حاولت أصوات الحرب إسكاته.. رحلة مدفع رمضان في بلاد الهلال الخصيب
يعد مدفع رمضان من العادات والتقاليد المنتشره في كافة أرجاء بلدان المسلمين وكن تتعدد المسميات من دولة إلى أخرى وإن كان في النهاية ينطلق موضوع مدفع رمضان من منطلق واحد هو تنبيه للصائمين بموعد الإفطار، تلك العادة الرمضانية التي انطلقت من مصر وسافرت لبقية العالم العربي ولكن ظلت ذات طابع مميز في بلاد الشام والعراق لأنه غيبتها الحرب وأعادتها مطالبات المحبين لصوته في الشهر الفضيل.
ولنأخذ على سبيل المثال مدفع رمضان في العراق
حيث لا يفطر الصائمون حتى يسمعوا صوت الطوب، هكذا كان معظم العراقيين عامة والبغداديين خاصة، أيام شهر رمضان المبارك، فالطوب وسيلة مهمة لمعرفة وقت الإمساك ووقت الإفطار.
وهنا نجد أن مدفع رمضان الذي كانت وزارة الدفاع العراقية تضعه في مكانات محددة على ضفة نهر دجلة ليطلق قذائفه الصوتية فيسمعها الناس عند ابتداء الصوم بوقت الامساك ثم بوقت الافطار عند الغروب.
وكان العراقيون وحتى مطلع القرن العشرين يطلقون على سلاح المدفع كلمة طوب، والطوب كلمة تركية في الأساس وتعني المدفع.
ويذكر أن المسلمين كانوا يصعدون فوق أسطح منازلهم وقت اقتراب موعد الإفطار أيام شهر رمضان الفضيل، أو يعتلون مكانا مرتفعاً، ويتوقف الناس عن إصدار الأصوات، ويعمّ الهدوء لكي يتسنى لهم سماع صوت المدفع، خاصة المناطق البعيدة عن مكان هذا المدفع، وكانت مدافع الإفطار تعمل وقت رمضان في المدن الرئيسة، وتوضع قرب النهر، أي في منطقة مفتوحة، لكي يصل صدى الإطلاقة إلى أبعد مكان ممكن، وكانت الإطلاقة عبارة عن حشوة صوتية فقط.
والطوب لا يلغي الأذان الذي ترفعه المساجد والجوامع لتعلن موعد الإفطار، لكن العادة جرت عند العراقيين هكذا، فسماع صوت المدفع كان سمة رمضانية خالصة عندهم.
هذا وما زال الكثير من العراقيين حتى يومنا هذا يعلنون فيما بينهم عن موعد وقت الفطور قائلين:«ضـَرَبَ الطوب» ويعنون بها أن وقت الفطور قد حلّ، وان المدفع أطلق قذيفته معلناً بدء الفطور.
مدفع رمضان بالقدس.. إرث لم يخمد صوته
لا يزال رمضان يحتفظ بأجوائه ومظاهره الثقافية والاجتماعية الخاصة به في فلسطين، بعد أن توارثتها الأجيال وتمسك بها الأبناء والأحفاد لتبقى خالدة في الذاكرة والتاريخ.
مع إعلان ثبوت هلال الشهر الفضيل، تصدح مكبرات الصوت بالمساجد بالتكبير وذكر الله، وفي أول أيام رمضان تزدحم الأسواق بالصائمين.
وبرغم كل الظروف، إلا أن الفلسطينيين يحرصون على أداء صلاة التراويح في رحاب المسجد الأقصى المبارك، ولا يزال مدفع "رمضان" في مدينة القدس موجود، كما ينتشر الأطفال في الشوارع القدس العتيقة ينشدون ويرحبون بزوار الحرم القدسي، وتتزين مداخل وطرقات البلدة القديمة بالزينة والإضاءة.
مدفع رمضان بالقدس
ورث رجائي صندوقة مهمة ضرب مدفع "رمضان" في مدينة القدس، بهدف إخبار السكان بمواعيد بدء الصيام وانتهائه، أبا عن جد منذ أكثر من 130 عاما.
