مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عميد ركن يعرب صخر يكتب: إيران جسر العبور لتفتيت المنطقة على قاعدة الأقليات

نشر
عميد ركن يعرب صخر
عميد ركن يعرب صخر

قبل أن نشرح دور إيران المباشر وغير المباشر كمطية طيعة للمتربصين في المنطقة يخططون لتفتيتها بعد تقسيمها، علينا أن نتناول أولا" الظاهرة التي منها وعلى أساسها يتغذى وينشط مشروع التقسيم، ألا وهي "الأقليات".

 

مشكلة الأقليات في الشرق الأوسط، من أهم الأسباب النزاعية، والوسيلة الأبرز التي يركن إليها المتنفذون الدوليون، لينفذوا عبرها إلى نسيج المجتمعات وتغذيتها بمنحها إمتيازات على حساب الأغلبيات المنتشرة، فيندلع الصراع، وعندها يطرح اللاعبون الدوليون أنفسهم كوسائط حل، بالتالي للتمكّن المباشر في تقرير المصائر، فتأتي أولى الحلول عندهم بتقسيم الكيانات الجامعة لهذه الأقليات إلى جيوب موزعة ومرسومة بشكلٍ فسيفسائي، إنما بمضمونٍ تفتيتي.

أليست "سايكس بيكو" الأنموذج البارز لهذه العملية، والغرض منها تمزيق وطنٍ عربي إسلامي واحد إلى أوطانٍ متعددة بحدودٍ متداخلة، ومعها أسبابها النزاعية؟ وألم يكن الإنتداب الأوروبي لهذه المنطقة يهدف لتطبيق هذا المخطط على أرض الواقع؟ ألم يكن وعدهم "للشريف حسين" بعودة ما للعرب للعرب على أن يقاتل معهم السلطنة العثمانية، وبعدها أخلفوا الوعد؟ على أنه لم يُكتفى بذلك، بل بدأت تشرئبُّ برأسها خرائط أقلوية جديدة قديمة، تنذر بمزيدٍ من التفكيك والشرذمة، عنوانها حقوق الأقليات.

بعد إستتباب الأمور للأوروبيين، لم تأتِ الحدود السياسية لدول المنطقة، متوافقة مع الحدود الثقافية والخريطة الديمغرافية للشعوب والقوميات الملحقة بها، وباتت أمام إشكالية تحديد وتعريف هويتها الثقافية والوطنية، تُطرح اليوم بقوة كقنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي لحظة، حيث لطالما استغل ويستغل الغرب موضوع الأقليات لتحقيق أغراضه ومآربه في الوطن العربي. وبدا أن " سايكس بيكو" لم تعد تتماشى مع المخططات الجديدة.

مخطط برنارد لويس

يحضر هنا مخطط المؤرخ الأميركي "برنارد لويس" كأخطر تهديدٍ يتمثل بهذه المعضلة، كمحاولة تصويبية أو تطويرية لسايكس بيكو، وتقسيم المقسَّم. تبنّى الكونغرس الأميركي هذا المخطط عام     1983 في جلسة سرية، وتم تقنينه واعتماده وإدراجه في ملفات الإستراتيجية الأمريكية للسنوات المقبلة.  وقد كشفت عنه مجلة ال CIA في عددها الصادر في آذار 2003. وعند قدوم المحافظين الجدد، أحيوه وقربوا إليهم "لويس"، وإعتبروه المرشد الأعلى لمدرستهم. 

هذا المشروع يقترح تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية، ويتضمن: تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، سوريا إلى ثلاث، الأردن إلى دويلتين، لبنان إلى ثلاث والسعودية إلى دويلات عدة... إلخ. ويرى أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوّق إسرائيل في الخمسين سنة القادمة على الأقل .

المشروع الجديد للشرق الأوسط، يتيح تحقيق تحولات سياسية واقتصادية في بعض دول المنطقة، وإعادة صياغة وحداتها على نحو يستجيب للمتغيرات الدولية والإقليمية، وبين ثناياه توجه الاستراتيجية الأميركية نحو تنظيم علاقتها بالعالم العربي من خلال إقامة نظام مستقر قوامه الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية، وتغييب الأمن القومي العربي بتدمير مفهومه وبنيته. 

ولعل أفكار لويس خير معبّر عن جوهر الشرق الأوسطية القائم على "التخلي الرسمي عن حلم القومية الذي طال تقديسه والمتعلق بدولة عربية موحدة أو حتى بكتلة سياسية متماسكة". 

ويجعل هذا، العالم العربي مماثل  لحالة أميركا اللاتينية، حيث تتراكم مجموعة من الدول، تجمعها لغة واحدة وثقافة مشتركة ودين واحد، دون أن تجمعها سياسة مشتركة.

بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993، أصدر شيمون بيريز كتاباً حمل اسم (الشرق الأوسط الجديد)، يتمحور حول خلق منطقة كبرى في الشرق الأوسط، تكون فيها إسرائيل الدولة العظمى، وتسخير كامل المنطقة لخدمة ذلك الهدف الكبير، عبر تقسيمها إلى دويلات، من خلال إثارة القلاقل بين الدول العربية وتأليب شعوبها على بعضها البعض، على أن تسيطر الولايات المتحدة أولاً على المنطقة لتسهيل المهمة لإسرائيل في ما بعد.

