داليا الحديدي تكتب : أسرار بعباءة الضاد
لم أجد من بين علماء الضاد مَن استبصر للبحث عن العلاقة بين المادي والمعنوي.
ربما لاحظ البعض أن حروفاً بعينها أنسب لمعاني محددة بإختلاف جرس اللفظ.
لكن بين الحروف والدلالات، نرى اختلافًا في تلك المعاني بين المادي والمعنوي بالتلاعب في أماكن الحروف.
- "فالخِلقة" هي ملامح الجسد وصفاته، بينما "الأخلاق" هي ملامح الروح وصفاتها.
- و"العُري" هو فضح عَورة الخِلقة، أما "العَار" فهو فضح عوَار الأخلاق ونقائصها.
- و"الحياة" هي شكل مادي لمعيشة الجسد، في حين أن "الحياء" هو البرهان المعنوي ليقظة الروح.
- وإن كان "الشَّعْر" هو خصلات رفيعة تتوج رأس المرء، "فالشِّعر" هو المعاني الرفيعة التي ترونق وجدانه.
- و"الصِلة" هي اتصال البشر ببعضهم البعض، فيما ترقى "الصلآة" لتواصل البشر بخالقهم، والمد على الألف في الصلآة ممتد لعنان السماء.
- و"الجرح"هو شرخ مادي يؤذي الجسد ويدميه، بيد أن "الحرج" جرح معنوي يشرخ الروح ويؤلمها.
- و"المكان" تبيان لظرف مكاني وعنوان بعينه يوجد فيه الفرد، أما "المكانة" فتعد ظرفًا معنويًا يدل على درجة الإنسان في وجدان محيطه .. لذا تترونق مكانته في وجدان الناس بمنأى عن الأبعاد المادية.
– "الدَّينْ" هو التزام المرء بسداد قيم مادية تجاه أشخاص حقيقيين أو اعتباريين، وما لم يلتزم الفرد بالسداد، يُعَدُ جَانحاً وتُرفع ضده الدعاوَى. بينما "الدَّينْ" هو إمتثال الفرد لتنفيذ شعائر وأحكام شَرّعها الخالق، وإن لم يلتزم بالوفاء بهذه الديون المعنوية تجاه ربه، يُعتبر آثماً لاقترافه ذنباً.
- استخدم لفظ "حُجَة" كبرهان يثبت أحقية الفرد لعين أو عقار، نظير سداده قيمته المادية، أما "الحَج" فهو استحقاق الإنسان المقيم للفريضة وفقاً لمناسك معينة، موقوتة، بإتمامها يكتب له حَج يُحَاجج به ربه يوم الدين كبرهان لإستحقاقه للمغفرة.
- ذكاء العقل دليل نقائه من عيوب الغباء، بينما يعد "زكاء" النفس برهان طهارتها من أدران الكراهية.
- الهواء هو مادة "اكسوجين" يتنفسه الإنسان، فيما الهوى هو ما ينفُس عنه المرء من شهوات قد تهوي به في جَهنم.
- شعور الإنسان بالطُمأنينة في الدنيا يسمى "الأمن"، بينما "الإيمان" يعتبر متطلب جوهري يؤمن السلام النفسي الذي يحسه المرء داخلياً بعلاقته مع السماوي. بل يحصن على دعواته بـ "آمين" لتسموَ طلباته للسماء آمنة من كيد المَرَدة.
- الدَرَج هو سُلم يستخدم للصعود والهبوط، أما "الدرجات" فرُتَب واقعية تطلق على المنزلة العليا، أو السفلى في الدنيا أو الآخرة، فيما "المدارك" هي رُتب تخيلية عميقة لمستويات الوعي الفكري أو منزلته في خياله لموقع الفرد في جَهنم، سواء في الدرك الأسفل أو الأعلى.
- الِحبر هو مِداد يُكتب به لتوضيح الكلمات، فيما "الحَبر" هو عالم الدين الذي خَبُر الحكمة ووسِعت مداركه حِبر العلم لقدرته على بيان مقاصد المداد.
- السباحة هي غوص الجسد في مكان مادي كالنهر، بينما يتجسد "التسبيح" في سباحة الفكر في الفضاء الوسيع للتعرف على قدرات الله، ومن ثم تتولد من التسبيح إدراكات للبشر عن قدرات المولى سبحانه.
- دس الدسائس تشير لحياكة مؤامرة مادية كدَس مسروقات خِفيةً للكَيْد بعدو،
بينما تطلق "داث" على من لَانَ فصار "ديوثاً" لا يَغار على أهله، ماسَمَح للآخر بحياكة مؤامرات لدس السِفاح في نسبه.
- ضَرَسَ الطعام، تعني المبالغة في هرس المواد الغذائية المادية بالأضراس، ويقابله معنوياً لفظ دَرَسَ العلم، أي داسه -مجازاً- بعقله ليسهل عليه فهمه.
