المدينة الخالية . فتح “فاروشا” العناد التركي يفجر قلق عالمي
أثار قرار تركيا بفتح أجزاء من المدينة القبرصية “فاروشا” استياء وغضب كثير من دول العالم حيث أكدوا جميعاً رفضهم للخطوة التركية ووصفوها “بالاستفزازية “.
وقدمت حكومة قبرص احتجاجاً رسمياً إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على قرار تركيا والقبارصة الأتراك إعادة فتح فاروشا.
موقف اليونان
دانت اليونان، بأشد العبارات الإعلان التركي بشأن منتجع فاروشا واعتبرته انتهاكا لقرارات مجلس الأمن ومبادئ الاتحاد الأوروبي.
وقالت الخارجية اليونانية في بيان إن الإعلان يعد انتهاكا صارخا للقرارين 550 لعام 1984 و789 لعام 1992 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك لقرارات المجلس الأوروبي، التي تدعو تركيا إلى الامتناع عن الأعمال الأحادية والاستفزازية التي تزعزع استقرار المنطقة”.
وحثت الوزارةُ تركيا على احترام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، قائلة إن اليونان تظل “بالتنسيق الكامل مع جمهورية قبرص، ملتزمة بحل القضية القبرصية على أساس اتحاد ثنائي الطائفة وثنائي المناطق”.
موقف الولايات المتحدة
وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في بيان، إن الولايات المتحدة تدين إعلانا صدر أمس الثلاثاء على نقل أجزاء من بلدة مهجورة في قبرص إلى سيطرة القبارصة الأتراك.
وقال بلينكن في بيانه إنّ “الولايات المتّحدة تعتبر ما يقوم به القبارصة الأتراك في فاروشا بدعم من تركيا استفزازياً وغير مقبول ولا يتّفق مع الالتزامات التي قطعوها في الماضي للمشاركة بطريقة بنّاءة في محادثات سلام”.
وأضاف: “نحضّ القبارصة الأتراك وتركيا على التراجع عن القرار الذي أعلنوا عنه اليوم وعن جميع الخطوات التي اتّخذت منذ أكتوبر 2020” في المنتجع السياحي المهجور.
وتابع: “نؤكّد على أهمية تجنّب الأعمال الاستفزازية الأحادية الجانب التي تزيد التوتّرات في الجزيرة وتعيق الجهود المبذولة لاستئناف محادثات تسوية قبرص وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي”.
وجدّد الوزير الأمريكي التذكير بموقف الولايات المتّحدة “المؤيّد لتسوية شاملة بقيادة القبارصة لإعادة توحيد الجزيرة في إطار اتّحاد ثنائي المنطقة والطائفة لما فيه خير جميع القبارصة والمنطقة”.
الموقف الفرنسي
من جهته، أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان عن دعمه لقبرص، الأربعاء، بعد إعلان سلطات القبارصة الأتراك عن إعادة فتح جزئي للمدينة المهجورة من أجل احتمال إعادة توطينها، الأمر الذي أثار انتقادا شديدا من القبارصة اليونانيين.
وقال لو دريان، إنه بحث الأمر أمس مع نظيره القبرصي، وإنه سيثير المسألة في الأمم المتحدة، متهماً أردوغان بـ”الاستفزاز”.
وقال في بيان إن “فرنسا تأسف بشدة لهذه الخطوة الأحادية التي لم يتم التنسيق لها وتمثل استفزازا”، مضيفة “إنها تقوض استعادة الثقة الضرورية للاستئناف العاجل للمفاوضات من أجل حل عادل ودائم للقضية القبرصية”.
الاتحاد الأوروبى
هذا وأعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي،” جوزيب بوريل”، عن “قلقه” لإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشروعاً لإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية التي سبق أن كانت نقطة جذب سياحية، معتبراً أنه “غير مقبول”.
وقال بوريل في بيان: “يشدد الاتحاد الأوروبي مجدداً على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية”.
يأتي هذا بعدما أعلن زعيم القبارصة الأتراك ارسين تتار، أمس، خلال استقباله للرئيس التركي أردوغان، بدء “المرحلة الثانية من خطة لتوسيع فاروشا لإنهاء الحداد”.
وقال بوريل إنه “يشعر بقلق عميق إزاء التصريحات التي أدلى بها أردوغان وتتار بشأن منطقة فاروشا”. واستنكر “القرار الأحادي غير المقبول الذي يهدف إلى تعديل وضع فاروشا”.
