جبار المشهداني يكتب: كرة الندم وليست كرة القدم
لم أعد أعطي أهمية لأي حدث اكثر من أستحقاقه وخاصة مباريات كرة القدم التي لا انكر علاقتي بها منذ اكثر من نصف قرن لاعبا في ( درابين ) منطقتي الحرية وتحديدا منطقة دور نواب الضباط ولعل هدفي الأشهر في مشواري الرياضي هو خلال خدمتي العسكرية عندما سجلت هدف الفوز للبطرية الثانية في كتيبة المدفعية ٧٧٤ بضربة رأس لأقصي فريق البطرية الأولى بقيادة الملازم الأول أنور وأنهي أحلام القداحين (والمدفعجية ) ونترشح الى المباراة النهائية.
وعلى مستوى الدوري العراقي أتابع وأشجع نادي الزوراء وبكيت عندما أصيب لاعبه النجم فلاح حسن في مباراة الزوراء ضد الميناء وكنا أيامها نهرب من المدرسة لنذهب الى ملعب الشعب الدولي ونشجع مدرسة الكرة العراقية أو النوارس كما يطلق عليها . وبطبيعة الحال أنا ملكي ريالي منذ اكثر من عشرين عاما قادما اليه مشجعا من نادي ليفربول الإنكليزي الذي فقد بريقه بعد انتقال لاعبه النجم كيغن كيغان الى الدوري الألماني .
أتذكر معكم كل هذه التفاصيل غير المهمة بالنسبة لأي قاريء لأصل الى ماهو أهم وأعني مباراة كرة الندم التي جرت قبل يومين بين الفريق العراقي والفريق الأردني الشقيق .
أعرف أن كلمة الشقيق تزعج الكثيرين لكنه واقع الحال فنحن في العراق كبقية دول العالم لم نختر لا الأشقاء ولا الجيران ولا سبيل لنا في تغيير التاريخ ولا الجغرافيا من حولنا .
اهنيء الفريق الأردني أولا على فوزه المستحق ومنذ الشوط الأول الذي تلاعب فيه احد مهاجميه بخط الدفاع العراقي كله ولولا الحظ الذي رافق معظم ردود أفعال حارس مرمانا جلال حسن لكانت نتيجة الشوط الأول ٣ صفر في أحسن الأحوال بينما لم ينجح منتخبنا في تهديد المرمى الأردني بشكل جدي .
انتهى الشوط الأول ونحن بكامل عدد لاعبينا وتغير الحال بعدها ليعود الفريق العراقي الى أجواء المباراة ويتقدم بهدفين مستحقين جميلين وتتأكد احقيته بالفوز الى ان اخطأ وتطرف الكابتن المحترف في الدوري القطري أيمن حسين في احتفاليته بالهدف الثاني ليحصل على الكارت الأحمر ويخرج مطرودا من المباراة فما الذي حصل بالضبط وكيف يمكن قراءة المشهد وتحليله بهدوء وبدون انفعال او تطرف او شعبوية زائدة وشعارات لا تقدم لكنها تؤخر بالتأكيد مثل هذا العراق ؟ .
تعرف شنو العراق؟ .
انت ماعندك حس وطني؟ .
وين الغيرة العراقية ؟ .
هاي السوالف شبعان منها وهنا لازم اسأل كل واحد احترك دمه على طرد أيمن من المباراة وخسارتنا .
وين حسك الإنساني من تتابع أخبار غزة ؟ .
أطفال يتحولون الى أشلاء( مجرد خبر صحفي ) .
ملايين النازحين من الموت الى الموت ( خبر صحفي ) .
قتل متعمد وتصفيات بالجملة وسط سكوت دولي مريب ( خبر صحفي ) .
أعترف لكم جميعا إني حزنت لخسارة المنتخب العراقي أمام الفريق الأردني لكنه حزن يعادل قيمة الحدث دون زيادة او مبالغة او ردود أفعال أقل ما توصف انها سخيفة ولا تستحق الرد ولعل أكثر ما احزنني فعلا تجاوز عدد من ( المحسوبين ظلما وعدوانا على الصحافة الرياضية العراقية ) على المدرب الأفضل للمنتخب وتمنيت ان يقوم رئيس الوزراء بمعاقبة المسؤول عن اختيارهم لمرافقة بعثة المنتخب العراقي وأتمنى ان تقوم نقابة الصحفيين العراقيين بشخص الزميل العزيز الأستاذ مؤيد اللامي بدورها الحقيقي في فلترة وإعادة تقييم المئات من الأسماء التي تسللت الى عالم الصحافة في غفلة من الزمن او لأغراض انتخابية واضحة .
مباراة كرة قدم انتهت بالخسارة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مشوار مدرب جاد ومثابر يحاول إعادة الحياة للمنتخب الذي ضاع طويلا بين اروقة الإتحاد وأمزجة المسؤولين ومحاولاتهم استنساخ تجربتي أبناء الداخل وأبناء الخارج ولعبة التوافق السياسي على تشكيلة المنتخب العراقي وهذا اعظم ما تخلص منه بشكل كبير المدرب الحالي .
بعد مضي ٤٨ ساعة على نهاية مباراة(كرة الندم) اتمنى عليكم ان تعودوا لمتابعة مباريات كرة القدم دون ردود أفعال تثلم من إنسانيتكم وصمتكم إزاء جرائم كبرى حصلت وتحصل ضد دينكم وأهلكم ومدنكم وكل ما يستحق الدفاع عنه دما وليس دمعا ولعل فاجعة ما يحصل يوميا دون توقف في غزة هي الإمتحان الإنساني الأكبرالذي واجهناه جميعا ونواجهه بصمت كصمت القبور .
واذا بقيتم أسرى لقوزي المباريات فستأكلكم نيران الحروب وأنتم عنها غافلون.