مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. تحسين الشيخلي يكتب: بين زمنين ..

نشر
الأمصار

غالبًا ما يتم سرد تاريخ الذكاء الاصطناعي على أنه قصة الآلات التي أصبحت أكثر ذكاءً بمرور الوقت. ما ضاع هو العنصر البشري في السرد، وكيف يتم تصميم الآلات الذكية وتدريبها وتشغيلها بواسطة العقول والأجساد البشرية.
اليوم ، وفي قراءة لكتاب ( صناع العبقرية: المنشقون الذين جلبوا الذكاء الاصطناعي إلى Google وFacebook والعالم ) للصحفي المتخصص بوادي السيلكون ( كايد ميتز) ، جال بخاطري نقد زمانين ، الاول زمن جهود العلماء والباحثين و تشبثهم بالعلم من أجل صناعة المستقبل وأغلبهم مات فقيراً من المال و الثروة لكن أسمه أصبح خالداً لا يمكن للتاريخ ان يتجاوزه، وزمن استفاد من ابحاثهم أخرون ليكونوا من اصحاب المليارات أمثال أيلون ماسك و مارك زوغينبيرغ و غيرهم .
في عام 1955 ، اي تقريباً قبل أقل من  نصف قرن ، كان الاستاذ المساعد الشاب للرياضيات في كلية دارموث (جون مكارثي ) يتوسل عمادة الكلية لتخصيص مبلغ 1200 دولار لتغطية مصاريف ورشة عمل أجتهد على عقدها في حرم الجامعة لمناقشة واحدة من أهم مواضيع المستقبل ( آلات التفكير).
أعتذرت الجامعة عن التمويل لكن عرضت أمكانية اسكانهم في سكن الطلبة في الحرم الجامعي خاصة وان عطلة الصيف وعدم وجود الطلبة في الجامعة تسمح بذلك.
اتصل جون بمؤسسة روكفلر لطلب تمويل ندوة صيفية في دارتموث لعشرة مشاركين وتغطية نفقات سفرهم براً من ولايات مختلفة بعضها بعيدة جداً تستغرق الرحلة منها الى دارموث 16 ساعة. في عام 1955، اقترح المشروع رسميًا، جنبًا إلى جنب مع الأصدقاء والزملاء مارفن مينسكي (جامعة هارفارد)، وناثانيال روتشستر (شركة آي بي إم)، وكلود شانون (مختبرات بيل للهاتف).
بعد أشهر وفي يونيو من عام 1956 تحقق الحلم واجتمع بعضًا من ألمع العقول في مجال الحوسبة والعلوم المعرفية وعلماء الرياضيات من جميع أنحاء البلاد لعقد اجتماع في حرم كلية دارتموث. استقر معظمهم في مبنى هانوفر المبني من الطوب الأحمر، ثم تجولوا عبر الحرم الجامعي الجميل الشهير إلى الطابق العلوي من قسم الرياضيات، وأجتمعوا في جلسة عصف فكري لمناقشة (هل يمكن بناء آلة يمكنها التفكير، وكيفية ذلك).
استمرت المحادثات  حول كل شيء بدءًا من علم التحكم الآلي وحتى نظرية المنطق ،لأسابيع، في جو من الإثارة والفضول العلمي .
ويذكر الكاتب ( كايد ميتز) في كتابه ( صناع العبقرية: المنشقون الذين جلبوا الذكاء الاصطناعي إلى Google وFacebook والعالم ) بأن غريس سولومونوف، أرملة أحد العلماء المشاركين، ذكرت له في وقت لاحق ( انهم لم يتفقوا على ماهيتها، أو كيفية القيام بها، أو حتى ماذا يسموها).
في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، أُطلق على مجال (آلات التفكير) مجموعة من الأسماء، بدءًا من علم التحكم الآلي إلى نظرية الأتمتة إلى معالجة المعلومات المعقدة. قبل الورشة، شعر جون مكارثي بخيبة أمل بسبب البحوث المقدمة إلى مجلة حوليات دراسات الرياضيات. وأعرب عن أسفه لأن المساهمين لم يركزوا على قدرة أجهزة الكمبيوتر ( رغم انها كانت في مراحل بنائها الأول حيث تستخدم التكنولوجيا التناظرية قبل اختراع الترانسستور في منتصف الستينات) على امتلاك ذكاء يتجاوز السلوكيات البسيطة. لذلك، قرر تنظيم مجموعة لتوضيح وتطوير الأفكار حول آلات التفكير.
وذكر جون مكارثي لاحقاً (في ذلك الوقت كنت أعتقد أنه إذا تمكنا فقط من جمع كل من كان مهتمًا بالموضوع معًا لتخصيص الوقت له وتجنب الانحرافات، فيمكننا تحقيق تقدم حقيقي).
استندت ورشة العمل التي استمرت ستة اسابيع إلى التخمين القائل بأن (كل جانب من جوانب التعلم أو أي سمة أخرى من سمات الذكاء يمكن من حيث المبدأ وصفها بدقة شديدة بحيث يمكن صنع آلة لمحاكاتها. سيتم بذل محاولة للعثور على كيفية جعل الآلات تستخدم اللغة، وتشكل التجريدات والمفاهيم، وتحل أنواعًا من المشكلات المخصصة الآن للبشر، وتحسن نفسها.)
