د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية تشارك في تأسيس نظام عالمي جديد
حدث في 1989 زلزال جيوسياسي هز خرائط العالم عندما انتهى زمن الحرب الباردة بسقوط جدار برلين بانتصار ساحق للمعسكر الغربي الليبرالي وبداية القطب الأمريكي دون منافسة، عندها ظهر المبشرون الجدد بعالم جديد عنوانه القطب الأمريكي الأوحد، ومن هؤلاء فرنسيس فوكوياما الذي بشر بنهاية التاريخ أي عالم لن تنازعه قوى أخرى، وأمسكت الولايات المتحدة بمفاتيح القرار الدولي، واستثمرت الولايات المتحدة نصائح هنري كيسنجر وبريجنسكي وبول كيندي بتوسيع نفوذها الاستراتيجي والسياسي والعسكري، أي استثمار اللحظة وملئ الفراغ الذي تركه الاتحاد السوفيتي عززت هيمنتها باتفاقية الجات والتجارة عبر المحيط الهادئ وغيرها من أجل استمرار القطب الأوحد.
ظهر تكتل عبر القارات بقواعد مغايرة وأهداف بعيدة المدى يقود عالم جديد عابر للقارات بريكس عام 2009 بأربع دول وتوسع في العام التالي مع انضمام جنوب أفريقيا خصوصا ولدت بزرة هذا التكتل مع الهجوم الأمريكي على أفغانستان والعراق عام 2003 بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لللاستفادة من نفط المنطقة توقع جيم أونيل بروز تشكل من دول صاعدة من الصين وروسيا ةالهند والبرازيل التقطت روسيا فكرة المصرفي وعملت عليها من حينها عام 2006، وبشكل خاص بعد أزمة الرهون العقارية التي انطلقت من أمريكا وشملت العالم، وهذا التكتل يمثل ربع الاقتصاد العالمي وخمس التجارة العالمية ونحو 40 في المائة من سكان العالم مستثمرة المتغيرات السياسية العالمية المتلاحقة وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وجائحة كورونا من قبل والآن الحرب في أفريقيا نتج عنها أزمة اقتصادية، وقد زادت أرقام التكتل نحو 300 في المائة خلال العقدين الماضيين وانخفضت دول السبع من 70 في المائة عام 1980 إلى 40 في المائة حاليا.
خصوصا وأن هذا التكتل يمثل دول الجنوب ولكنه لا يرفض في انضمام دول من الشمال يعيد الاعتبار لمن تمسكوا بعدم الانحياز باعتبار أنه يمتلك الجرأة السياسية والاقتصادية والاستقلال عن المؤسسات النقدية الغربية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من خلال تأسيس بنك التنمية وصندوق التحوط التابعين لبريكس لخلق مساحات أرحب للأسواق الاقتصادية ينحاز للمصالح المجتمعية بدلا من الانحياز للمصالح الأيديولوجية، لأن أعضاءها الخمس لديهم أقل من 15 في المائة من حقوق التصويت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مقابل فقط 17 في المائة للولايات المتحدة و45.5 في المائة لمجموعة السبع، بجانب زيادة دور العملات الوطنية في التعاملات التجارية بين دول المجموعة وغيرها، لكنه لا يستبدل آليات متعددة الأطراف بل تود بريكس تشكيل قوة جماعية مهيمنة جديدة نحو نظام عالمي متعدد المراكز وأكثر عدلا، ولا يقصد أنه تجمع مضاد للولايات المتحدة بل للتعاطي الخلاق معها خصوصا بعد انضمام ست دول على رأسها السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران والأرجنتين ليكون المجموع الكلي للمجموعة أحد عشر دولة مع أن هناك أكثر من عشرين دولة أعلنت رغبتها في الانضمام للمجموعة غلا أن القرار صدر بالموافقة على الستة.
تنعقد دول بريكس والتي تشارك فيها السعودية في منطقة ساندتون في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا في 22/8/2023 لمدة ثلاثة أيام، بالطبع تفضل الهند نهجا أكثر حذرا يحد من قدرة الصين على استخدام بريكس في مواجهة الغرب خصوصا وأن الهند تشارك في تجمع أمني مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا يسمى بالرباعية كواد، ومع ذلك أكدت الهند فكرة توسيع بريكس من حيث المبدأ لكنها تريد ضمان أي تغييرات تقوم على الاجماع وتتخذ البرازيل موقفا مماثلا لأنها تود أن يبقى التكتل ناديا للاقتصادات الناشئة الكبيرة بدلا عن التحول إلى تحالف جيوسياسي يمكن النظر إليه باعتباره مناهضا للغرب، بينما روسيا ترى أنها فرصة لخطب ود الدول النامية من جديد خصوصا بعدما استضاف بوتين الزعماء الأفارقة في سان بطرسبرغ في الفترة الماضية بالطبع تميل الصين نحو روسيا ورفع شعار في القمة الشراكة مع أفريقيا.
أكد لولا رئيس وزراء البرازيل أن المجموعة لا ترفض الدولار الأميركي فهو باق ولكن في بعض الأحيان إتمام التبادل التجاري بين أعضاء المجموعة بالعملات المحلية، وقال لا نريد أن نكون على النقيض من مجموعة السبع أو مجموعة العشرين أو الولايات المتحدة نريد فقط تنظيم أنفسنا، ويخطط بنك التنمية الجديد الذي أنشأته بريكس الإقراض بعملتي جنوب أفريقيا والبرازيل كجزء من خطة التقليل من الاعتماد على الدولار وتعزيز نظام مالي دولي متعدد الأقطاب، وحتى الآن أقرض البنك الذي أنشئ عام 2015 نحو 33 مليار دولار سيتجنب المقرضين أسعار الفائدة الأمريكية وعدم وضع قوائم بالشروط السياسية على القروض
الهدف من توسيع بريكس هو البحث عن بدائل لتوازن القوى العالمي الحالي وفقا لناليدي باندور وزيرة خارجية جنوب أفريقيا حيث انضمام السعودية إلى المجموعة دولة ذات ثقل اقتصادي واستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص وهي اللاعب الرئيسي في أسواق الطاقة في العالم، وأحد أكبر الاقتصادات في مجموعة العشرين وهي الأسرع نموا اقتصاديا وتأثيرا سياسيا وسينعكس بشكل مباشر على الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة الذي يبلغ ربع الناتج المحلي العالمي، وبالضرورة يعزز التوازن الاقتصادي والسياسي في العالم الذي تسعى له المجموعة والسعودية على حد سواء، وتطوير التعاون المستقبلي بين الجانبين من خلال استغلال القدرات والإمكانات التي تمتلكها السعودية ودول بريكس بهدف تحقيق المصالح المشتركة والازدهار للجميع.
تتشارك الدول الأعضاء في مجموعة بريكس والسعودية قيما أساسية مثل احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، الداخلية والتزام القانون الدولي والعمل الجماعي والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة تحت شعار الشراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة، وانضمام السعودية للمجموعة يسرع من التنوع الاقتصادي والتنمية في السعودية وتقليل اعتمادها على الكتل الغربية ويعزز قوتها والاستفادة أكبر من أسواق وقدرات وموارد دول المجموعة في توسيع فرص النمو الاقتصادي، وتنويع شراكاتها وتشكيل علاقات أعمق مع أعضائها بما يتجاوز الحلفاء التقليديين أو يجبرهم التعامل مع السعودية بمرونة أكثر عن ذي قبل.