ودعا الاتحاد الأوروبي في بيانه إلى “الإنهاء الفوري للقيود المفروضة على حرية حركة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص في منطقة فاروشا حتى تتمكن البعثة من القيام بدوريات وتنفيذ الأنشطة الموكلة إليها على أكمل وجه”.
مصر الموقف الشجاع
أعربت جمهورية مصرالعربية، اليوم الأربعاء، عن قلقها إزاء أزمة فتح منطقة فاروشا بقبرص، مؤكدة على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن.
وقالت الخارجية المصرية، في بيان لها إن “مصر تعرب عن عميق القلق إزاء ما تم إعلانه بشأن تغيير وضعية منطقة فاروشا بقبرص من خلال العمل على فتحها جزئياً، وذلك بما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وأكد البيان على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، وتجنب أية أعمال أحادية قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وتزيد من مقدار التوتر، مع ضرورة الالتزام الكامل بمسار التسوية الشاملة للقضية القبرصية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية”
جاء هذا الإعلان قبل عرض عسكري حضره الرئيس التركي أردوغان لإحياء الذكرى السابعة والأربعين للغزو التركي لقبرص عقب انقلاب كان يهدف إلى الاتحاد مع اليونان.
وإعادة فتح المدينة الساحلية، التي فرّ سكانها عام 1974 وحاصرها الجيش التركي بالأسلاك الشائكة، هو خط أحمر بالنسبة إلى حكومة قبرص اليونانية.
يذكر أن تركيا وحدها هي التي تعترف بإعلان استقلال القبارصة الأتراك وتحتفظ بأكثر من 350 ألف جندي هناك، وتعتبر خطوة تركيا انتهاكا لقرارات الدولية .
مدينة يسكنها الأشباح
وتقع مدينة فاروشا “ماراس بالتركية” أو مدينة “الأشباح” كما تعرف شرقي قبرص، وهجرها سكانها الأصليون القبارصة اليونانيون منذ قرابة نصف قرن، حيث يسيطر عليها الجيش التركي منذ العام 1974.
وكانت تعرف مدينة فاروشا قديما بـ “لؤلؤة قبرص” كواحدة من أهم المنتجعات السياحية في العالم قبل أن تقسم جزيرة قبرص على خلفية الصراع بين تركيا واليونان في عام 1974، إلى جزء شمالي تحت سيطرة أنقرة وغير معترف به دوليا، وجزء جنوبي تحت سيطرة اليونان وعضو بالاتحاد الأوروبي، وعلى أثر هذا التقسيم هجر سكانها لتصبح مدينة أشباح واختفت منها مظاهر الحياة كافة.
وغزت تركيا في يوليو 1974، الثلث الشمالي من قبرص ردا على انقلاب نفذه قوميون قبارصة يونانيون بهدف ضمها إلى اليونان، حيث قسمت الجزيرة منذ ذلك الحين بخط حدودي يفصل بين جمهورية قبرص في الجنوب “يسكنها غالبية قبرصية يونانية”، وقبرص التركية في الشمال “يسكنها قبارصة أتراك”.
المدينة الخالية من الحياة
الحياة في مدينة فاروشا متوقفة، إذ باتت المدينة الساحلية خالية من السكان، وأصبحت منطقة عسكرية مطوقة بالأسلاك الشائكة تقع تحت السيطرة المباشرة للجيش التركي، وينتشر نبات الجهنمية على أسطح المنازل المهجورة.
وتقرر في أكتوبر الماضي، إعادة إحياء المدينة، وأصدرت سلطات قبرص التركية مرسوما يقضي بفتح شارع ديموكراتياس العابر للمدينة والذي يؤدي إلى الشاطئ الذهبي الذي كان وراء شهرتها.
ويتنقل سكان من فاماغوستا التي تعد فاروشا أحد أحيائها، وبعض السياح بالدراجات الهوائية أو بأحذية مزودة بعجلات في هذا المتحف المفتوح.
وقالت السلطات في قبرص التركية، إن “أكثر من 200 ألف شخص زاروا فاروشا منذ إعادة افتتاحها الجزئي”.
يذكر أن تركيا وحدها تعترف بإعلان استقلال القبارصة الأتراك منذ 1983، وتحتفظ بأكثر من 350 ألف جندي هناك