د.أنمار الدروبي يكتب: لم يعد الدفاع عن الإرهابيين رجسا من عمل الشيطان علينا اجتنابه؟
ولأن الفساد والدسائس تملأ دهاليز السياسة، عليه فإن الدفاع عن قانون العفو العام أو المطالبة بإطلاق سراح الإرهابيين تحديدا لم يفضح ما يتستر عليه أصحاب هذا القانون، وإنما وضع لذلك السلوك الغير أخلاقي لمبررات القانون ولزومه في تحقيق الأهداف وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
وبما أننا نتحدث عن الإرهابيين فقط وليس غيرهم، إذن ثمة سؤال اعتراضي في جملة اعتراضية:
س/ إلى قادة الحرية والعفو العام ألا تعلمون (إن الإرهابيين إذا أطلق سراحهم من السجون دمروا البلد وجعلوا أعزة أهله أذلة)؟
ج/ نعم كل شيء بصدد هذا الموضوع واضح كوضوح الشمس، لكن أيا كان من يطالب بإطلاق سراح الإرهابيين من السجون فهم (تجار الدم وشيوخ البزنس الذين ركعوا لسلطان الإرهاب وهجروا سلطان السماء).
على ما تقدم، هناك في العراق من يريد لنا أن نبقى رعاع ويستغلنا أبشع استغلال. وبهذا منحت التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش حق التوغل في العراق وسوريا بضمانات عدم تهديد مصالح الغرب وأمريكا وأمن إسرائيل.
بلاشك أن أهالي السجناء المتلهفين لمعرفة مصير أبناءهم ضحية الوهم والكذب، في الوقت نفسه يعتبر هؤلاء أن الدفاع عن قانون العفو العام من قبل بعض الساسة هو عمل بطولي، أما القنوات الفضائية والمنابر الإعلامية الأخرى التي تروج لهذا القانون ترى أن إطلاق سراح الإرهابيين هو من الحكمة والفضيلة الأفلاطونية. لكن الحقيقة هي بروباجندا للدعاية الانتخابية لا يتكئ أصحابها على عكازة أخلاقية، فلا يستطيع أحدا حتى لو كان بهلوان ولو من باب التستر بذلك أن يغض الطرف عن خطورة هذا القانون.
من هنا ذبُح العراقيين على يد القاعدة وداعش، في وقت كان العراق وشعبه في خطر وحضارته تهدم. لاسيما أن القاعدة وداعش فيروسات ووباء حقنتها أمريكا في العراق وسوريا لتقضي على ديننا وهويتنا وتهدم السلم الاجتماعي في البلدين والبقية تأتي.
وبعد كل هذا الدمار والانهيار الذي ضرب العراق بسبب هذه التنظيمات الإرهابية يقفز القرصان من سفينة داعش ليكون نائبا أو مسؤولا في الدولة. ثم يتعامل هذا القرصان بطريقة الكيل بمكيالين فيضع قوانينه وقواعده الأقوى ويفرضها على المجتمع.
أما اليوم فرياح الانتخابات توجه الشراع في اتجاه الدفاع عن قانون العفو العام المثير للجدل. وبدل من سحق الإرهابيين، يجب على الحكومة والقضاء انصافهم وإعادة التحقيق معهم لأنهم تحولوا بقدرة قادر إلى ضحايا، ربما تحولت داعش من تنظيم إرهابي قاتل ومجرم إلى ملاك رحمة علينا انصافه.
هذه قوانين (البراغماتية السياسية)، تلك القوانين التي لم تعجز عقول العراقيين عن إدراكها وأخرى يُفهم جيدا دوافعها وبعض القوانين يقدسها سماسرة الديمقراطية والحرية وحقوق المكون، أما كيف يغضب المجتمع العراقي على هذه القوانين، فالقضاء على الإرهابيين وتصفيتهم من ثم تحرير كل شبر من الأراضي العراقية من داعش وذيولهم تترجم ذلك الغضب.
إذن نحن في معرض البحث عن دوامة الغضب المحتملة لمشاهد الدمار الذي سيحل بالعراق إذا أطلق سراح الإرهابيين من السجون، لأن الأسباب تترابط تاريخيا الى مستوى من العمق تعجز الرؤيا بدقة التحليل عن إدراكها.
