“بابا العرب”.. محطات في حياة شنودة الثالث بين التسامح ورفض التطبيع
يوافق اليوم الثلاثاء 3 أغسطس ذكرى ميلاد البابا شنودة الثالث مثلث الرحمات في الكنيسة الأرثوذكسية حيث يعتبر البطريرك الـ 117 بالكنيسة.
نشأة البابا شنودة الثالث
وُلد البابا شنودة الثالث، في 3 أغسطس 1923 باسم نظير جيد روفائيل بقرية سـلام بمحافظة أسـيوط، واجتاز مراحله التعليمية الأولى فى دمنهور والإسكندرية وأسيوط وبنها، وأتم دراسته الثانوية بمدرسة الإيمان الثانوية بجزيرة بدران بشبرا مصر وفي عام 1939 بدأ خدمته فى مدارس التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمهمشة بالقاهرة، وفي عام 1946 بدأ خدمته بكنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بشبرا مصر.
التحق البابا شنودة الثالث بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947، وفى السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية. وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليريكية وعمل مدرسًا للغة العربية واللغة الإنجليزية كماحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذًا وأستاذاُ في نفس الكلية في نفس الوقت
وكان يحب الكتابة وخاصة كتابة القصائد الشعرية ولقد كان ولعدة سنوات محررًا ثم رئيسًا للتحرير في مجلة “مدارس الأحد” وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العُليا في علم الآثار القديمة.
وكان من الأشخاص النشطين في الكنيسة خادمًا في مدارس الآحاد، ثم ضباطًا برتبة ملازم بالجيش.
ورُسِمَ راهبًا باسم (انطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، حيث قال قداسته أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء.
ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش قداسته حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير مكرسا فيها كل وقته للتأمل والصلاة.
وبعد سنة من رهبنة البابا شنودة تمت سيامته قسًا، وقام نيافة الأنبا ثاؤفيلس بإسناد المكتبة الاستعارية والمخطوطات في دير السريان إلى لقداسته وهو راهب، بعد أن تركها القس مكاري السرياني
وأمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، وعمل سكرتيرًا خاصًا لقداسة البابا كيرلس السادس في عام 1959
ورُسِمَ أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، وذلك فى يوم الأحد 30 سبتمبر 1962. وقد سامه الأنبا كيرلس السادس أسقفًا للتعليم والمعاهد الدينية مع الأنبا صموئيل.
ألف أكثر من مائة كتاب في العقيدة والتاريخ واللاهوت والروحانيات والمزامير، وفى درس الكتاب والقوانين الكنسية، ومقالاته فى الكرازة لا تعد ولا تحصى وكتب مقالات لجريدة وطنى، وفى الجمهورية وأخبار اليوم وغيرها.
عمل لسنوات محررا ثم رئيسا للتحرير في مجلة مدارس الأحد، ثم ضابطاً برتبة ملازم بالجيش، ومنحت نقابة الصحفيين “الأنبا شنودة” عضوية النقابة عام 1966، وكان رقم عضويته “156”، أي قبل تنصيبه بطريرك للكنيسة الأرثوذكسية بـ 5 سنوات
حبُه للشعر
لم تكن حياة البابا شنودة مقتصرة على الدراسة والصلاة فقط، لكنه كان يحب كتابة الشعر، حيث علم نفسه الشعر وكتابة القوافي من خلال كتاب “أهدى سبيل إلى عِلمي الخليل”، وساعده انعزاله عن العالم على التأمل وأخراج العديد من القصائد.
أجمل ماكتب قداسة البابا شنودة قصيدة “سائح أنا فى البيداء وحدى”، وتعد هذه القصيدة من أشهر ماكتبه قداسة البابا شنودة، فتستعرض تلك القصيدة حياة البابا فى الصحراء وحده جاهلا ماقد يصيبه.
وتقول مقدمة القصيدة ” أنا فى البيداء وحدى ليس لى شأن بغيرى… لى جحرُ فى شقوق التل قد أخفيت جحرى… وسأمضى منه يومًا
ساكنا ما لست أدرى “.
علاقته بالشيخ الشعراوي
اتت علاقة البابا شنودة الثالث بالشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله، من علاقات الود النادرة والمثيرة للإعجاب، فقد جمعتهم لقاءات كثيرة تبادلا فيها الحكايات والضحكات والمناقشات الهادفة.
