الكشف عن السبب في عدم تراجع عمليات الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى أوروبا
أثيرت مؤخراً تساؤلات داخل الأوساط السياسية والحقوقية في ليبيا حول أسباب عدم تراجع عمليات الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى أوروبا، خصوصاً بعد غرق قارب للمهاجرين «غير النظاميين» قبالة السواحل اليونانية قبل أيام، في رحلة بدأت من مدينة طبرق، الواقعة شرق ليبيا، وكان يفترض أن تنتهي بهم في إيطاليا.
ويرى مراقبون أنه «من الصعب تحميل ليبيا الجانب الأكبر من المسؤولية عن تلك الجريمة العابرة للحدود، خصوصاً في ظل ما شهدته السنوات الماضية من صراعات مسلحة وسياسية».
في حين تحدث سياسيون ونشطاء عن العلاقة، التي باتت تربط كلاً من قائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة، بروما.
لكنهم تساءلوا عن أسباب عدم انعكاس هذه العلاقة على جهود «الحد من الهجرة غير المشروعة عبر الشواطئ الليبية».
وقال عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، إن «هناك ما يشبه التنافس بين حفتر والدبيبة لتقديم كل واحد منهما نفسه للأوربيين، عبر البوابة الإيطالية، على أنه الرجل القادر على كبح جحافل المهاجرين نحو شواطئهم؛ لكن من دون أي اهتمام حقيقي منهما بهذه القضية».
وتطرق التكبالي لطبيعة العلاقة الراهنة بين حفتر والدبيبة وإيطاليا، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن حفتر «يسعى لتعزيز نفوذه شرق وجنوب البلاد، حيث تتمركز قوات الجيش الوطني، فيما تسعى قوات حكومة الدبيبة لتعزيز وضعها بالمنطقة الغربية، بالتنسيق مع بعض التشكيلات المسلحة، وروما تدرك ذلك، وتحاول توظيف الانقسام السياسي والحكومي لخدمة مصالحها، وتأكيد قدرتها على فرض حصار بحري يمنع وصول المهاجرين لسواحلها».
وتابع التكبالي موضحاً أن «تحركات الرجلين قبل وبعد عودتهما من زيارة روما، لا يستشعر منها تحقيق هذا الهدف، وأنهما يسعيان فقط لتحقيق مصالح خاصة»، لافتاً إلى أن «الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية قادت مطلع يونيو (حزيران) الحالي، وبعد أقل من شهر من زيارة حفتر لروما، حملة أمنية قيل إنها تستهدف المهاجرين غير الشرعيين، ونشرت صوراً ومقاطع فيديو توثق عمليات مداهمة منازل تضم المئات من هؤلاء المهاجرين، وصوراً لعملية ترحيلهم».
ويعتقد التكبالي أن حكومة «الوحدة»، «نفذت السيناريو ذاته بتوجيهها ضربات جوية لمدينة الزاوية، وبعض مدن الساحل الغربي، بهدف معلن، وهو استهداف مهربي البشر والوقود، وأهداف أخرى مبطنة، مثل تأكيد سلطة الدبيبة على بعض المدن، والتمهيد لزيارته التي قام بها لروما أوائل يونيو الحالي، والحرص على تصدير فكرة أنه رجل روما وأوروبا في التصدي لطوفان المهاجرين».
وفي هذا السياق، حذر التكبالي من تداعيات السياسة الإيطالية، التي «تعتمد على إبقاء حالة من الاستقرار بين حفتر والدبيبة، باعتبارهما ممثلي القوى الفاعلة على الأرض، وزيادة الدعم لهما، بهدف الحفاظ على مصالحها المتعددة في ليبيا، من مكافحة الهجرة غير المشروعة، واستمرار إمدادات الطاقة، ومحاربة وجود (الفاغنر) الروس».
من جانبه، يرى رئيس منظمة «بلادي» لحقوق الإنسان، طارق لملوم، أن الحملات الأمنية التي وجهت أخيراً بشرق وغرب ليبيا لمحاربة الهجرة غير المشروعة «لم تكن بعيدة في توقيتها عن زيارتي حفتر والدبيبة للعاصمة الإيطالية»، مشيراً إلى أن «رصد تزايد في معدل انطلاق قوارب الهجرة غير المشروعة من شواطئ المنطقة الشرقية، دفع روما لتوجيه الدعوة لحفتر لزيارتها».
وبخصوص الحملة التي قادتها الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية، أكد لملوم لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لم يتم خلالها إلقاء القبض على مهاجرين غير الشرعيين، بقدر ما تم اعتقال عشرات العمال الذين ينتمون لقبائل تعيش قرب الحدود المصرية - الليبية، أو عمالة كانت تود العمل بليبيا، لا الهجرة لأوروبا».
وعن المكاسب التي حققها حفتر والدبيبة عبر زيارة روما، قال لملوم إن «الدبيبة اصطحب وفداً ضم وزيري الداخلية والخارجية، ووقع اتفاقيات اقتصادية في قطاعات النفط والغاز والربط الكهربائي، لكن قبل كل شيء وقع الجانبان اتفاقية جديدة تتعلق بقضية الهجرة، وتضمنت بنوداً تتعلق بتدريب قوات خفر السواحل، وتقديم الدعم اللوجسيتي.
كما ناقشت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، مع حفتر، تسيير دوريات قرب الحدود الجنوبية (منبع الهجرة)، وقد أشار البعض إلى أنه طلب بالمقابل دعم عملية التنمية بالمنطقة الشرقية».
أما الباحث بمركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، أحمد عليبة، فذهب إلى «وجود دعم أميركي لمحاولة التقارب الإيطالي مع قيادات شرق ليبيا، وتوظيف ذلك في محاربة وجود (الفاغنر)».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن روما «تدرك جيداً أن حفتر يستطيع لعب دور في قضية الهجرة، التي تحتل أولوية بالنسبة لها، وبالتالي تم توظيف زياراته في هذا الصدد، والزيارة أظهرت حفتر بالرجل الأقوى، وأنه من يريد التفاوض بأي شأن يتعلق بالمنطقة الشرقية - الجنوبية عليه أن يطلب لقاءه».