مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

علي أركان يكتب: الحزن العراقي بين الحسين وتموز

نشر
الأمصار

يوم غد تم علينا ذكرى أربعينية الإمام الحسين سبط الرسول الاعظم محمد ( ص)
حيث تقام مراسيم الحزن ومسيرات تجديد الولاء يقام عدد من الطقوس الدينية والفعاليات الجماعية للتعبير عن الحزن والألم لمصاب هذا الثائر العظيم
لكن مع الاسف يرى البعض أن هذا الشعائر الحسينية هي دخيلة على العراق والامة العراقية وأنها طقوس مذهبية وليست وطنية فهل هذا حقيقي
الجواب طبعاً لا
أن مراسيم الحزن والبكاء في الأمة العراقية ليست وليدة اللحظة أو الحدث بل إنها وليدة الروح العراقية
ققبل أن يكون هناك الإمام الحسين كان السومريون والبابليون ينحون ويبكون الاله تموز بمراسم تكاد لا تختلف عن مراسيم العزاء الحسيني
لكن لحظه لنتوقف من هو تموز ولما حزن العراقيون القدماء عليه وما هي الشعائر التموزية ؟


من هو تموز ؟
دموزي، او تمّوز، هو إله سومري – بابلي قديم مرتبط بالرعاة في القرن كان القرين الأول للإلهة إنانا ( عشتار). سُمّيت شقيقة دموزي في الأساطير السومرية باسم كشتين انا، وهي إلهة تفسير الأحلام. أُدرج دموزي في قائمة ملوك سومر بصفته ملكًا لمدينة باد تيبيرا في الفترة التي سبقت الطوفان، بالإضافة إلى كونه أحد الملوك الأوائل لمدينة الوركاء. ذكرت القصيدة السومرية إنانا تفضّل المزارع ما أدى لحدوث منافسة بين دموزي والفلاح إنكيمدو بهدف الفوز بيد إنانا للزواج.
وقد ذكرت قصّة نزول إنانا إلى العالم السفلي فشل دموزي في الحداد على وفاة إنانا، ما دفع إنانا أن تسمح لشياطين الكالا بسحبه إلى العالم السفلي بدلًا منها وبعد عودتها من العالم السفلي. تندم إنانا على قرارها هذا وتصدر أمرًا بقضاء دموزي لنصف العام في العالم السفلي والنصف الآخر برفقتها، بينما تصدر قرارًا آخر بإبقاء شقيقته كشتن أنا في العالم السفلي بدلًا منه؛ وبالتالي تستمر دورة الفصول

الحزن العراقي الجماعي على تموز:
كما نعرف جميعا أن فصل الربيع يتسم بطابع الفرح والبذخ
ومن المعروف أن الربيع سرعان ما ينتهي ليحل مكانه الصيف بشمسه الحارقة ورياحة اللافحة وانذاك تختفي الخضرة وتختفي كل مظاهر العطاء
وأن اختفاء الربيع وحلول الصيف كان يدل على شيء واحد في العقلية العراقية القديمة وهو وفاة الإله تموز
وقد كان موت تموز مدعاة للحزن وإقامة مواكب العزاء وقراءة المناحات وإعلان الحداد الوطني في عموم بلاد سومر وأكد
وإشارات البكاء والحزن على تموز يرد ذكرها في النصوص المسمارية
فنقرا في ملحمة كلكامش الشهيرة
أن البكاء كتب على عشتار من أجل زوجها تموز في كل عام
كما نقرأ في التقاويم البابلية أن الحزن والبكاء على الإله كان يبدأ في اليوم الثاني من شهر تموز وأنه كانت تقام مواكب العزاء تحمل فيها المشاعل وذلك في اليوم التاسع
والسادس عشر والسابع عشر وكان يقام في الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر تموز
طقس يسمى بالاكدية talkimtu 
يجري خلاله استعراض وتمثيل لمأساة الإله تموز ودفن طقسي لدمية تمثل الإله تموز
ويعرف هذا الطقس التمثيلي في المراسيم الحسينية اليوم بإسم التشابيه

فعاليات مراسيم الحزن التموزي:
قد يتساءل البعض عن كيفية الحزن العراقي القديم على  تموز وهل ينفس مراسيم عاشوراء والاربعينية الحسيني وما هو الدليل؟
الإجابة نعم هي تتشابه إلى حد كبير جدا قد تصل إلى حد القول هي ذاتها
أما كيفية الاستدلال على ذلك فبكل بساطة حين مراجعتنا لقصة نزول أنانا إلى العالم السفلي نرى نصا حواري بين أنانا و وزيرها ننشوبر
وفي هذا النص تكون أنانا على حافة الموت فتوجه وصيتها إلى ننشوبر لايصالها للعالم العلوي
وتقضي وصيه أنانا بإظهار الحزن وإعلانه
وإقامة المناحة وقرع الطبول في المعبد
واللطم على العينين والفم والصدر
ولبس ثوب واحد أشبه بثوب المتسولين للدلالة على ترك الزينة والانشغال بالحزن الشديد
وقد كان اظهار الحزن نفسه شعيرة دينية واجتماعية في المجتمع العراقي القديم وأن اتخاذ مظهر الحزن والحداد بالفعل هو الذي يشفع لادابا ( الإنسان الأول في التراث العراقي) عند حراس بوابات الآلهة انو

المراثي على تموز:
لقد وصلنا عدد من المناحات التي ألفها الشعراء السومريون والبابليون للبكاء على تموز والتي كانت تقرأ في مواكب العزاء في المدن المختلفة
منها المناحة التالية 
- تبكي السيدة على زوجها بمرارة
- تبكي أنانا على زوجها بمرارة
- تبكي ملكة زبالم ( مدينة سومرية قديمة) على زوجها بمرارة
- واسفاه على الزوج واسفاه على الولد
- واسفاه على الدار واسفاه على المدينة
- على زوجها الذي أسر على أبنها الذي قتل
- النبيل الذي لم يعد يعتز به اتباعه
- راح زوجي الذي ينشد الماء فسلم إلى الماء
- النبيل الذي هجر المدينة

أن قراءة هذه المناحة دون أن نعلم أنها إلى تموز تجعلنا للحظات نسترجع بعض الأحداث من الفاجعة الحسينية في العقل الباطن وهذا لسبب بسيط أن وجدان الشعب العراقي في الحزن والتعبير لم تتغير منذ الألف السنين ولازالت هي ذاتها منذ العراقي الأول

الخاتمة:
من ما تقدم بينا أن الشعائر الحسينية ليست دخيلة على المجتمع العراقي بل هي المجتمع العراقي ذاته منذ آلاف السنين وقد تكون هي أحد الحبال التي تربط الشعب العراقي بأصوله الضاربة بجذور التاريخ وان أحيائها في كل عام هو أحياء للهوية العراقية واستحضار كل عبق الأرض العظيمة