وإذا حاولنا القفز لما بعد الاحتلال والسماح لدخول القاعدة وداعش إلى العراق، ثم احتلال ثلثي الأراضي العراقية من قبل داعش الإرهابي، مع زرع حاضنة كبيرة، وتهجير ملايين الأبرياء من المحافظات التي كان يحتلها داعش، لتكون تلك المجاميع الإرهابية مصدر قلق دائم ومعطل للاستقرار في العراق. من هنا سنفهم أسباب كل جوانب عرض المشهد التراجيدي لمسرحية الترويج والدفاع عن قانون العفو العام بكل تجليات فصوله المأساوية الى مانتج وتطور عنه في انهيار منظومة الأمن والسلام في العراق. أما القوى الفاعلة في هذا المشهد فبدون شك تتقدم الولايات المتحدة الامريكية لتمثل الدور الرئيس على المسرح ثم تليها أسماء لشخصيات عراقية دينية وسياسية وإعلامية على الأرض.
ثم يدخل هذا القانون في الوقت الحاضر في الفصل الثاني من المسرحية. لنعترف صراحة إن كل الحسابات وتوقع الأحداث لم يعد متاحا خارج دوائر صناعتها، لذلك قد تسرح وسائل الاعلام خارج أبعاد رسم واقع الحدث أو ربما يتم تسخير الإعلام للتشويش وتشتيت الأذهان لكي يتم تمرير المياه تحت السطح. ثمة حقيقة تستوجب ألا نغفل عنها تُفيد، بأن إطلاق سراح الإرهابيين من السجون، قد يجبر العراق أن يدخل مرة أخرى في أتون حروب من خلال تجنيد الجماعات وتأسيس أحزاب ومنظمات مسلحة إضافة إلى تشيد قاعدة مركزية ومتقدمة للتنظيمات الراديكالية الإسلامية في العراق تؤدي وظائف تعجز الجيوش الفتاكة المتقدمة أن تحققها.
الجدير بالذكر ان هذا التوظيف لم يكن احتكار لصالح بعض السياسيين بعد أن ثبتت فاعليته وقوة تأثيره على ذوي السجناء. لقد باتت أهمية هذا العامل محط اهتمام الكثير من السياسيين ومشروع تمددهم السياسي من خلال أيديولوجيتهم تلك الأيديولوجية التي يراها البعض لا تستند إلى فكر أو عقيدة، وإنما هي أيديولوجية المال والمناصب والصفقات. بذلك يمكننا أن نعتبر المطالبة بإطلاق سراح الإرهابيين من السجون العراقية قد يحقق تفوقا في هذا الاستثمار. بالتركيز على قراءة واقع أحداث البلد سنجد الدور السياسي والإعلامي هو الرئيسي على الأرض، بل أنه المهيمن الحقيقي على قرار العفو العام ليدلل على عدم حنكة ومهارة من يدافع عن القانون في استثماره لأخطاء قد تبدو قديمة جديدة وحتى استدراجها وتسخيرها لخدمة مصالحهم الشخصية.
سنفترض إن الفوضى والدمار الواسع الذي جرى في العراق بسبب القاعدة وداعش لم يكن مخططا له مسبقا وهذا الافتراض نعزّي به أنفسنا من خلاله لكي نتهرب من تهمة خيانة البعض. هُنا نتساءل عن المقابل لكلفة الدماء والدمار التي دفعناها ولا نزال ندفعها؟ لماذا وما هي النتائج؟
كل شيء تحطم فوقنا وتحتنا وحولنا وليس هنالك أي حساب لوجودنا أو قيمتنا البشرية بدليل شواهد ما فعله الزرقاوي والبغدادي وغيرهم من قادة الإرهاب في مدننا وجميع الأحياء السكنية والبنية التحتية التي هي ملك لكل الشعب العراقي. ومن سخريات الأقدار أن نسمع أصوات تشبه الرصاص الفارغ عند الإطلاق لتعالج موضوع الأبرياء في السجون، بدل من الاستنكار السياسي والإعلامي والديني لأبشع جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي. لن نحتاج إلى تفاصيل أخرى لنستعرض صور الواقع الذي يشهده العراق، كل ما يمكن استيعابه هو أن الستار سيكشف عن مشهد الفصل الأخير لكي تبدأ عروض جديدة وأبرز تلك العروض هي يجب على البعض مغادرة المسرح طوعا أو كرها سواء بخلع بدلاتهم أو جلابيبهم أو باستخدامهم في مسارح أخرى حسب ضرورة الحاجة فهم ليسوا بأكثر من سماسرة.
بالنسبة لوحشيّة التنظيمات الإرهابية الذي سُمح لها بافتراس شعبنا يمكن توقيع أقصى العقوبات عليها، أما باقي السجناء والذي يقال عنهم ابرياء وتم اعتقالهم بسبب معلومات كيدية من قبل المخبر السري، فهؤلاء يجب تسوية أمورهم وتقنين أوضاعهم من ثم إطلاق سراحهم.