د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها على الدول العربية
انطلقت فعاليات المؤتمر الدولي الافتراضي الأول بشأن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الدول العربية يومي 17 -18 مارس 2023 برعاية جامعة سليمان الدولية بالشراكة مع جامعات عربية، تشرفت بترؤس الجلسة الخامسة، ويحسب للجامعة أنها كانت سباقة إلى هذه الخطوة التي لم تقم بها أي جامعة عربية تقليدية في المنطقة العربية، خصوصا وأن هذه الحرب هي بمثابة حدث القرن بين قوى مجلس الأمن، ليست هي على غرار بقية الصراعات الأخرى، وهي لا تختلف عن الحرب التي قامت بها أمريكا في احتلال العراق بعيدا عن الحصول على قرار من الأمم المتحدة.
كانت الولايات المتحدة سعيدة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وبدأت مرحلة القطب الأوحد، وظهرت نظريات عديدة تمجد القطب الأوحد، منها نهاية التاريخ لفكوياما الذي اكتشف فيما بعد أن نظريته ليست صحيحة، وكتب كتاب آخر ما بعد نهاية نهاية التاريخ، وظهرت نظرية أخرى نظرية صراع الحضارات لهنتجتون والتي كان لها صدى كبير لدى صقور البيت الأبيض التي بدأت في عهد بوش الابن الذي خاض احتلال أفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر التي دشنت لهذه الحرب والتي عارضتها السعودية بشدة، وكذلك شيراك، ما عدا بريطانيا التي شاركت الولايات المتحدة في هذه الحرب الظالمة التي أبادت شعوب.
حتى أن أمريكا أرسلت مندوبا لها ليخبر الملك عبد الله رحمه الله من أن أمريكا هي من منحت السعودية الحكم إذا لم توافق على استخدام أراضيها في الحرب على العراق، ولكن الملك عبد الله رفض استخدام الأراضي السعودية، حتى أن الملك عبد الله رحمه الله قال كلمة تسجل في التاريخ عندما أعلن أنه يرفض أي دعم تتلقاه السعودية من الولايات المتحدة للمشاركة معها في تدمير شعوب المنطقة.
أكد نفس هذه الرؤية الملك سلمان حفظه الله وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حينما تم الرد على ترمب الذي أيضا اعتبر أن الحكم في السعودية لولا أمريكا لما صمد أسبوع واحد، رفضتها السعودية حتى لو كانت مثل تلك التصريحات انتخابية، ردت السعودية على ترمب من أن الكيان السعودي نشأ في 1727 قبل نشوء كيان الولايات المتحدة نفسها في 1776 عندما استقلت المستعمرات في الرابع من يوليو باسم الولايات المتحدة بقيادة الجنرال جورج واشنطن في الحرب الثورية التي قادها في الاستقلال عن بريطانيا، بينما السعودية لم تكن مستعمرة نهائيا، ورفضت دول المنطقة مشروعي الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد.
بعد غزو أفغانستان والعراق اكتشفت أمريكا أن تكاليف الهيمنة الأمريكية العالمية مرتفعة التكاليف، فاتجهت أمريكا إلى خلق الفوضى في المنطقة خصوصا وأنها بعيدة عن المنطقة لن تؤثر عليها هذه الفوضى فدعمت محوري ولاية الفقيه والمرشد الإخواني واستثمار ما يسمى بثورات الربيع العربي، وقفت السعودية بمفرها في مواجهة هذين المشروعين استعادت أمن البحرين ثم مصر فكونت تحالفا رباعيا لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن، لكن وقفت أمريكا أمام انتصار السعودية في اليمن، كما ترفض انتصار روسيا في أوكرانيا، التي كانت رأس حربة صينية بينها وبين أمريكا بعدما أصبحت الحرب التجارية بين الجانبين مؤجلة، ولاحظت السعودية خروج أمريكا المهين من أفغانستان ومن قبل من العراق.
رسمت الحرب الروسية الأوكرانية مشهد عالمي جديد، ورسمت خرائط جيوسياسية، وجيوطاقوية، حتى أصبحت المنطقة العربية في قلب هذه المعادلات، وهي تشارك في مخاض التحول من القطب الأوحد إلى عالم متعدد الأقطاب، خصوصا وأن الصين دولة صاعدة، وتمتلك استثمارات في أفريقيا تفوق على 254 مليار دولار، وأفريقا تفضل الصين على أمريكا، فيما ترفض أوروبا، بينما استثمارات أمريكا في أفريقيا لا تزيد عن 50 مليار دولار، وهي ليست جاهزة في نفس الوقت.
