تقرير دولي: تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه تنمو بقوة في 2024
توقعت مؤسسة ING لأبحاث السوق العالمية استمرار نمو تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في 2024 كتقنية رئيسة للانتقال نحو اقتصاد صافي الصفر.
قالت المؤسسة الدولية في أحدث تحليل لها إن مؤتمر المناخ COP28 الذي عقد في دبي، وصل بالجهود الرامية إلى إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي إلى نقطة تحول، وذلك عندما توصل إلى اتفاقيات "للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري"، وزيادة الاستثمار لمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات في 2030.
يؤدي حرق الوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز والفحم، في محطات توليد الكهرباء وغيرها من القطاعات والصناعات إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وهي المحرك الرئيس لتغير المناخ والاحترار العالمي.
يعد التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون أحد وسائل التصدي لهذه الانبعاثات، من خلال احتجاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر كبيرة مثل محطات الطاقة ومنعها من الوصول إلى الغلاف الجوي، ثم تخزين الكربون بأمان تحت الأرض، مما يساهم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
في العادة، تمر عملية احتجاز الكربون بثلاثة مراحل: التقاط ثاني أكسيد الكربون الناتج عن توليد الطاقة أو النشاط الصناعي، مثل صناعة الصلب أو الإسمنت؛ ثم نقله بطرق آمنة عن طريق السفن أو النقل البري أو في خطوط الأنابيب إلى مواقع التخزين، ثم تخزينه بشكل دائم إما في أعماق الأرض عبر حقن ثاني أكسيد الكربون في التكوينات الصخرية الجيولوجية العميقة، أو في قاع البحر، وذلك لإبعاده عن دورة الكربون التي تساهم في تسخين الكوكب.
نمو متوقع
وفق التحليل، ستستمر تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في اكتساب الزخم والدعم من الحكومات حول العالم بشكل متزايد في عام 2024.
كما ستلتزم المزيد من الشركات في القطاعات التي يصعب تخفيفها، إنتاج الصلب أو البلاستيك على سبيل المثال، بتكنولوجيا إزالة الكربون، بعدما أدركت أن تقنيات احتجاز وتخزين الكربون حاليًا باتت فعالة لتقليل الانبعاثات من حيث التكلفة.
تتبع التحليل مشاريع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه على مستوى العالم، ملاحظًا زيادة في انتشارها، ومتوقعًا زيادة بمقدار ثمانية أضعاف في قدرة هذه التقنيات حتى عام 2030، بناءً على إعلانات المشاريع الحالية.
يشير إلى أنه من الممكن أن تنمو القدرة التشغيلية لهذه المشاريع على مستوى العالم من نحو 50 ميغاطن من ثاني أكسيد الكربون المحتجز سنويًا إلى 165 ميغاطن بحلول عام 2025، وأكثر قليلا من 400 ميغاطن بحلول عام 2030، شريطة استمرار جميع المشاريع المعلنة.
تقنيات احتجاز الكربون
كما تتبع أيضًا سياسات العديد من الدول التي تسعى لتطوير مشاريع احتجاز الكربون، مؤكدًا أن العديد من البلدان أصبح لديها خطط متنوعة لدعم اجراءات ومشاريع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.
تقدم الولايات المتحدة إعفاءات ضريبية لمشاريع احتجاز وتخزين الكربون، في حين تستفيد المشروعات في أوروبا من مزيج من تسعير الكربون وإعانات الدعم المباشرة.
من ناحية أخرى، تتعامل المملكة المتحدة مع مشاريع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه باعتبارها مشاريع بنية تحتية، حيث تتحمل الحكومة معظم المخاطر في حين تقدم عائدا منتظمًا لأصحاب المشاريع.
في الشرق الأوسط، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 كمحرك وطني يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول منتصف القرن، وتمثل تكنولوجيا التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون جزءًا مهما من المبادرة.
تطور دولة الإمارات أيضًا مشروعًا كبيرًا لالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون في أبوظبي، والذي تديره شركة الريادة، وهي شركة متخصصة بالتقاط ثاني أكسيد الكربون مقرها العاصمة.
يعد هذا المشروع هو أول خطوة في مجموعة مشروعات التقاط واستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون المخطط لها في إمارة أبوظبي.
كما كثّفت شركة (أدنوك) من جهودها لتطوير مجال احتجاز الكربون، ووافقت في بداية سبتمبر 2023 على خطة لبناء أحد أكبر مشاريع التقاط الكربون في الشرق الأوسط.
تكاليف أرخص
تختلف تكلفة التقاط ونقل وتخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير من مشروع لأخر، ومن منطقة لأخرى، وفق التحليل.
