البيانات الجينية.. مَورِد لتقدم البشرية في يد الصين ولكنها ترفض المشاركة
تستحوذ الصين على كنز ثمين مطمع لكل دول العالم حيث تختزن كمًا ضخمًا من البيانات الجينية التي من شأنها المساعدة في شتى المجالات المختلفة إلا أنها ترفض مشاركة هذه البيانات.
ورغم أن لديها كميات هائلة من البيانات الجينية بالفعل في البنوك الحيوية ومراكز الأبحاث، فإن الحكومة الصينية تطلق الآن "مسحا جينيا وطنيا" لجمع المعلومات حول هذه الموارد، وتأكيد المزيد من الرقابة عليها، وفق ما نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن خبراء.
ويرى خبراء أن عدد سكان الصين الهائل، الذي يبلغ 1.4 مليار شخص، "يمنح البلد كنزا من البيانات".
الحكومة تشدد على الوصول للبيانات
في السنوات الأخيرة، شددت السلطات أيضا الضوابط حول وصول الأجانب إلى هذه البيانات - على عكس العديد من الدول الغربية التي تعهدت بفتح المعلومات للمشاركة العالمية.
وقالت مديرة مركز العلوم العالمية والعدالة المعرفية التابع لجامعة "كنت" بالمملكة المتحدة، جوي واي تشانغ: "تريد الحكومة أن يكون لها اليد الطولى في هذا المجال؛ لأنها تدرك أن هذا ينطوي على إمكانيات اقتصادية ضخمة، لكن الصين بحاجة إلى تعاون دولي لتحقيق هذه الإمكانيات".
وقالت: "لديك حاليا منجم ذهب عند باب منزلك، لكنك في الواقع لا تعرف كيف تستخرجه".
ما أهمية البيانات الجينية؟
يمكن لهذه البيانات الجينية أن تمهد الطريق لاكتشافات ذات تأثيرات واسعة النطاق، من الرعاية الصحية والاقتصاد إلى الدفاع الوطني والسلامة البيولوجية.
وفي السنوات الأخيرة، أكد العلماء والسلطات الصينية كيف يمكن أن تكون المادة الوراثية مفيدة في دراسة الأمراض وعلاجها، لتطوير المستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية.
علاوة على ذلك، توفر فهما أفضل لكيفية تشكل العيوب الخلقية، أو كيفية مساهمة الجينات في إطالة عمر الشخص - وهو أمر مهم بشكل خاص نظرا للأزمة الديموغرافية التي تلوح في الأفق في الصين، حيث ينخفض معدل المواليد ويتقدم سن القوى العاملة.
ولا تمتلك العديد من المؤسسات الصغيرة في الصين البنية التحتية المناسبة لرعاية وتحديد وتخزين المواد الجينية بطريقة تجعلها "قابلة للاستخدام في البحث العلمي"، بحسب تشانغ.
وقالت: "إن تشغيل بنك حيوي يكلف الكثير من المال، وعدم القدرة على استخدام البيانات أو المواد التي تم جمعها يعد إهدارا للموارد".
وتأمل الصين في إجراء تقييم أفضل لهذه البيانات مع قواعد سُنت مؤخرا، والتي تتوسع ضمن مجموعة سابقة من اللوائح التي تم استحداثها عام 2019.
ومن أهم التطورات، تحديد "مسح وطني للموارد الوراثية البشرية"، والذي يهدف وفق تشانغ، إلى "مركزية وتوحيد البيانات الموجودة من المعاهد ومراكز البحوث".
وسيجرى الاستطلاع كل 5 سنوات، حيث تقوم سلطات المقاطعة بجمع المعلومات في مناطقها، ثم تقديمها إلى وزارة العلوم الوطنية، وفقا للقواعد الجديدة.
داخل الصين فقط
ومع تزايد اعتبار الحمض النووي مصدرا طبيعيا ثمينا مثل النفط، تحرص الصين على حماية جينات شعبها، مما أثار قلق بعض العلماء، الذين يخشون فقدان التعاون الدولي.
وقالت كاثرين وانغ، الشريكة المؤسسة في مكتب المحاماة العالمي "روبس آند غري"، والتي تركز على علوم الحياة، إن اللوائح الأولية لعام 2019 "منعت الكيانات الأجنبية من جمع المواد الوراثية الصينية، أو توفير تلك المواد في الخارج إلى حد كبير، لمنع استخدامها "لأغراض تجارية نموذجية" مثل خدمات التسلسل الجيني.
وعلى الرغم من أن التعاون البحثي مثل الدراسات السريرية لا يزال مسموحا به، فإن الأجانب يواجهون تدقيقا أكثر صرامة، حيث يتعين على "الأطراف الأجنبية وشركائهم الصينيين" إخطار السلطات والحصول على الموافقة الحكومية - مع اللوائح الجديدة - بما في ذلك تقديم تفاصيل إضافية حول هذه العملية، وشروط الأمان الإلزامي المتبعة.
وتأتي التغييرات جنبا إلى جنب مع التركيز المتزايد على الأمن القومي في عهد الزعيم الصيني، شي جين بينغ، مع تكثيف بكين للقوانين عبر مجموعة من الاهتمامات ذات الأولوية، من التجسس المضاد إلى الأمن البيولوجي.
وقالت تشانغ إن "نهج الموارد الوراثية البشرية صارم للغاية، لدرجة أنه يمنح بشكل أساسي وصولا حصريا للمواطنين الصينيين المقيمين في الصين، لإجراء هذا البحث".
وفي حين أن العديد من البلدان الأخرى لديها أيضا قوانين تنظم استخدام ونقل بيانات المواد الجينية لسكانها، إلا أن القليل منها صارم مثل قوانين الصين.
على سبيل المثال، توفر قاعدة بيانات البنك الحيوي في المملكة المتحدة المدعومة من الحكومة، بيانات جينية مجهولة المصدر من سكان المملكة المتحدة إلى "الباحثين في جميع أنحاء العالم ،الذين يستخدمونها لتحقيق اكتشافات علمية جديدة"، وفقا لموقع البنك.
وبالمثل في الولايات المتحدة، تدير المعاهد الوطنية للصحة (NIH) قاعدة بيانات للمعلومات الجينية التي تم إنشاؤها بواسطة الأبحاث الممولة من المعاهد الوطنية للصحة، والتي يمكن للعلماء المؤهلين في جميع أنحاء العالم التقدم للحصول عليها.