بعد 106 يوم من حرب غزة.. ما أهم التداعيات الاقتصادية على إسرائيل؟
تواجه إسرائيل أزمة اقتصادية غير مسبوقة جراء حربها المستمرة على قطاع غزة منذ 106 أيام.
ومنذ أكثر من 3 شهور عندما شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، وهي تعيش أزمة متصاعدة من مشاهد قتل جنودها ودمار للمباني وشوارع خالية، وفنادق تخلو من السياح وتأوي بدلا منهم مئات آلاف النازحين الإسرائيليين من سكان المناطق الشمالية والجنوبية.
ملامح الأزمة
ورغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسويق رواية لمواطنيه وحلفائه السياسيين عنوانها اقتصاد إسرائيل قوي ومستقر؛ تندلع خلافات في بنك إسرائيل المركزي تعكس حجم التفاوت بين واقع سوق المال والتصريحات، إذ يطالب محافظ البنك المركزي أمير يارون رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات تجنب الدخول في أزمة اقتصادية حادة، من بينها: فرض ضرائب جديدة، أو رفع القائم منه.
قطاع التقنية
وتبدو تجليات الأزمة الاقتصادية الحادة واضحة في أبزر القطاعات الاقتصادية في البلاد، فأهمها قطاع التقنية الذي يشكّل 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في 2022 ليصبح أكبر مساهم في الناتج المحلي، وفق بيانات هيئة الابتكار الإسرائيلية، وقد تضاعف إنتاج القطاع إلى 290 مليار شيكل (78.6 مليار دولار) في السنة نفسها، من 126 مليار شيكل (34.15 مليار دولار) في 2012.
وحسب البيانات، مثّلت صادرات قطاع التقنية الفائقة 48.3% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية في 2022، بما قيمته 71 مليار دولار، بنمو 107% مقارنة بالمسجل في 2012، ويعمل 401,900 موظف في إسرائيل في القطاع، وفق بيانات 2022.
ومنذ بدء الحرب على غزة وقرار التجنيد الواسع لقوات الاحتياط، خلت شركات التقنية من العمال لتواجه أزمة اقتصادية؛ تمثلت بتراجع الاستثمارات فيها بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي.
قطاع الزراعة
أما بالنسبة لقطاع الزراعة، فإخلاء بلدات غلاف غزة وتلك الشمالية القريبة من لبنان -والمنطقتان تعدّان السلة الغذائية لإسرائيل- لم ينعكس على التكاليف المباشرة للحرب فقط؛ بل تسبب بخسائر فادحة في قطاع الزراعة حالت دون مدّ الأسواق بغالبية المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية.
وتسببت الحرب على غزة بخسارة الغلة الزراعية في غلاف غزة بنسبة 75% و80% من إنتاج الحليب والبيض، إضافة إلى ترك 29 ألف عامل في هذه الأراضي الزراعية.
ويواجه المزارعون في مستوطنات غلاف غزة والنقب الغربي أضرارا مباشرة وغير مباشرة، وينضم إليهم المزارعون الذين تقع حقولهم وبساتينهم في الجليل الأعلى على مقربة من الحدود اللبنانية، وضاعف من الضرر، أن العديد من العمال الأجانب غادروا إسرائيل، ولا يسمح للعمال الفلسطينيين بالدخول إليها.
وتظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن مزارع غلاف غزة تشكل 30% من الأراضي المخصصة لزراعة الخضروات في إسرائيل.
وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية"، وتحوي -كذلك- مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.
ونقل عن رئيس اتحاد المزارعين، عميت يفراح، قوله إن غلاف غزة ينتج:
%75 من الخضروات المستهلكة في إسرائيل، و20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب، و70% من محصول البندورة، و37%من زراعة الجزر والملفوف، و60%من زراعة البطاطا.
ورغم أن 9.5% فقط من البساتين والبيارات تقع في مستوطنات الغلاف، فإن 59% من بساتين الليمون بالبلاد موجودة في المنطقة، وحوالي 30% من بساتين البرتقال.
خسائر فادحة
وأطلق البنك المركزي الإسرائيلي، برنامجاً بقيمة 30 مليار دولار لبيع النقد الأجنبي مع بداية الحرب في غزة قبل شهر؛ لمنع حدوث تدهور حاد في سعر صرف الشيكل، إضافة إلى توفير ما يصل إلى 15 مليار دولار من خلال المقايضات.
وكانت الاحتياطيات في سبتمبر عند 198.553 مليار دولار. ويعد مستوى النقد الأجنبي الحالي لدى البنك أدنى مستوى يتم تسجيله منذ عام، على الرغم من أنه لا يزال مرتفعاً عن المتوسط الذي كان قد تم تسجيله خلال العقد الماضي.
وراجع بنك إسرائيل، الشهر الماضي، توقعاته للنمو للعام الحالي والعام التالي، مشيراً إلى أنه من المتوقع الآن أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 2.3% في عام 2023، و2.8 % في عام 2024 نتيجة تداعيات الحرب. وتمثل هذه الأرقام تعديلاً نزولياً عن التقديرات السابقة التي أشارت إلى نمو بنسبة 3 في المائة لكلا العامين.
وكان البنك المركزي قد أبقى في أحدث اجتماعاته على معدلات الفائدة دون تغيير عند مستوى 4.75% ، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه عمليات التصعيد في غزة، وسط تراجع لأسعار الشيقل قرب أدنى مستوياته على الإطلاق.
"صدمة كبيرة" للاقتصاد
ونقلت صحيفة "كاتاليست" الاقتصادية الإسرائيلية عن كبير خبراء الاقتصاد في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، شموئيل أبرامسن، أنّ الحرب ستؤدي إلى تغييرات في نظام الاقتصاد وفي إسرائيل على المدى القصير في 2024، وعلى المدى الطويل.
وقال أبرامسن في ندوة في الجامعة العبرية بمشاركة خبراء اقتصاديين آخرين، في 8 يناير/كانون الثاني إنّ هذه "الحرب لا تشبه أي شيء شاهدناه في العشرين عاماً الماضية من حيث التأثيرات (على الاقتصاد).
وأضاف أنّ نسبة الإنفاق على ميزانية الدفاع سترتفع من 4.6 في المئة إلى 6 في المئة من الناتج المحلي.
وقال إنّ هذا سيمثّل ضرراً بنسبة 1.4 في المئة للناتج المحلي، وإنّ ذلك سيأتي على حساب الميزانية الشاملة ومن ضمنها التعليم العالي والرفاه الاجتماعي والأمن الداخلي.
وأشار إلى أنّه على المدى القصير، لن يكون هناك مفرّ من زيادة الديون وإيرادات الدولة بما في ذلك الزيادات الضريبية.
ووجّه حاكم المصرف المركزي الإسرائيلي، أمير يارون، رسالة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، حثّ فيها الحكومة على عدم الإفراط في الإنفاق، وتعويض النفقات الزائدة بفعل الحرب من خلال التخفيض في ميزانيات قطاعات أخرى، إلى جانب زيادة الضرائب.
وصرّح أمير يارون في نوفمبر/تشرين الثاني خلال ندوة اقتصادية في واشنطن، قائلاً إنّ الحرب مع حماس تشكّل "صدمة كبيرة" للاقتصاد، وإنها "أكثر تكلفة ممّا كان مقدراً في البداية".
وأكّد يارون حينها أنّ الحرب ستترك "تداعيات مالية وستولّد ضغوطاً على الميزانية".