وعلى الرغم من أنهم ينتمون إلى خلفيات مختلفة تمامًا، إلا أن جميع الحاضرين اعتقدوا أن فعل التفكير ليس فريدًا سواء بالنسبة للبشر أو حتى للكائنات البيولوجية. وكانت المناقشات واسعة النطاق. تمت صياغة مصطلح (الذكاء الاصطناعي) نفسه لأول مرة وتم البدء في البحث في الموضوع وقد قدم العديد من المشاركين لاحقًا مساهمات رئيسية في الذكاء الاصطناعي، إيذانًا ببدء حقبة جديدة.
لقد مهد هذا التجمع الأولي في عام 1956 الطريق لمستقبل الذكاء الاصطناعي في الأوساط الأكاديمية، لقد حددت الأهداف لهذا المجال. والطريقة التي نفكر بها اليوم بشأن التكنولوجيا ترجع إلى الطريقة التي تم تأطيرها بها في تلك الورشة التي أطلق عليها لاحقاً لأهميتها العلمية والتاريخية ( مؤتمر دارتموث ).
لا يعرف الكثير من طلاب علوم الكمبيوتر الكثير عن تاريخ الذكاء الاصطناعي في دارتموث. إلا أن تأثير المؤتمر على البحث الأكاديمي في مجال الذكاء الاصطناعي كان بعيد المدى. في الواقع، قام أربعة من المشاركين في المؤتمر ببناء ثلاثة من أكبر مختبرات الذكاء الاصطناعي وأكثرها تأثيرًا في جامعات أخرى في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى نقل رابطة أبحاث الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن دارتموث.
قام كل من جون مكارثي ومارفين مينسكي، بإنشاء مختبرات للذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على التوالي، بينما قام اثنان من المشاركين الآخرين، آلان نيويل وهيبرت سيمون، ببناء مختبر للذكاء الاصطناعي في جامعة كارنيجي ميلون. وقال ميتز إن مختبرات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وستانفورد وكارنيجي ميلون مجتمعة قادت أبحاث الذكاء الاصطناعي لعقود من الزمن.
وعلى الرغم من تفاؤل المشاركين في المؤتمر، إلا أنهم لن يحققوا في العقود التالية الكثير من الإنجازات التي اعتقدوا أنها ستكون ممكنة بفضل الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، اعتقد بعض المشاركين في المؤتمر أن الكمبيوتر سيكون قادرًا على التغلب على أي إنسان في لعبة الشطرنج خلال عقد من الزمن فقط.
ويبدو ان  الهدف هو بناء آلة يمكنها أن تفعل ما يمكن للعقل البشري أن يفعله. لم يعتقدوا أن (تطوير الذكاء الاصطناعي) سيستغرق كل هذا الوقت.
تألف المؤتمر في الغالب من تبادل الأفكار حول كيفية عمل الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لم يكن هناك سوى القليل جدًا من السجلات المكتوبة للمؤتمر لأنه في الحقيقة لم يكن مؤتمرًا رسميًا لتوثيق جلساته واوراقه البحثية .
يذكر كايد ميتز في كتابه ، إنه بعد المؤتمر، ظهر معسكران لأبحاث الذكاء الاصطناعي. يؤمن أحد المعسكرات بما يسمى الشبكات العصبية، وهي أنظمة رياضية تتعلم المهارات من خلال تحليل البيانات. استندت فكرة الشبكات العصبية إلى مفهوم مفاده أن الآلات يمكن أن تتعلم مثل الدماغ البشري، وتخلق اتصالات جديدة وتنمو بمرور الوقت من خلال الاستجابة لبيانات الإدخال في العالم الحقيقي.
وقد ذهب بعض المشاركين في المؤتمر إلى القول بأنه من غير الممكن للآلات أن تتعلم بمفردها. وبدلاً من ذلك، آمنوا بما يسمى (الذكاء الاصطناعي الرمزي).
شرع الباحثون الذين يقومون بتطوير الذكاء الاصطناعي الرمزي في تعليم أجهزة الكمبيوتر بشكل واضح عن العالم. كان مبدأهم الأساسي هو أن المعرفة يمكن تمثيلها من خلال مجموعة من القواعد، ويمكن لبرامج الكمبيوتر استخدام المنطق لمعالجة تلك المعرفة. وإذا كان النظام الرمزي يحتوي على ما يكفي من الحقائق والمقدمات المنظمة، فإن التجميع سينتج في النهاية ذكاءً واسعًا.
يقول أستاذ الفلسفة جيمس مور، إن الباحثين الذين أتوا إلى هانوفر قبل 50 عامًا فكروا في طرق لجعل الآلات أكثر إدراكًا، وأرادوا وضع إطار لفهم الذكاء البشري بشكل أفضل.
في نهاية المؤتمر التقطت صورة جماعية لسبعة من المشاركين الرئيسيين حيث كان بعض المشاركين يأتي ويذهب . 
من السهل التعرف على ستة من الأشخاص الموجودين في الصورة. في الصف الخلفي، من اليسار إلى اليمين، نرى أوليفر سيلفريدج، وناثانيال روتشستر، ومارفن مينسكي، وجون مكارثي. يجلس في المقدمة على اليسار راي سولومونوف، وعلى اليمين كلود شانون. ساهم الستة جميعًا في الذكاء الاصطناعي أو علوم الكمبيوتر أو المجالات ذات الصلة في العقود التي تلت ورشة عمل دارتموث.
ظلت هوية الشخص الموجود بين سولومونوف وشانون لغزا لبعض الوقت.  الا انه تبين لاحقاً أن هذا هو ترينشارد مور، وهو خبير آخر في الذكاء الاصطناعي حضر ورشة العمل.