أسر سورية تبكي أبناءها الفارين من الحرب للغرق في بحر اليونان
في مناطق سورية عدة، تنتظر عائلات بفارغ الصبر خبراً عن أبنائها وبينهم فتية نشأوا في زمن الحرب وكانوا يأملون في حياة أفضل في أوروبا، إلا أن البحر كان لهم بالمرصاد.
والأربعاء، غرق قارب صيد مكتظ بمهاجرين سوريين ومصريين وباكستانيين وغيرهم، قبالة السواحل اليونانية، في واحد من أكبر حوادث غرق مراكب الهجرة إلى أوروبا، فيما لم يتمكن خفر السواحل اليونانيون سوى من انتشال 78 جثة، في حين تشير التقديرات الأولية إلى مئات المفقودين.
ووفق ما أفاد ناشطون وعائلات وكالة الصحافة الفرنسية فإن أكثر من 141 سورياً، الجزء الأكبر منهم لا يزال في عداد المفقودين، كانوا على متن القارب المنكوب.
وبين هؤلاء علي (19 عاماً) المتحدر من مدينة جاسم في محافظة درعا في جنوب سوريا، وهي المحافظة التي كان لها الحصة الأكبر من الضحايا والمفقودين السوريين.
ويقول والده إياد، الذي فضل عدم ذكر كنيته، لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف: «ليس لديّ أي خبر عن ابني، ولم أتواصل معه، ولم أسمع صوته».
ويضيف: «سمعتُ اسم ابني على لسان مراسلة يونانية على أحد المواقع، مرة ذكرته في قائمة الناجين، ومرة أخرى في قائمة الغرقى». ولم يفقد إياد الأمل.
ويقول الوالد (47 عاماً) المتلهف لابنه: «نعده الآن مفقوداً ولم ننعه ولن ننعاه حتى نتأكد من الأخبار عنه»، مضيفاً: «نأمل أن يكون من الناجين إلا أنه لم يجد وسيلة حتى الآن للتواصل معنا».
ويروي أن زوجته، التي لم تتوقف عن البكاء منذ ثلاثة أيام، تقول إنها ستقدم الطعام للفقراء إذا كان ابنها لا يزال على قيد الحياة.
ويضيف: «ندعو الله في الليل والنهار والجيران والأهالي كلهم يدعون معنا أن يعود علي سالماً».
لو كنا نعلم!
توجه علي إلى ليبيا قبل فترة بعدما أبلغ والديه أنه يريد العمل في مطعم هناك قرب البحر لتأمين حياة أفضل له تمكنه من إرسال مال للعائلة في سوريا.
ويقول الوالد: «لم نكن نعرف أنه سيذهب عبر البحر، لو كنا نعلم لما سمحنا له بالتوجّه إلى ليبيا». ويضيف: «استدنا مبلغاً كبيراً من أجل إرساله إلى ليبيا للعمل وليس للموت».
وفي محافظة درعا وحدها، وثّق «مكتب توثيق شهداء درعا» بناءً على مقابلات مع عائلات ركاب، حتى الآن 72 مفقوداً و34 ناجياً من جنوب البلاد.
ووفق ناشطين، يغادر شبان بكثرة المحافظة بحثاً عن حياة أفضل بعيداً عن الحرب وتداعياتها من تردٍّ معيشي وأمني.
توجه شقيق إياد من ألمانيا إلى اليونان للبحث عن علي لكنه يقول: «لا يعلم أين سيذهب، إنه كمن يبحث عن إبرة في كومة قش».
ويضيف: «إذا عثرنا على علي حيّاً سنعيده إلى سوريا، لا أريد لابني أن يكون بعيداً عني بعد اليوم ولا للحظة واحدة».
ومن بين شبان درعا المفقودين شاب كفيف في الـ15 من العمر وشقيقته (28 عاماً)، وفق ما قال عمه لوكالة الصحافة الفرنسية باكياً على فتى نشأ «خائفاً» على أصوات المعارك.
من الموت إلى الموت
ضمن الركاب السوريين أيضاً، 35 شخصاً من مدينة كوباني، إحدى أبرز المدن الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، وفق ما قال شقيق أحد الناجين، مشيراً إلى نجاة خمسة منهم حتى الآن فقط.
ومن بين هؤلاء ديار البالغ 15 عاماً فقط الذي كان يطمح للوصول إلى ألمانيا للانضمام إلى عمه، فاختار البحر طريقاً مع أربعة من أصدقائه أرادوا أن يبتعدوا جميعاً عن التهديدات الأمنية المستمرة لمنطقتهم والوضع المعيشي الصعب.
ويقول والده محمّد محمّد (48 عاماً): «ابني هرب لأن الوضع هنا سيئ جداً».
تعيش العائلة في منزل يبعد 500 متر فقط عن الحدود مع تركيا التي طالما هددت بشن عملية عسكرية ضد كوباني وتقصف مسيراتها بين الحين والآخر المنطقة مستهدفة مقاتلين أكرادا بشكل رئيسي.
ويقول محمّد: «بين المسيرات والاغتيالات، الجميع بات يريد المغادرة. مستعدون لبيع أملاكنا لنترك الوضع الذي نعيشه هنا».
عم ديار هو حالياً في اليونان التي قدم إليها من ألمانيا بأمل العثور على أي معلومة عنه، لكن محمد يقول إن السلطات هناك لم تسمح لشقيقه حتى بزيارة المستشفيات.
يعترف الوالد المتعب بأن الأمل يتراجع بعودة ابنه ويقول: «نهرب من الموت إلى الموت».