مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

إفريقيا حاضن "القاعدة" القديم والمسرح الجديد لداعش

نشر
الأمصار

كان للهجوم الذي وقع في آذار  مارس الماضي وتحديدا في التاسع منه، والذي أسفر عن مقتل 44 شخصاً، من قرية موكوندي. يبين بشكل واضح عن التكتيك الحديث لتنظيم داعش الإرهابي في إفريقيا وهذا الهجوم الذي وقع بالأسلحة البيضاء يختلف عن عمليات التفجيرات للتنظيم بشرق أفريقيا، وهجوم من الفصيلة نفسها في غربها. الأول يتبناه تنظيم، والثاني يفاخر به تشكيل. وما بين الفريقين، أو بالأحرى الفرق، تنساب خيوط الدماء على أرض القارة لترسم ملامح قصة بائسة متجددة لضحايا لا يعرفون عن قاتليهم سوى تطرفهم، بينما ينشغل القاتلون بسحب عينة من مسرح جريمتهم ليضيفوها إلى الخريطة الجينية لتنظيمهم في محاولة لترقية عِرقهم في مصاف التنظيمات المتطرفة والمتصارعة على الغلبة والهيمنة.

و من هنا بدأ الجماعات الاسلامية المتطرفة تتبنى استراتيجيات متعددة،  في عملها المسلح بأفريقيا ومن بين هذه الاستراتيجيات استراتيجية فرض الهيمنة والسيطرة على المجتمعات المحلية دون شن هجمات موسعة  بشكل مستمر وبخاصة في أفريقيا، وهي نفس الاستراتيجية التي تتبناها حركة طالبان ، مما يعني أن نموذج طالبان في العمل المسلح سيكون ملهم للكثير من الجماعات، ولذلك فإن الأحداث التي شهدتها أفغانستان وتمدد طالبان ستسمح للجماعات المتطرفة إلى السير على نفس الاستراتيجية والأسلوب ولو معنويًا للإطاحة بأنظمة الحكم القائمة واستبدالها.

كان تنظيم القاعدة أحد التنظيمات التي تؤيد حركة طالبان منذ البدايات الأولى لنشأة القاعدة في عام 1989، ومن بين أبرز مقاتلي وقادة القاعدة الكبار الحاليين كانوا من الذين شاركوا في الحرب الأفغانية السوفيتية سابقًا، لذلك فإن سيطرة طالبان على أفغانستان كان لها صدى واسع لدى أفرع تنظيم القاعدة بشكل عام وفي أفريقيا بشكل خاص.

أولًا- أفريقيا حاضنة القاعدة وسر بقاءه

بينا في اكثر من بحث ودراسة كتبت من مختصين في الحالة الأفريقية بأنه في حالة انسحاب فرنسا من غرب أفريقيا بالطريقة نفسها للولايات المتحدة في أفغانستان، فإنه من المتوقع أن يتغير ميزان القوى لصالح المتطرفين في المنطقة، حيث مثل انتصار طالبان هدية للآلة الدعائية الخاصة بالجماعات المتطرفة في أفريقيا.

وكان قادة القاعدة في أفريقيا قد استقبلوا خبر تقدم طالبان في أفغانستان بالفرح والمؤازرة حيث كان أول من ابتهج بهذا النصر حركة الشباب “المجاهدين” الصومالية والتي بثت عبر منصاتها الإعلامية التهنئة إلى حركة طالبان،ومن المعروف أن حركة الشباب مبايعة لتنظيم القاعدة المؤيدة لحركة  طالبان.

 ان موقف حركة الشباب من التقدم الذي حققته طالبان يمكن القول إن هذا التقدم قد يلهمها على شن حرب طويلة الأمد على الأنظمة السياسية في كلًا من كينيا والصومال على أمل تحقيق نصر مشابه خاصة أن الظروف التي تعيش فيها حركة الشباب تتشابه مع حركة طالبان من حيث أن حركة الشباب تسيطر بالفعل على بعض المحافظات في البلاد  .احتفت كل المنصات الإعلامية التابعة للقاعدة في أفريقيا على وجه الخصوص بالاحتفال بالنصر، وخرج زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي إياد أغ غالي وأعلن مباركته لانتصار طالبان، وداعيًا ما اسماهم “المجاهدين” إلى استخلاص الدروس من التجربة الأفغانية من أجل تحقيق نصر مشابه في افريقا.

تعطي هذه الإشادات انطباع أن الانتصار الذي تحقق في أفغانستان بالنسبة لطالبان سيؤدي إلى رفع الروح المعنوية لكافة الحركات الاسلامية، وقدم حافزًا جديدًا للجماعات ، التي تقود حركات التمرد المتصاعدة بشكل سريع في منطقة غرب أفريقيا.