ويقوم صندوقة بهذه المهمة منذ 30 عاما، ويقول: إنه حريص على نقل مهمته المستمرة منذ العهد العثماني إلى أولاده، ومنذ 130 عاما يتم استخدام المدفع، لإطلاق صوت انفجار، يعتمد عليه سكان القدس في معرفة مواعيد الصيام والإفطار، بالإضافة الى الأذان من المساجد.
ويتواجد المدفع في جانب من المقبرة التي يمكن رؤية أسوار البلدة القديمة منها. يقول صندوقة إن فكرة مدفع رمضان، بدأت من العاصمة المصرية القاهرة، ومنها انتقلت إلى العديد من الدول العربية بما فيها فلسطين.
انتشر مدفع رمضان، لاحقا في العالم الإسلامي وقد وصل إلى فلسطين خلال العهد العثماني"، وكانت عائلة صندوقة، قد تولت مهمة ضرب المدفع منذ البداية، وما زالت تتوارث هذه المهمة.
وقال صندوقة "كان جدي الحاج أمين يطلقه من هذه المنطقة".وأضاف "في حينه، كان هناك مدفع أيضا في كل مدن فلسطين واستمر حتى سنوات التسعينيات حيث منع الاحتلال تصنيع مادة البارود المستخدم في المدفع وبالتالي توقف المدفع في المدن بما في نابلس والخليل وبيت لحم ولكنه تواصل في القدس بعد إصرار منا".
وفي البداية، بررت السلطات الإسرائيلية عدم السماح باستخدام البارود في إطلاق المدفع، بدوافع أمنية، ولكنّ صندوقة أصر على إيجاد طريقة تسمح له بمواصلة المهمة.
وتواصل صندوقة إلى اتفاق مع السلطات الإسرائيلية على استخدام قنابل صوتية بدلا من البارود من أجل إطلاق المدفع".
ويصل صندوقة إلى موقع إطلاق المدفع مرتين يوميا الأولى عند موعد بدء الصيام، والثانية عند موعد انتهاء يوم الصيام إيذانا بالإفطار.
ومنذ 30 عاما، وفي جميع أيام شهر رمضان لا يتمكن صندوقة من التواجد مع أفراد عائلته على مائدة الإفطار بسبب انشغاله بمهمة إطلاق المدفع.
ويستلم صندوقة قنابل الصوت من السلطات الإسرائيلية يوميا، حيث ينتظر عناصر من الأمن الإسرائيلي خارج المقبرة التي يتواجد فيها المدفع للتأكد من أنه قد استخدم قنابل الصوت فعلا في إطلاق المدفع.
مدفع رمضان في سوريا
كان مدفع رمضان من الوسائل المحببة في الشهر الفضيل للشعب السوري، حيث تميزت كل مدينة بمدفعها الخاص الذي ينتظر سكانها سماعه، حتى جائت الحرب السورية وبات القصف وأصوات المدافع أمر يومي لسكان سوريا.
عادت عادة مدفع رمضان في بعض المدن السورية ومنها مدينة اللاذقية التي عاد إليها المدفع بعد 12 رعام من توقفه، حيث أعلن أمين سر اللجنة النقابية والعامل في فوج إطفاء اللاذقية نزار الشوا أنه بعد مطالبات عديدة من أهالي المدينة تمت الموافقة على عودة ضرب مدفع رمضان في اللاذقية خلال شهر رمضان المبارك وعيد الفطر بمهمة رسمية.
ويتم إطلاق المدفع في مدينة اللاذقية في حي القلعة قرب جامع المغربي على أن يتم ضرب المدفع عند تثبيت الشهر الكريم وعند الإفطار وعيد الفطر.
بينما ينطلق المدفع من مدينة حماة من قلعة حماة مع آذان المغرب معلناً موعد الإفطار، بعد أن أعيد فتح قلعة حماة أمام الجمهور، بعد إعادة تأهيل المتنزهات الشعبية وتجديد الإنارة، المحيطة بأطلال القلعة الأثرية، وذلك بعد إغلاق دام عشر سنوات منذ اندلاع الاحتجاجات ضد النظام عام 2011.