عميد يعرب صخر يكتب: ما أكثر المحللين وما أقل التحليل
شكل الشرق الأوسط ولا يزال مركزا" لصراعات الدول وبقعة" لتصادم القوى؛ تتوالى فيه النزاعات والحروب وتجدد نفسها كل حين، حتى بات المشهد العام توتر دائم وتشنج مستدام، في رقعة اختزلت صراعات الكون وحلبة قتال تشد إليها كل المتنازعين يتبارون ويتنافسون في استعراض فنونهم القتالية وأنواع أسلحتهم لتجربتها كلما جد اختراع واستجد نزاع، واقتضته مصالح أو فرضته مطامح.
ومن الطبيعي، من رحم كل ذلك، أن يزدهر سوق المحللين العسكريين في التكتيك، والشارحين في الاستراتيجيا والمفسرين في الجيو سياسة والضالعين في الجيو استراتيجيا. ومن البديهي أن تتولد عند المشاهد التساؤلات وتتعدد الاستفسارات لتقصي وفهم ما يجري لمعرفة كنه مسار الأحداث ومؤديات النتائج ومآلات الأمور.. ولا سبيل سريع لدى هذا المشاهد أو المراقب، غير هؤلاء المحللين والشارحين، الذين من هنا وها هنا تقع عليهم أكبر مسؤولية وأثقل عبء أن يقدموا للسائل الجواب اللازم القائم على الموضوعية المتطلق من الواقعية والمؤسس على التجرد وقياس العقل وقواعد المنطق.
وهنا؛ فتلك أمانة كبرى أن يكون هذا على قدر التزامها. ومن هنا فعند عدم اليقين، أن يقول: [لا اعلم] أو [تنقصني المعلومة] أو يرسم عدة سيناريوهات ولا يعتمد منها ما يتوافق مع جنوح مخيلته ورغباته المضمخة بالمثالية والهيجان العاطفي والوجدانية والتمنيات.. وان يعود سريعا" لأرض الواقع لأن المثالية والواقعية خطان متوازيان لا يلتقيان. فالأفضل للمحلل إذا اعتمد المثالية، أن ينظم الشعر والخطابة كي لا يلوث التحاليل بالأضاليل… وإلا فليصمت.
والأمانة الأكبر عند أولئك من يقدمون هذا المحلل أو يوظفونه، وأقصد محطات التلفزة وقنوات التواصل، أن يتأكدوا من تجرده وأساسه العلمي والأكاديمي البحت، إلى جانب خبراته التقنية والعملية في مجال البحث؛ والأهم التأكد من خلوه من العقيدة المسيرة والخلفية الحزبية المؤثرة بلا شك في توجيه تفكيره واستخلاص نتائج مسبقة تتماهى مع ما يخوض به في التحليل؛ والنتيجة: تحليل ذليل بلا دليل وعدم مصداقية وتضليل.
تلك مسألة هامة جدا" على المتلقي (قاريء، سامع، مشاهد) أن يعيها. ومن موجبات الأمانة أن نعرض له قبل الخوض فيها بضعة معايير أساسية، نكتفي هنا باثنين منها، كمرجع فهم ومستند إحاطة، توفر له أسس القياس، إذا حدثهم محلل /صادقا" كان أم مضللا"/، وبها يستدل لوحده ليميز ما بين الخطأ والصواب، ويهتدي بنسبة كبيرة.
A) أهم مقاييس النصر:
1. احتلال الأرض والبقع الحساسة.
2. السيادة البرية، الجوية والبحرية.
3. حرية الانتشار وتوزع القوى.
4. تأمين خطوط اللوجستية والامداد.
5. كسب معركة العمق والمنطقة الخلفية.
6. الحصول على موقف تفاوضي اقوى.
7. افقاد الخصم لحرية الحركة.
8. دوام الإمكانية ومصادر القوة ووسائل الاستمرار (سلاح وذخائر واقتصاد حربي)
9. أسلحة الدقة العالية والتقنية المتطورة، وحسن استعمال الوسائل.
10. القاعدة الشعبية المؤيدة.
11. انسجام السياسة مع العسكر.
B): معاني ومدلولات بعض المصطلحات
- الجيوبوليتيك أو الجيوسياسة: علم دراسة تاثير الأرض بحدود محددة ببرها وبحرها وجوها على السياسة، مقابل مسعى السياسة لوضع خطط الاستفادة من مميزاتها. أي تأثير السياسة على الجغرافيا.