- الصّبْ مادياً هوالسكب والإفراغ في دلاء، لكنَّ الصب المعنوي يفيد العشق بهدف إفراغ الأشواق. وقد ورد في سورة يوسف:(وإلا تصرف عني كيدهن أصبو إليهن) في إشارة لضراوة المحنة التي كابدها يوسف حين استنجد بخالقه لينجيه من الصَبّ والانجراف لِصُحَيْباته.
- المبتور هو من بترت إحدى أعضاء جسده المادية، فيما "الأبتر" هو المقطوع نسبه في الدنيا، وقدر جاء في سورة الكوثر:(إن شانئك هو الأبتر).
- "العَبرات" هي الدمع المادي الناجم من التأثر بتجربة حياتية مؤلمة، فتعبر العَبرات عبر العين، لتُعرِب عن الآلام التي تَعبُر من قلوبنا، فتلفظها مآقينا، بينما توصف "العِبر" كتجارب حياتية قاسية في مسيرة الإنسان، لكنه ينقلها لأسلافه لتصبح عِبرة لمن يعتبر.
أما "العِبارات" فهي كلمات يلفظها الإنسان من وجدانه لتَعْبُر إلى وجدان من يتحدث إليهم، وتتقارب مع لفظ "العَرَب" لكونهم أفصح الأُمم إِعْراباً عن مكنوناتهم.
– ساحة العراك بين الخلق تدعى "الحرب"، فيما يعتبر "المحراب" بقعة يتصارع فيه الإنسان مع نفسه وأهوائه ولا يفتأ يتشاجر مع شيطانه ليتواصل مع ربه في المحراب، ليحرر ذاته ويسترد مكانته لدى خالقه.
- "القِدْر" هو وِعاءٌ مادي للطبخ ويكون محدداً بأرقام تسمح بتقنين الكميات الموضوعة فيه. أما "القَدَر"، فهو ما قنّنه لنا الله في إناء الحياة من كميات محسوبة ومحددة سلفاً من شتى النعم والابتلاءات، فيكون لكل شخص قدر محدد من السعادة، وآخر من الرفق، و المال أو الذرية أوالصحة إلخ... وصدق الله في سورة القمر:(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
- الثَباتْ يعني سكون الأشياء المادية، فيما يتعلق "السُّبات" بسكون النفس، ذلك الكيان المعنوي والتي قد ينام صاحبها في سباتٍ عميق، أو يرتاح من العمل يوم "السبْت" كما أمر الله اليهود.
- تحمّل الأعباء النفسية والمعنوية عن شخص يعني "كفالته" وهي مشتقة من الكِفل، أي منطقة العَجزُ للإِنسان، ما يؤكد أنه حريّ بالكفيل تأمين حياة آمنة لليتيم، خصوصاً حماية عرضه، لا مجرد انفاق مبلغ معين دون الإهتمام به أو مقابلته، ثم يتوهم أنه كهاتين مع الرسول(ص) في الجنة.
أما "الكُلفة" فهي تحمُّلُ ودفْعُ الأعباء المادية فحسب، فالمتكلف يتحمل ثمن ما يدفعه.
- "البُرج" هو المبنى العال المبني على سور الحِصن، أما المعنى المعنوي المرادف له فنجد أن فعل "بَرَج" أي ارتفع وظهر. ومنها اشتق كلمة التبرج، أي التزين بشكل ظاهر وملفت، فالتبرج المنهي عنه شرعاً ليس التزين البسيط، ولكن تعمد لفت الإنتباه لجذب الأنظار.
- "السقف" هو كيان مادي يغطي أعلى الدار لتأمين المنزل وحمايته من الأمطار أو الحرارة، أو اللصوص. بينما "المثقف" هو من لديه من الخبرات الحياتية في عمله أو بسبب سفره أو لثرائه أو لعلمه ما يجعل كيانه مثقفاً، أي محمياً لا يقضي عليه فشل، ولا يحط من شأنه عدو. ولأنه مثقف، فهو قادر على المقاومة. عِلماً بأن كلمة مثقف مشتقة من لفظ ثقيفة، وهي الجُعبة التي تَحفظ حامل السيق من خطر حَده. وثِقَافُ الرِّمَاحِ هي أَدَاةٌ مِنْ حَدِيدٍ تُقَوَّمُ بِهَا الرِّمَاحُ وتُسَوَّى. كذا، المثقف هو المرء الذي قوَّمَتهُ العلوم والخبرات والأسفار، وسَوتْهُ التجارب وعَدَّلَتْهُ المِحن.
الشاهد، ثمة رابط سري بين المادي والمعنوي مستتر بعباءة حرف الضاد، وأزعم أنه سيغري الباحثين للكشف عنه.