2 -  أفغانستان أفريقيا ..ذات الملعب والوجه

العوامل ذاتها تعبر على قدر من التشابه بين الحالة الأفغانية والقارة الأفريقية، خاصة في إطار الحديث عن أزمة الإرهاب التي يعاني منها كلًا منهما، ويمكن بيان اوجه التشابه بين الحالتين بالنقاط التالية: –

1.انعدام التنمية: تعاني القارة الأفريقية من غياب حقيقي لمشروعات التنمية في مجتمعات يعتبر أغلبها من فئة الشباب هذا الأمر أدى إلى قيام الجماعات باستقطاب الشباب للانضمام إليها، بالإضافة إلى الانتشار الواسع في المجتمعات المحلية والقرى النائية.

استفادت الحركات المتطرفة في أفريقيا من نقص الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية ، والانتشار الواسع للفقر  وعملت على التوغل داخل المجتعمات لتحل محل الدولة في كثير من الاحيان، هذه العوامل أدت إلى ظهور المتمردين في منطقة كابو ديلجادو في موزمبيق ، واستخدمها  أيضا تنظيم داعش في غرب أفريقيا كوسيلة لتجنيد المقاتلين وكسب الدعم الشعبي، وهو نفس الأمر الذي اتبعته جماعة بوكو حرام في الكاميرون حيث توفر الحركة الزواج للشباب كنوع من مزايا الانضمام إلى صفوفها.

ينعكس هذا الواقع أيضا على أفغانستان والتي تمر بحالة مشابه لحالة الدول الأفريقية حيث تستغل الجماعات الشباب هناك وتسعى إلى استقطابهم إليها بحجة تقديم الرعاية والخدمات وتوفير سبل العيش لهم، وهي نفس الظروف التي تعاني منها الدول الأفريقية خاصة في منطقة الساحل الأفريقي حيث انتشار الفساد وانعدام الأمن وغياب الشفافية، كما أدت التدخلات الخارجية في كلاً من أفغانستان وأفريقيا إلى خلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي في كلا منهما بسبب زيادة النزعات الداخلية والإثنية.

2.التشابه الأيديولوجي: تسعى الجماعات الإرهابية في أفريقيا إلى الوصول للسلطة وهو نفس ذات الهدف الذي عملت عليه حركة طالبان في أفغانستان، فجزء من عمل هذه الحركات وتحركها الأيديولوجي يقوم على مبدأ “الصبر على البلاء للوصول للنصر” بالإضافة إلى التمدد والانتشار على الأرض، سيؤدى هذا الأمر إلى انتشار الجماعات الإرهابية في أفريقيا والتوسع بشكل كبير، وستجعلهم ينظرون إلى الصورة الأكبر من وراء هذا النجاح لحركة طالبان وبخاصة من قبل عناصر القاعدة.

وهنا يمكن لأفرع تنظيم القاعدة في أفريقيا الاستفادة من هذا الصعود وذلك كونها الأقرب من الناحية الأيديولوجية بالنسبة لحركة طالبان من تنظيم داعش الذي يصف الإثنين معًا بأنهم مرتدين، وتتزايد فرصة صعود القاعدة كون أن طالبان قد تقدم على تهيئة الظروف لصالح تمدد القاعدة في مناطق أخرى ، وهو ما يشير إلى إمكانية نمو بعض الفروع ، بما في ذلك حركة الشباب أو جماعة نصرة الإسلام المسلمين.

3.حالة عدم الاستقرار: تعاني كلًا من أفريقيا وأفغانستان من حالة عدم الاستقرار الداخلي سواء كان بسبب العمليات الإرهابية أو بسبب المشاكل الداخلية الأخرى كـ النزاعات الإثنية والعرقية وغيرها، ولذلك فإن هناك حالة من التطابق والتشابه بين كلًا من مالي وأفغانستان فيما يتعلق بـ عدم الاستقرار يمكن ان نشير إليها كالتالي:

1.سيطرة الجماعات المسلحة والمتطرفة على بعض القرى وقيامها بوظائف الدولة الاجتماعية نتيجة لفقر الموارد.

2.التعايش الهش بين المجتمعات ساعد في نمو التطرف خاصة في غرب أفريقيا حيث الصراعات العرقية.

3.تمركز الجماعات في مناطق مناسبة لشن حروب العصابات.

ثالثًا: سيناريوهات محتملة

1.مزيد من الحشد الإعلامي: شهدت الشبكات التابعة للقاعدة حملة واسعة من التأييد والاحتفال بـ تقدم حركة طالبان وتبنت المنصات توجه يوحي بـ أن “مسلمي و”مجاهدي” باكستان وكشمير واليمن وسوريا وغزة والصومال ومالي يحتفلون بتحرير أفغانستان وتطبيقها الشريعة.

يعني هذا الاحتفاء بالتوجه نحو تصعيد الخطاب الإعلامي للقاعدة في أفريقيا كنوع من إشعال الحماس، خاصة أن الحركة في الوقت الحالي تتبع برنامج عمل محلي يعطى انطباع قوي عن أهمية التركيز على الأهداف المحلية في أفريقيا بالنسبة للجماعات. ويستدل على ذلك التوجه من خلال، ما أشار إلية الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية بقوله إن الأحداث الجارية في أفغانستان أعطت الجماعات الجهادية وخصوم الولايات المتحدة سببًا للاحتفال.

