د.عبد الحفيظ محبوب يكتب: أردوغان يسابق الزمن بحثا عن إنقاذ تركيا من أزمتها الاقتصادية
فقدت الليرة التركية بعد الانتخابات التركية في 28 مايو 2023 نحو 38 في المائة من قيمتها أمام الدولار وأكثر من 40 في المائة أمام اليورو فوصلت إلى 27 مقابل الدولار في 18/7/2023، ليس هذا فقط بل تكاليف المعيشة آخذة في الازدياد والقوة الشرائية للناس آخذة في التناقص والحد الأدنى للأجور آخذ في الازدياد وكذلك معاشات موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية لكن الأسعار تواصل الارتفاع بمعدلات أعلى، ومن أجل وقف تراجع الليرة قيام الرئيس أردوغان بجولة خليجية شملت السعودية وقطر والإمارات الهدف منها إيجاد الموارد والاستثمارات، ويتبنى الرئيس أردوغان كأولوية لسياسته في هذه المرحلة خيار تصفير المشاكل مع دول الخليج وخاصة مع السعودية والإمارات من أجل استعادة الحضور الخليجي المالي والاستثماري والسياحي في الاقتصاد التركي الذي تأثر كثيرا بتوتر سياسي مجاني لجأ إليه أردوغان في فترة سابقة.
ما شجع أردوغان المسارعة إلى التوجه نحو دول الخليج بعدما أدرك أن أميركا مع استمرار استنزاف روسيا في أوكرانيا ما يعني أن السلام في أوروبا بعيد المنال خصوصا بعدما وضع الناتو خريطة طريق لحرب باردة جديدة، رغم ان أردوغان شعر أن هناك توقعات بعد قمة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا تتحدث عن دور أكبر لتركيا في الحلف لإبعاد تركيا عن روسيا فلا يود أردوغان أن يتورط في هذا صراع الحرب الباردة الجديدة.
وهناك خيبة أمل تركية من البرلمان الأوربي بخصوص إحياء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب بالدعوة إلى إطار مواز وواقعي للعلاقات بين الجانبين بسبب عدم التزام انقرة بمعايير الاتحاد والتوجه نحو بديل عن مسار مفاوضات العضوية التي لا يمكن أن تستأنف في ظل الوضع الراهن.
ألزمت السعودية ،نفسها بمسار إصلاحي استثماري اقتصادي يتطلب بناء الجسور مع الجميع ولا تنطلق من مصالح أيديولوجية أو توسعية، كذلك تخلى أردوغان عن الاستثمار بالجماعات والتيارات التي تسببت في مشاكل مع جيران تركيا وترفض المنطقة إعادة الاستثمار بالجماعات والتيارات والركض خلف شعارات مع الحذر من تجريب المجرب لأن المنطقة لم تعد تملك ترف لإضاعة الوقت، جعل أردوغان يختار التخلي عن الأوهام التركية خصوصا لجهة التمدد في كل الاتجاهات وصولا إلى ليبيا، في ضوء التخلص من قيود وضعتها المعاهدات الدولية على تركيا قبل مائة عام تنتهي في 2023 من أجل العودة كقوة إقليمية مهيمنة في ضوء التخلص من تلك المعاهدات التي فرضت عليها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية ما جعل أردوغان يركب موجة الإخوان المسلمين لكن وجد أردوغان أنه أخطأ الطريق ولابد من التخلص تماما من هذا التوجه والعودة إلى لغة العقل والمنطق بما في ذلك الجار اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس على هامش قمة فيلنيوس أن بلاده مستعدة لإعادة ضبط العلاقات مع جار تركيا وهما عضوين في الناتو أي تصالح أردوغان مع الواقع.
إرساء أسس صلبة للتعاون الاقتصادي مع تركيا
ترغب دول المنطقة في إرساء أسس صلبة للتعاون الاقتصادي مع تركيا، إلا أن الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على ما إذا كانت أنقرة قادرة على وقف النزيف في ماليتها العامة من جهة، وعلى ما إذا كانت تعرض فرصا استثمارية جديرة بالاعتبار من جهة أخرى، لأن عهد تقديم التبرعات والمساعدات المجانية قد ولى.
لا تود تركيا فقط جذب الاستثمارات لإنقاذ اقتصادها، وإنما أيضا أن تكون حاضرة بقوة في التحولات التي تجري وتقودها السعودية في ظل الحوار الخليجي مع إيران وانفتاح الخليج على الصين والهند حتى لا تجد نفسها على الهامش، كما أن المخاوف الأمنية الإقليمية ومناخ التطبيع الدبلوماسي يدفعان أنقرة إلى إقامة علاقات أعمق مع السعودية بشكل خاص في الفترة المقبلة.
ترتبط السعودية وتركيا بعلاقات تاريخية أخوية وثيقة يعود تاريخها إلى 1929 إثر توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين وتوقيع التعاون التجاري بين البلدين في 1973، وهناك مجلس رجال الأعمال السعودي التركي في 2003 وتطورت العلاقات بشكل ملحوظ خلال عامي 2015و2016 حيث عقدت خمس قمم سعودية تركية وتوجت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله إلى تركيا عام 2016 والإعلان عن إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي لتعزيز التعاون المشترك في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصاد والتجارة والبنوك والمال والملاحة البحرية والصناعة والطاقة والزراعة والثقافة والتربية والتكنولوجيا والمجالات العسكرية والأمن والاعلام وعقد المجلس اجتماعه الأول في فبراير 2017 في أنقرة.
ويتمتع البلدان بمقومات اقتصادية كبيرة بصفتهما عضوين في مجموعة العشرين وتعتبر السعودية شريكا اقتصاديا مهما لتركيا ومن ضمن اكبر ثمانية شركاء تجاريين على مستوى العالم وهناك 1140 شركة سعودية مستثمرة في تركيا بحجم استثمارات 18 مليار دولار، في المقابل استقطبت السعودية 390 شركة تركية برأس مال 985 مليون ريال، فتم توقيع 9 مذكرات تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والاقتصادية بين الرياض وأنقرة شملت الطاقة والعقار والبناء والتعليم والتقنيات الرقمية والصحة والإعلام، وعقود الاستحواذ على مسيرات تركية يعززان مسيرة التوطين في قطاع الصناعات العسكرية.