مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عبدالرحمن جعفر الكناني يكتب: خبايا تمرد فاغنر

نشر
الأمصار

كيف سلم الرئيس فلاديمير بوتين بهيبة روسيا بتلك البساطة، وتراجع عما وعد به في القضاء على التمرد والخيانة، وأسقط القضية الجنائية ضد قائد فاغنر بريغوجين قبل وصوله إلى موسكو في أغرب عملية ينفذها مرتزقة عاملون في شركة مرخصة شبه عسكرية ؟
حدث لابد من وضعه في مختبر التحليل المنطقي، فالعاصمة موسكو كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في حرب أهليه لا تبقي ولا تذر، هدف المتمردين فيها ضرب قواعد القيادة العسكرية وتجريد قادتها من مناصبهم، قبل اختراق حصون الكرملين.
ظهر الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه وكـأنه حسم الأمر بقرار سيادي لا رجعة فيه ينهي أسطورة فاغنر بـ "إثم خيانتها" لكنه سرعان ما تراجع ونصب نفسه ضامنا لسلامة القائد يفغيني بريغوجين في خروجه من روسيا باتجاه بلاروسيا.
ما أثار الانتباه أن فاغنر ردت على بوتين حين وصفها بالخيانة والتمرد، مطالبة إياه بالكشف عن خيانة وتمرد في مؤسسته العسكرية، وكأنها تنبه وتشخص ما يحيط به من خطر وتهديد لمنصبه السيادي الأوحد، تنبيه رافقه تطمين بريغوجين إنه لا يستهدف الانقلاب على الرئيس وإنما استهداف كبار القادة العسكريين في وزارة الدفاع بهدف الإصلاح .  
تمرد أيا كانت أهدافه، كشف عن شرخ في منظومة القيادة الروسية، وخلل في الإدارة المركزية لشؤون الدولة، وضعف في حصانة الأمن القومي، يضحى في المختصر وضع داخلي غير مستقر، لا يخفي صراع أجنحة متنفذة عسكريا وسياسيا، تستند على قوة نفوذ رجال المال المتضررين من الحصار الاقتصادي الأوروبي – الأمريكي المفروض على روسيا بسبب عدوانها على أوكرانيا .
عبر هذه الثغرات تسللت قوات فاغنر إلى المدن الروسية تاركة مواقعها في أوكرانيا، في طريق وصولها الذي لم يكتمل إلى العاصمة موسكو دون أن يعترضها أحد، حتى بدا بريغوجين وكأنه الأقوى المالك لمفاتيح الأبواب المغلقة.
كان التمرد مشهدا مثيرا للدهشة، في أحدى الدول العظمى الخمس، يشبه مشاهد مماثلة في قارة إفريقيا، ميليشيا متمردة تقلب الأوراق في ساعات وتضع العاصمة في مرمى مدافعها سعيا لفرض شروطها، قبل أن تتراجع "حقنا للدماء" وتغادر روسيا آمنة بوساطة خارجية دون ملاحقات قضائية أو عقاب قاس وعد به فلاديمير بوتين يعيد لروسيا هيبتها .. !!
حدث هز روسيا في زمن مواجهتها لأصعب التحديات الخارجية والداخلية، سيتيح للرئيس بوتين فرصة إعادة ترتيب البيت الحاكم، والتحكم بمفاصله وفروعه، وتأمين حصانته من مساوئ صراع داخلي يستهدف وجوده، سيفرض عليه إجراء تغييرات جذرية في المؤسستين العسكرية والسياسية كان يحتاج مبررا لتنفيذها.
رغم مساوئ التمرد، فله ثمار سيجنيها فلاديمير بوتين كان قد زرع بذورها من قبل، جعلت البعض يرى أن ما جرى "سيناريو" رتبت فصوله على قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة".


.