2.زيادة المشاكل الأمنية: تكمن الاشكالية الكبرى في أن القوات التي تتولي محاربة الإرهاب في أفريقيا، على سبيل المثال في شرق القارة لا تزال القوات التابعة للاتحاد الافريقي  غير قادرة بشكل فعلى على مجابهة حركة الشباب في الوقت الذي تعاني منه الدولة الصومالية من ضعف داخلي، كما أن تصاعد الإرهاب والقتل في أفريقيا قد يخلق موجة جديدة من حالة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.

وقد تؤدى هذه الحالة من الفراغ الأمني في القارة إلى تمدد جماعات بعينها وسيطرتها على مفاصل الدول الأفريقية، ففي مالي على سبيل المثال تسيطر الجماعات المسلحة والمتطرفة على شمال ووسط البلاد في ظل غياب واضح لمقومات الدولة هناك، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي والفساد المنتشر،  إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية.

وفي شرق أفريقيا، هناك حركة الشباب الصومالية التي لديها خبرات كبيرة في كيفية التعامل مع التموضع وإعادة الانتشار بالإضافة إلى التعامل مع المجتمعات المحلية، خاصة أن الحركة في الوقت الحالي باتت تسيطر على القرى في الجنوب الصومالي وهو ما يعطي لها القدرة على الإدارة إذا تطلب الامر ذلك.

3.تصعيد للعمليات:  لا يزال تركيز الجماعات الإرهابية على أفريقيا جنوب الصحراء بشكل كبير حيث هناك ارتفاع في عدد العمليات الإرهابية خلال الستة أشهر الأولى من عام 2021 بنسبة %3 عن نفس الفترة من العام الماضي و وصل متوسط العمليات اليومية في أفريقيا عملية يوميًا، وكشف التقرير عن المناطق الأكثر كثافة للعمليات وكانت منطقتي شرق أفريقيا والساحل الغربي من القارة.

يتضح من خلال هذه الرؤية مدى خطورة القرارات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة وفرنسا على محاربة الإرهاب في أفريقيا كما أن سحب الولايات المتحدة لقواتها من أفغانستان نتج عنه ضغط على القوات الفرنسية في غرب أفريقيا والتي يقدر عددها بـ (5100) جندي والتي من المقرر أن تسحب قواتها خلال الأسابيع القادمة.

ولذلك، فإن قرار الولايات المتحدة سحب القوات الأمريكية بقيادة أفريكوم من الصومال ، وقرار فرنسا الأخير بتغير استراتيجيتها في محاربة الإرهاب في إفريقيا  والتوجه نحو تقليص وجودها العسكري في مالي ودول الساحل الأخرى مثل تشاد والنيجر وبوركينافاسو وموريتانيا خلق  مخاوف من حدوث طفرة محتملة في انتشار التطرف والعنف وتأثيره في جميع أنحاء القارة الأفريقية.

يعرض مثل هذا السيناريو الدول الأفريقية إلى إمكانية أن تصبح الجماعات المتطرفة أكثر نشاطًا ولن تتخلى عن فرصة لملء الفراغ والأمني ​​في أعقاب انسحاب القوات العسكرية للقوى الكبرى من أفريقيا،  وهو ما حدث بالفعل بعد تصاعد العمليات الارهابية في دول إفريقيا جنوب الصحراء في الاسابيع الاخيرة بدئ ذلك التصعيد عقب الإعلان عن مقتل (200) شخص في (4) عمليات إرهابية شهدتها دول النيجر ومالي وبوركينافاسو في 23 أغسطس 2021 .

وختامًا، يمكن القول إنه على غرار حالة الأمن في أفغانستان هناك حالة من النقاط الساخنة التي تعاني منها القارة الأفريقية خاصة في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تتعرض النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا لهجمات كثيرة من قبل عناصر القاعدة وداعش في الوقت الذي تشهد فيه هذه المنطقة تغيرات جيوساسية بداية من الأوضاع الأمنية والسياسية في مالي وتشاد مرورًا بموقف فرنسا من الحرب على الإرهاب هناك والعودة نحو تشكيل استراتيجية جديدة لم يتضح ملامحها بعد.

أيضا شهدت أفريقيا نجاح تنظيم داعش في التوسع بشكل كبير منذ النصف الأول من عام 2021 وحتى نهاية 2022 وتمكن من ألحاق ضرر كبير للقوات الأمنية هناك، وهو مستمر في التمدد بشكل أوسع في كلًا من مالي والنيجر ونيجيريا وبوركينافاسو والكاميرون وتشاد وموزمبيق وتنزانيا، لذلك فإن تنظيم داعش قد يتجه نحو تصعيد عملياته في أفريقيا لقطع الطريق أمام القاعدة هناك في استغلال حالة نشوة الانتصار لدي طالبان ومحاولة استثمارها في أفريقيا.