبعد أن تكون سياسات إيران بزعزعة الأمن في المنطقة قد وُضعت على الطاولة، خاصة أن الأمن الخليجي والعربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن المملكة، لا سيما أمن الممرات البحرية ».
وأشاروا إلى أن وجود الصين كضامن للاتفاق أمر مرتبط بعلاقاتها القوية مع الطرفين، وكذلك مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، قائلاً: «الصين لها علاقة قوية بالطرفين، وبالتالي يمكن أن تكون ضامناً للاتفاق، ولها مصلحة مباشرة في المنطقة؛ لأن معظم وارداتها من الطاقة من الخليج، والممرات البحرية في المنطقة تهمها بشكل مباشر، ولها مصلحة استراتيجية كبيرة في استقرار المنطقة وتحسين العلاقة بين أطرافها».