بعد المعارك الطاحنة بين الجيش السوداني والدعم السريع.. تحذيرات من مجاعة بالخرطوم
على وقع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع وغياب أي بودار لحل قريب، وصفت ليني كينزلي، مسؤولة الاتصال في برنامج الأغذية العالمي والمتحدثة باسم البرنامج في السودان، الوضع الإنساني في البلاد بـ”الكارثي”.
وقالت كينزلي في تصريحات، إن برنامج الأغذية العالمي يلتزم باستئناف عملياته في أقرب وقت ممكن، ولكن يجب أن يتوقف القتال أولا لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية بأمان، أي أنها أعلنت التزام البرنامج بالمساعدة شريطة توقف القتال.
كما أكدت أن الوضع في السودان ازداد سوءا في نزاع الجيش السوداني والدعم السريع عما كان قبل بدء الصراع المسلح، محذرة من ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الغذائية والوقود مع نفاد الأموال والإمدادات الأساسية وتعطل الأنظمة المصرفية على نحو حال دون إمكانية تلبية المواطنين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الطعام.
وتابعت أن برنامج الأغذية العالمي يقيّم حاليا الوضع الأمني في السودان ويحدد المواقع الأقل تقلبا من صراع الجيش السوداني والدعم السريع ، وذلك استعدادا لتقديم المساعدة مجددا، لكنها أعربت عن أسفها عن عدم استئناف العمليات بالكامل في جميع أنحاء البلاد.
وأوضحت أن مكاتب برنامج الأغذية العالمي باتت تحت خط النار المباشر في ظل فوضى في البنية التحتية التشغيلية واللوجستية بسبب الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع ، مؤكدة أن المستودعات التابعة له نُهبت وكذلك دور الضيافة والمكاتب في منطقة دارفور.
وذكرت كينزلي أن أحد أكبر مراكز البرنامج اللوجستية في المنطقة في مدينة الأبيض تعرض للقصف، بينما دُمرت طائرة تابعة لخدمات النقل الجوي التابعة للأمم المتحدة يديرها البرنامج في مطار الخرطوم الدولي ولم يعد من الممكن إصلاحها بسبب الأضرار البالغة التي لحقت بها.
وأعلنت أن هذا أدى إلى تعليق جميع عمليات خدمات النقل الجوي التابعة للأمم المتحدة في أنحاء البلاد.
يشار إلى أن البرنامج كان لفت إلى أن ثلث السودانيين يواجهون شبح الجوع منذ العام الماضي، بسبب الأزمة الاقتصادية والصراع والصدمات المناخية وضعف المحاصيل وارتفاع أسعار الغذاء والوقود قبل الأزمة الحالية.
كما أن التقديرات المبكرة لموسم العجاف القادم (من يونيو حزيران إلى سبتمبر أيلول) تشير إلى أن هذه الأرقام ستستمر في الازدياد في ظل الحرب.
وحذرت كينزلي من أن ملايين آخرين من السودانيين “قد يغرقوا في الجوع” ما لم يتوقف القتال الدائر في البلاد بين الجيش السوداني والدعم السريع، في ظل هذه التوقعات غير المتفائلة للوضع الغذائي في البلاد.
ودعا برنامج الأغذية العالمي أيضا جميع أطراف النزاع من الجيش السوداني والدعم السريع إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني وحماية الأصول والمباني التابعة للجهات الإنسانية العاملة في السودان، حاثاً جميع الأطراف على وضع حد للقتال والتوصل إلى اتفاق يتيح مواصلة إيصال المساعدات الغذائية والإنسانية الحيوية.
يذكر أنه منذ اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل/نيسان، جرى التوصل إلى عدة هدن لكن جميعها فشلت في الثبات، وتخللتها العديد من الانتهاكات.
وأسفرت المعارك حتى الآن عن مقتل 512 شخصا على الأقل وجرح الآلاف، بحسب بيان لوزارة الصحة السودانية، لكن عدد الضحايا قد يكون أكثر من ذلك بكثير نتيجة القتال المستمر.
فيما نزح الآلاف من الخرطوم والمناطق المحيطة بها إلى ولايات أخرى أكثر أمناً، وسط شح المواد الغذائية، ومياه الشرب، وانقطاع الكهرباء، وارتفاع أسعار الوقود.
في أيام الحرب الأولى تقطعت السبل بعدد من طلاب جامعة الخرطوم، أم الجامعات السودانية، وهم يراجعون دروسهم في المكتبة، وفجأة، وجدوا أنفسهم تحت نيران المتقاتلين المتقاطعة، فأصابت رصاصة طائشة أحدهم، ولم يستطيعوا نقله لتلقي العلاج، فمات، واضطروا إلى دفنه في «الميدان الغربي»، أحد أشهر ميادين الجامعة، ليسجلوا أول حالة دفن داخل جامعة.
ومنذ نحو أسبوعين وحتى الآن ساحة معركة تشهد دوي القذائف والصواريخ وأزيز الطائرات الحربية، وأصبح سيد الأجواء والأرض فيها.
هذه هي «حرب الخرطوم» التي يتبادل الطرفان الاتهامات حول من أطلق رصاصتها الأولى، دون أن يعرفوا ميقات الرصاصة الأخيرة. وقد قالها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان «لا أحد يمكنه معرفة متى وكيف ستنتهي الحرب».
ولأن الرصاصة الأخيرة لا تزال بعيدة، ولا أحد يستطيع تحديد ميقاتها، فقد سارع مواطنو المدينة إلى مغادرتها، راسمين مشهد «فرار جماعي»، يتجلى في أشد مظاهره على الطريق البرية التي تربط الخرطوم بود مدني في الوسط، الذي تحول «ميدان سيارات» من الأنواع كافة، وهي تنقل المواطنين الفزعين بعيداً عن مرمى الرصاص.
مثال على ذلك، قصة المدرّسة نادرين أبو القاسم، ورحلتها مع عائلتها من منطقة شرق النيل إلى «رفاعة» في ولاية الجزيرة؛ هرباً من الموت الذي يحاصر سكان المنطقة التي تعيش فيها. تقول نادرين «مساء الأحد والاثنين الماضيين، استقللنا شاحنة (ونش)، وكنا نحو 25 شخصاً بين أطفال وشيوخ ونساء وشباب. فرشنا أرضية العربة بالمراتب القطنية حتى نستطيع الجلوس عليها، وإلى جوارنا حقائب أغراضنا الشخصية والمواد التموينية التي يمكن الحصول عليها، وتشاركنا العربة مع 5 خراف».
تتابع نادرين، أنها لم تكن تتوقع يوماً أن تركب سيارة لنقل الحيوانات، وأن تنقل هي وتلك الحيوانات على سطح واحد. وتضيف «كانت عائلتي كلها تبكي بحرقة خوفاً على بعض شبابها الذين رفضوا مرافقتها في الهرب، وظلوا في البيت يواجهون الخطر».
وأثرت حرب الخرطوم على أوضاع المواطنين بصورة كبيرة. فالفقراء ليس أمامهم غير الانتظار العدمي. أما من يملكون بعض المال، فقد تبدد مالهم نتيجة لشلل النظام المصرفي، وانهيار «التطبيقات البنكية»، فلم يعودوا قادرين على شراء احتياجاتهم. ورغم شح النقود، فإن أسعار السلع تضاعفت مرات عدة؛ إذ استغل الجشعون الحرب ليحققوا أكبر الأرباح. إنها «تجارة الحرب».