شجعت السعودية الصين أن تدخل المنطقة كقوة موازنة، وليس فقط كقوة اقتصادية، وبالفعل حينما أتى الرئيس الصيني في ديسمبر 2022 عملت له السعودية ثلاث قمم مثلما عملت لبايدن ثلاث قمم، وطرح الرئيس الصيني على السعودية التوسط لنزع فتيل الصراع بين السعودية وإيران حتى لا تستمر الولايات المتحدة في صب الزيت ليستمر نزف المنطقة، وتبقى منطقة مضطربة، ليس في صالح دول المنطقة ولا الصين، وبالفعل تحقق هذا الهدف بالتصالح بين السعودية وإيران في بكين بعد عامين من المفاوضات في بغداد وسلطنة عمان بعدما اعتبرتها السعودية جولات استكشافية إلى أن وجدت ضامن كالصين.
فيما كانت طلبات بايدن عند زيارته للسعودية أن تخفض السعودية علاقتها مع الصين، وترفع إنتاج النفط، وتصطف إلى جانب الغرب في العقوبات المفروضة ضد روسيا، وكان المطلب الرابع التطبيع مع إسرائيل، كل هذه الطلبات لم تحققها السعودية لأمريكا، لأنها لا تتوافق مع مصالح السعودية، وهي بمثابة اشتراك السعودية في مخاض نحو تحول لعالم متعدد الأقطاب التي لم تعد تظهر ملامحه حتى الآن، خصوصا وان السعودية في قمة العشرين في الهند طالبت هي والهند أن تمثل في مجلس الأمن باعتبار أن السعودية تمثل ربع سكان العالم، وكذلك الهند، من أجل أن تصبح المؤسسات الدولية أكثر حيادية، وأكثر فاعلية بدلا من أن تستمر أدوات للولايات المتحدة لتنفيذ أجندتها في أنحاء العالم.
فالسعودية اجتازت دول المجلس التعاون والدول العربية رغم أهميتها إلى رؤية الشرق الأوسط الأوروبي تشترك فيه تركيا وإيران وباكستان وإسرائيل إذا طبقت المبادرة العربية، خصوصا وأن أوروبا تبحث عن الطاقة، وليس أمامها سوى المنطقة العربية الغنية بالطاقة وحتى بالطاقة المتجددة مثل الشمس، خصوصا وأن سعي أوروبا نحو الطاقة المستدام لم يتحقق، ولا تزال الطاقة التقليدية هي المهيمنة، بل عادت أوروبا إلى الفحم الحجري والطاقة النووية، فمع بداية عام 2021 كانت نسبة الطاقة الأحفورية نحو 86 في المائة ونحو 4.6 في المائة الطاقة النووية، ونحو 6.7 في المائة الطاقة الكهرومائية، ما يعني أن الطاقة المتجددة لا تمثل سوى 3 في المائة حتى الآن بل 95 في المائة منها في الكهرباء، لكن حتى الان تغيب الطاقة المتجددة عن النقل والتدفئة، بل حتى النفط الصخري في الولايات المتحدة بلغ ذروته وانخفض نحو 2 مليون برميل عن الإنتاج النفطي في عهد ترمب.
فالعرب بقيادة السعودية لا يمتلكون فقط القوة الاقتصادية بل والقوة الجيبولتيكية من الموقع المتوسط والأماكن الدينية، ويشكلون كتلة واحدة مع الصين والهند أكبر قوتين صاعدتين مستقبلا، وهم السوق المستقبلي للطاقة العربية، وسيتجه العرب بقيادة السعودية إلى إقامة علاقات مع الدول الإقليمية والقوى الكبرى الصاعدة والدول الدائمة في مجلس الأمن وفق تحقيق مصالح المنطقة دون رهن أمنهم بأي طرف، بل سيشاركون في بناء المستقبل، وسيحجمون الفوضى التي تنثرها أي قوة دولية في المنطقة العربية، واستبدالها بإقامة علاقات اقتصادية وفق تحقيق تبادل المصالح بين جميع الأطراف، ولا يمكن أن يستمر العرب يستأثرون بالواردات الغذائية العالمية بنحو 25 في المائة، وهم يمتلكون مساحات شاسعة وأنهار عديدة.
فمصر تستورد أكثر من 12 مليون طن من الحبوب، وكذلك الجزائر نحو 7.5 مليون طن، أي أن الفجوة تصل إلى نحو 50 طن من الحبوب التي تستوردها الدول العربية، فنسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب لن يزيد على 36 في المائة، ونحو 24 في المائة من الزيوت النباتية، ففاتورة الغذاء التي تدفعها الدول العربية عالية.
فيما حققت السعودية اكتفاء ذاتي وهي دولة صحراوية في مجال الألبان نحو 121 في المائة في عام 2021 وكذلك في كثير من المنتجات الغذائية الأخرى، فهي ثاني دولة عربية في إجمالي الناتج الغذائي بعد مصر الذي يبلغ ناتجها نحو 26.4 مليار دولار ثم السعودية بنحو 17 مليار دولار، وهو ما يعد رقما قياسيا في عام 2022، ثم الجزائر بنحو 16 مليار دولار، التي سبقتها السعودية بعدما كانت في المركز الثاني العربي.