- الجغرافيا السياسية: تأثير الجغرافيا بحدود محددة على السياسة، أي أن طبيعة الأرض أو الحيز بأهمية الموقع والمناخ والثروات المادية والأولية والبشرية.. تفرض نفسها على رسم سياسة او خطة منيعة تصونها وتحفظها وتستفيد منها. مثلا": الفرق بين الأرض الخصبة والغنية والأرض الجدبة المقفرة، يفرض جغرافيا سياسية بمدى النفع والأهمية.
- الاستراتيجيا: الخطط التنفيذية الشاملة. لكل سياسة محددة استراتيجية major عامة أو مخطط عام، يتشعب إلى استراتيجيات minor تكتيكية لكل إستراتيجية.
- التكتيك: تفاصيل تنفيذ الاستراتيجيات.
- الجيواستراتيجيا: وضع الخطط للاستفادة من الأهمية الجيوسياسية للأرض أو الحيز على نطاق واسع يشمل القارة اوالقارات والمضائق والممرات والمحيطات والأجواء…. تطور هذا المفهوم ابان التنافس الأميركي السوفيتي ليصبح خطة السيطرة وقيادة العالم، لكن لم تنجح به وتطبقه سوى أميركا في الثلث الأخير للقرن العشرين.
الآن؛ إذا عدنا و استعرضنا ما يتحفنا به المحللون العسكريون والاستراتيجيون كغذاء يومي متكرر على محطات التلفزة وهم قابعون في الأستوديوات ينظرون ويصولون ويجولون؛ وبالاستناد للمعايير أعلاه، بات بالإمكان التمييز بين الغث والسمين؛ كذلك بات بالمقدور التفريق بين من يخلط ما بين التكتيك والاستراتيجيا والجيو سياسة ولا يستطيع التفريق بينها، ويجنح بخياله وينطق من هوى نفسه، فيصور الهزيمة نصرا" والنصر هزيمة، ينكر الواقع ويستبدل الوقائع بالذرائع والروائع والشرائع والنوازع؛ وهنا المراسل على الأرض المتابع اللصيق لمجريات الأمور أفضل منه لأنه على الأقل يعطيك صورة" حية بإمكانك انت أن تفكك رموزها بنسبة مقبولة إذا راجعت المعايير المجردة أعلاه…
وبين من يحترم نفسه ولا يتناول حقلا" ليس حقله أو اختصاصا" ليس له، يستجمع معلوماته، يسندها بمرجعيتها التقنية والعلمية، يقارنها بالوقائع، يقاربها بالذرائع ويطاردها بالموانع، ثم يسقطها على أرض الواقع، بالتوازي مع تجرده وموضوعيته وبعده عن اهواء النفس؛ فإذا تكلم أقنع وإذا حلل دلل؛ وحتى إذا تعذرت عنده المعلومة وفاتته الحجة، اعتذر عن الجواب واستعاض عنه بالفرضيات، فاحترم نفسه قبل أن يحترم القاريء المشاهد والمستمع…
ولأني أحترم نفسي، أتعمد عدم تسمية هؤلاء سلبيين كانوا أم ايجابيين، ضارين أم نافعين، كاذبين أم صادقين.. وأترك للقاريء الباحث عن الحقيقة المجردة أن يستنتج بنفسه، وكل معني بالأمر من هذه الجهة أو تلك، لا شك، يعرف نفسه. فالكاذب يعرف أننا نعرف أنه كاذب؛ والصادق يكفيه أنه صدق مع نفسه.
من جانب آخر؛ إذا تتبعنا المحطات والقنوات الأكثر تأثيرًا، وأخذنا عينتين لمحطتين متناقضتين في الرؤية والسياسة تنفقان وتغدقان الدفع ، نجد التناقض المدهش بينها في محلليها عسكريين واستراتيجيين منساقين معها يحللون يشرحون ويفصلون ما يتماهى مع رؤية هذه المحطة أو تلك (هات ألف دولار وخذ ما يسرك من أخبار)!!! وقل لا بل ندر أن نجد توافقا" أو تقاربا" على الأقل في التحليل والنظرة، مع أن كلتيهما تتناولان ذات المسألة. وهذه ملامة أخرى عن أذى مهني ضار و مدمر، لا تقع ضحيته إلا الحقيقة؛ والمتلقي هنا كذلك أي المشاهد ضحية أخرى 'يعتبر سلعة ترويجية لأفكار وتوجهات هذا المنبر الذي لا يحترم وعي الإنسان.
هذه نصائحي المستندة على أسسي العلمية والأكاديمية وخبرتي العسكرية وتجاربي المهنية… مفاهيمي لكم كيلا تختلط عندكم المفاهيم.
يروجون لهم عليكم لقاء حفنة مال.
أروجها لكم مجانا" لقاء صلاح الحال.