د. رائد العزاوي يكتب: الشرق الأوسط على صفيح ساخن
الحروب في الشرق الأوسط لا تبقى محصورة في حدود الدول وإنما تمتد وتنتشر ليتسع نطاقها دائما لابد من التذكير بالغزو الغربي للعراق قبل عشرين عاماً، والذي قضى على التوازن الإقليمي الذي كان سائداً لمصلحة التفوق الإيراني وأدى إلى ظهور الحركات الجهادية العابرة للحدود القومية؛ وقُتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي على مدى السنوات العشرين الماضية وفي ذروة الصراع عام 2006 أودى الصراع بحياة 29027 شخصا، وفي أهدأ حالاته عام 2022 سجلت 740 حالة وفاة.
وخلال هذه الفترة تعرضت فئات من العراقيين للإبادة الجماعية والإرهاب والفقر والتشريد وعندما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتهاء الحرب في العراق وسحب جنود بلاده عام 2011 كان العراق بلدا يعاني من صدمة عميقة سياسية واجتماعية واقتصادية.وأصبح العراق في المرتبة 157 من بين 180 دولة من أكثر الدول فسادا في العالم، وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية. كما يذكّر أيضاً بالحرب الأهلية التي اندلعت قبل عقد في سوريا، والتي استقطبت القوى العظمى والمقاتلين المتطرفين، وخلفت وراءها ما يزيد على 470,000 قتيل، بالإضافة إلى إصابة 1.9 مليون شخص بجروح (أي ما مجموعه 11.5 في المائة من مجموع السكان إما جرحوا أو قتلوا. وتسبب العنف في سوريا في فرار ملايين الناس من منازلهم، وأصبح ما يقرب من نصف السكان، قد شردوا وأكثر 3.8 مليون منهم لاجئين. وتضررت بعض مناطق البلد بصورة غير متناسبة من جراء الحرب؛ وفي بعض التقديرات، حدث ما يصل إلى ثلث جميع الوفيات في مدينة حمص.من المرجّح أن تسير الحرب الدائرة في غزة منذ ثلاثة أشهر على النسق ذاته؛ فعملية فرض واقع الأراضي الفلسطينية على الأجندة الإقليمية كان هدفاً لحماس من بين أهداف هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وارتفعت حصيلة الضحايا الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر الأول الماضي إلى «22 ألفا و722 شهيدا و58 ألفا و166 مصابا»، هذا بالإضافة إلى 1.9 مليون شخص نزحوا قسرا من قطاع غزة “الأيام الماضية أظهرت مدى قرب المنطقة من شفير الهاوية”، ويدلل على ذلك بالاشتباه بقتل إسرائيل قائد إيراني بارز في سوريا، واغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في لبنان، وقتل الولايات المتحدة قائدا بارزا في الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. إن الانزلاق الواضح نحو تدخل بقيادة واشنطن ضد الحوثيين في اليمن قد يكون مؤشراً آخر على تسارع الاقتراب من حافة الهاوية، كما ان ارتفاع معدلات الاستهدافات لمواقع وشخصيات داخل العمق في العراق ، يفتح ابواب الاحتمالات لتغير في شكل العلاقات بين امريكا والحكومة العراقية .إن المرء قد يجد ارتياحاً في حقيقة أن حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والتي استمرت 34 يوما في مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية وفي العاصمة بيروت، وفي شمالي إسرائيل، في مناطق الجليل، الكرمل ومرج ابن عامر.وتسببت هذه الحرب في نزوح أعداد كبيرة من اللبنانيين قدر عددهم بأكثر من 500000 نازح لبناني، بالإضافة لعدد من القتلى والجرحى.
قادة بارزون
وكذلك نجد ارتياحا ايضا في عمليات الاغتيال الأمريكية والإسرائيلية السابقة لقادة بارزين في حماس وحزب الله وإيران، حيث إنها لم تشعل فتيل حرب إقليمية واسعة.
كما أن هناك اختلافا الآن يتعلق بالسياق والنطاق والإيقاع والإدراك؛ فهناك قتل لعدد أكبر من القادة البارزين وتنفيذ لهجمات أكثر على جبهات متعددة في فترة قصيرة، كما أن الهجوم الإسرائيلي على غزة يتواصل – الأمر الذي يثير عداء شعوب المنطقة.
كما إن إيران وإسرائيل هما من سيقرران ما إذا كان الصراع سيتحول إلى حرب شاملة أو سيظل تنافساً على النفوذ الإقليمي؛ ففي الوقت الذي تخشى فيه إيران من تآكل مصداقيتها وقوة ردعها، فإنها لا تزال ترى أن أفضل وسيلة لتحقيق أهدافها النهائية هي من خلال توجيه ألف ضربة صغيرة عوضاً عن مواجهة مباشرة تكون باهظة التكاليف.لكن الخطر الأكبر لا يتمثل في وقوع انفجار مفاجئ للعنف في عموم المنطقة وإنما في التطبيع البطيء للمستوى العالي غير المقبول للعنف والمعاناة البشرية وغياب الحساسية حيالهما”، الأمر الذي أوصل الخطر إلى التجارة العالمية من خلال تهديد الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر”.
إن الحرب في غزة تذكّر بأن الصراعات لا يمكن تجميدها وتجاهلها. ولا يمكن كسبها في ساحة المعركة فقط، بل يجب حلها بإنصاف مهما كان القيام بذلك معقداً ومحبطاً.
“نقلًا عن صحيفة الزمان العراقية”