وتجلى ذلك الود عندما رقد الشيخ الشعراوى فى سرير المرض، فاحتفظ البابا شنودة بصورة له في مكتبه الخاص ليصلى ويوقد الشموع من أجل شفائه وعودته لأرض الوطن بعد إجراء عملية جراحية في لندن.
من أقوال الشيخ الشعراوي بعد عودته من رحلة العلاج: “من منح الله لي في محنتي أنه جعلني أجلس مع قداسة البابا شنودة”، والتي رد عليها البابا شنودة قائلًا: “الذين ارتبطوا بالسماء يجب أن يضعوا أيديهم في أيدى بعض دائما من أجل ما اتفقوا عليه ويتركوا ما اختلفوا فيه، خاصة أن الملحدين يأخذون من الخلاف حجة لكى يبتعدوا عن الإيمان، ونشكر الله لأن المساحة المشتركة بيننا واسعة لكى نعمل فيها معا”.
مواقفه السياسية
أما عن أبرز مواقفه السياسية، فقد سجل البابا شنودة رفضه لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وأكد ذلك بأنه قرر عدم الذهاب مع الرئيس “السادات” في زيارته إلى إسرائيل عام 1977.
وأوضح أنه كان أيضاً صاحب العبارة الشهيرة، بأنه لا يقبل التدخل في الشأن المصري تحت مسمى حقوق الاقباط، وكان دائما يقول الاقباط في مصر ليسوا أقلية ولكنهم جزء من النسيج الوطني واستحق عن جدارة لقب «بابا العرب» لدفاعة الدائم عن حقوق الشعب الفلسطيني، وظل ذلك جليا في رفضه زيارة القدس المحتلة قبل تحريرها.
الجانب الانساني
وفيما يخص الجانب الإنساني كشف الأنبا أرميا، سكرتير البابا شنودة تفاصيل الجانب الخفي في شخصية البابا شنودة، هى حبه للعزلة والزهد، حيث كان قليل الأكل ، وعشقه للأطفال، فقد التقطت العديد من الصور له وهو يلاطف الأطفال ويضحك معهم.
وأضاف الأنبا أرميا إن البابا شنودة لم يتوقف عن الكتابة حتى في أيام مرضه الأخيرة، فعندما بدأ المرض يشتد عليه بسبب الغسيل الكلوي، كان يمليه المقالات حتى لا تتوقف دعوته للحب والسلام والإخاء بين المسيحيين والمسلمين
وقام البابا شنوده بـ 104 رحلة خارج مصر لأهداف رعوية ومسكونية للعديد من الدول وفى قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأستراليا، وقام بسيامة أول بطريرك لإريتريا وهو أبونا فيلبس الأول 1998، كما قام بسيامة أبونا أنطونيوس الأول بطريركا لإريتريا 2004.
رعايته البابوية
كذلك قام البابا شنوده بسـيامة 117 مطرانا وأسقفا وخورى ايبسكوبوس، وكذلك سيامة 1001 كاهن للقاهرة والاسكندرية وبلاد المهجر، وعمل الـميرون المقـدس سبع مرات، وقام بتنصيب اول بطريرك للكنيسة الاريترية الارثوذكسية ، كما انه وفي عام 1973 أحضر إلى مصر رفات القديس أثناسيوس الرسولى.
وصدرت ف عهده بعض اللوائح المنظمة للعمل الكنسى، منها: لائحة المجمع المقدس عام 1985 وعند كتابة البند الخاص بالبابا البطريرك فى لائحة المجمع ترك قداسته جلسة المجمع ليترك الحرية للأباء المطارنة والأساقفة ليكتبوا هذا البند وهم فى حرية كاملة، ولائحة المكرسات 1991، وفى 25 مايو 1980، أسس أسقفية لخدمة الشباب، وفى 1976 تأسست أسقفية عامة لشئون أفريقيا, وفى 1995 تأسست أسقفية للكرازة، وأسس معهد الرعاية والتربية 1974، ومعهد الكتاب المقدس سنة 1974.
وأسس البابا شنوده الثالث إيبارشيات جديدة في مصر وبلاد المهجر، وكان لما جلس على كرسى مار مرقس كان عدد الكنائس القبطية فى أوروبا وأمريكا وأستراليا فقط عدد 7 كنائس ، وعند نياحته كان هذا الرقم قد تضاعف الى 450 كنيسة، وحصل على عدد 9 شهادة دكتوراه فخرية من كبرى جامعات العالم فى أوروبا وأمريكا وأستراليا، ورحل البابا شنودة عن عالمنا في 17 مارس 2012