 تطمح هذه الخطة، بعد تحقيق السلام، إلى جمع دول الشرق الأوسط في سوق مشتركة، لتعزيز المصالح الحيوية وصَون السلام على المدى البعيد. لكنها تخفي أجندة أخرى، وهي دمج إسرائيل في المنطقة بعد إعادة صياغتها وتشكيلها لتصبح (الشرق الأوسط) وليست (العربية)، وتصبح هي الدولة المهيمنة والمسيطرة على مقدراتها، كرأس جسر للمشروع الغربي الاستعماري منذ إقامتها في عام 1948.

بهذا، فأهداف المشروع الشرق الأوسطي تتجسد في ما يلي:
(أ) تفتيت الدول العربية.
(ب) تغذية الخلافات العربية البينية.
(ج) تبديد الطاقات العسكرية العربية في الصراعات العربية البينية والصراعات العربية الجوارية.
(د) تفشيل أي تنسيق استراتيجي أمني عربي.
(هـ) منع أي مشروع توحيدي عربي.
(و) تدمير أية قوة عسكرية عربية تسعى للتنامي أو الحصول على أسلحة متطورة أو سلاح نووي.

إيران جسر العبور للتفتيت

إذا تقصينا السلوك الإيراني منذ ١٩٧٩ وحتى الآن، وطريقة تفاعله الدائم السلبية في المنطقة، نجده في كل نشاط يخدم كل ما سقناه أعلاه ، ويشكل عامل فوضى وعدم استقرار ونزاع مستدام في منطقة الشرق الأوسط، ما جعله رأس الحربة في مخطط التفتيت. كيف؟
بانهيار الاتحاد السوفيتي استفردت أميركا بالزعامة العالمية واستغلت من فورها الفرصة للدخول المباشر في المنطقة لتنفيذ مراميها، وكانت أولها الإطاحة بالعراق كآخر قوة عربية بعد أن قيدت قبله مصر بكامب دايفيد وحيدت سوريا عبر الاتفاقات الكيسنجرية الاسرائيلية الأسدية، فتحقق أمن إسرائيل، وبقي لتحقيقه بالكامل إشغال الساحات العربية المؤثرة والتي قد تعيد بناء قوتها بعامل يشاغلها ويصرف انتباهها عن إسرائيل، فكانت إيران التي ساعدت أميركا للولوج الى العراق للقضاء على القوة العربية الأخيرة التي جرّعت ايران السم، مقابل أن تُخلي لها أميركا الساحة العراقية ومنها تعبرالى سوريا وحليفها النظام ومنها الى لبنان، ومعها تُحدث التغييرات الديموغرافية والجغرافية لتعبيد الممر من طهران الى مياه المتوسط كل ذلك تحت أنظار وموافقة أميركا والغرب وإسرائيل.

بات الشاغل العربي الأول هو التهديد الإيراني الذي لم يكتفي بالنفوذ شمالاً بل أخذ يمد أذرعه جنوباً في اليمن، ويحاول العبث في البحرين، للإحاطة بدول الخليج العربي. والأكثر من ذلك بدأ يزرع في كل بيئة عربية شيعية نزعات الإنفصال أو التمرد على أوطانها ببث العقائدية والجهل والتخلف لتغليبها على الروح الوطنية وثقافة الإنتماء، متبعةً كل الأساليب الناعمة والصلبة والشحن والعصبية، وتزودها بالسلاح لتصبح ميليشيات وشراذم عابرة لأوطانها non state actors تقوى عليها وتعيث فيها الفساد والتشرذم وتسرق ثرواتها وتبدد خيراتها وتُفقر شعوبها.

بذلك تحقق شيئان: 

1- ضعف القوى العربيىة أمام إسرائيل وانشغالها عنها بخطر أدهى. 

2- الأرضية الممهدة والمؤاتية لتقسيم البلدان العربية.


وانظر ترى كيف صارت سوريا والعراق وغزة ولبنان واليمن.. جيوباً متداخلة متنازعة في الوطن الواحد وتتصل بوشائج القربى بأقلياتها المتمردة بإيران. أليس في كل ذلك ما تطرب له إسرائيل وأميركا؟ ومن ينفذ لهم كل ذلك؟ أليست إيران؟  فهل ستقطعان هذه اليد التي تنجز عنهم كل ما أرادوه؟ إن كان في صفعات أميركية ولطمات إسرائيلية لإيران في بعض الأحيان هنا وهناك، فهو تأديب وتذكير لإلتزامها بحدود الدور المرسوم لها وآفاق الوظيفة المكلفة بها أن لا تتجاوزها وتلتزم بخطوطها.  

إن أكثر ما يُضير الغرب وعلى رأسه أميركا بعد زوال التهديد السوفيتي وانحلال ظاهرة الإرهاب، هو هذا الشرق العربي حاضن الإسلام الأصيل وحضارته التي لا تُضاهى على مر الأزمنة، يحاول تشويهه بشتى السبل وأبرزها داعش التي ما ضربت غير العرب وما خدمت غير ايران وإسرائيل، للتشنيع بالإسلام الأصيل لاستبداله بإسلام منحرف قائم على الخرافة والأساطيريمثله ملالي إيران، تماماً كما فعل الحاخاميون وغلبوا التلمود على التوراة.