يمكن أن تتراوح التكلفة من 80 إلى 150 دولارا أو أكثر لكل طن من ثاني أكسيد الكربون اعتمادًا على مدى سهولة الالتقاط، ومكان التخزين، وطرق النقل، ومرافق التخزين المستخدمة.
يقر التحليل بأنه على الرغم من ذلك، تعتبر أعلى تكلفة لالتقاط وتخزين الكربون رخيصة نسبيًا مقارنة بالتقنيات الأخرى المصممة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثل استبدال الوقود الأحفوري بالهيدروجين أو الكهرباء.
ساهمت عدة أمور في خفض التكلفة خلال السنوات القليلة الماضية، أبرزها تأسيس معظم مراكز الأنشطة الصناعية المصدرة للانبعاثات حول محاور احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.
في العديد من دول العالم الآن، تقع محاور احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه حول التجمعات الصناعية القائمة، لتحقيق الوفورات الاقتصادية وخفض التكاليف.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك مشروعا بورثوس وأراميس في هولندا، ومجموعة أكورن في المملكة المتحدة، وخط ألبرتا كاربون ترانكلاين في كندا.
كما تبني شركات النفط في الولايات المتحدة، وخاصة في إلينوي وساحل الخليج، محاور بحرية لتخزين ثاني أكسيد الكربون بجوار مراكز أنشطتها. وتفعل إندونيسيا وأستراليا أشياء مماثلة في منطقتهما.
تخدم هذه المحاور العديد من المصانع وأصحاب المصلحة، وأحيانًا العديد من البلدان أو الولايات.
يرى التحليل أن هذه التكلفة الرخيصة نسبيًا توفر فرصًا كبيرة لخفض الانبعاثات الناجمة عن المصادر الضخمة بسرعة، وهو ما يفيد المناخ على المدى القصير.
يؤكد أن الطلب على تخزين احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه يتزايد ويتجاوز عرض وسعة التخزين في الوقت الحالي، ومن المرجح أن تظل سعة التخزين موردًا نادرًا بالنسبة للباعثات الكبيرة في عام 2024 وما بعده.
على مستوى التمويل، يذكر التحليل أن مشاريع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، في الغالب، تمول من الميزانيات العمومية للمشاريع الغنية برأس المال مثل شركات النفط والغاز الكبرى، لذلك هناك قدر ضئيل نسبيا من تمويل الديون في هذه المرحلة المبكرة من السوق.
على جانب أخر، تعمل الصناعة المصرفية على زيادة التمويل المصرفي لمشاريع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، حتى يتمكن هؤلاء الرعاة من إعادة ما أنفقوه على هذه المشاريع في غضون عامين، أو لتمويل المشاريع الجديدة بقروض مصرفية من البداية.
كما ينشط اللاعبون الحاليون في مجال احتجاز الكربون وتخزينه، جنبا إلى جنب مع شركات الأسهم الخاصة، في سوق عمليات الاندماج والاستحواذ، لاكتساب المعرفة بالتقنية نفسها أو بالمشاريع المتعلقة بها، وهو اتجاه يتوقع التحليل أن يستمر في عام 2024.
نشاط في 2024
بشكل عام، يتوقع التحليل المزيد من النشاط في سوق احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في عام 2024، مع تنبؤات بأن تواجه السوق الجديدة صعوبة في الانطلاق وإظهار إمكاناته الكاملة.
في الوقت الحالي، تلتقط وتخزن المشاريع القائمة بالفعل حول العالم ما يقرب من 0.1% فقط من الانبعاثات العالمية، وهو ما لا يسهم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بالحجم المطلوب.
يحتاج هذا الرقم، وفق التحليل، إلى الزيادة بشكل كبير، ليصل إلى حوالي 15% من الانبعاثات العالمية بحلول عام 2050، وفقا للسيناريوهات الموثوقة لاقتصاد صافي صفر الصادرة عن كل من وكالة الطاقة الدولية ومؤسسة بلومبرج لتمويل الطاقة المتجددة.
على سبيل المثال، سوف يحتاج الاتحاد الأوروبي وحده إلى التقاط انبعاثات تعادل انبعاثات بولندا والدنمارك مجتمعتين لتحقيق أهدافه المناخية الطموحة بحلول عام 2050.
عالميًا، سيحتاج العالم، في النصف الثاني من هذا القرن، إلى الكثير من تقنيات احتجاز وتخزين الكربون من أجل خلق انبعاثات سلبية والتراجع عن التجاوزات المحتملة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي.
يختم التحليل توقعاته بأن مستقبل احتجاز وتخزين الكربون يمكن أن يكون مشرقًا على المدى الطويل، وسيكون عام 2024 بداية الانطلاق الحقيقي نحو هذه النتيجة.